تحقيق: حسام وهب الله
يقول الله تعالى في الآية السابعة والتسعين من سورة آل عمران “ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً”، ولهذا ترى المسلمين يهتزون شوقاً في تلك الفترة من العام لشد الرحال إلى مكة المكرمة لأداء شعائر الحج، وهذا العام وبعد غياب عامين متتاليين، بسبب جائحة كورونا، سمحت السلطات السعودية بحج مليون مسلم من خارج أراضي المملكة، وهو ما جعل قلوب الكثيرين تهفو شوقاً لأداء فريضة الحج، لكن وبسبب ظروف استمرار الجائحة اضطرت السلطات السعودية إلى فرض بعض الشروط حماية لحجاج بيت الله الحرام، ومنها شرط السن، حيث سمحت فقط لمن هم أقل من سن الخامسة والستين، بالتقدم لأداء الفريضة وهو ما منع كل من تجاوز عمره ذلك السن من التقدم.
وبلا شك فقد أحزن هذا الامر الكثيرين ممن حرصوا على جمع مدخراتهم استعداداً لأداء الفريضة الخامسة من فرائض الإسلام إضافة لمن لم يصبهم الدور عندما تقدموا بطلب الحج فيما يعرف باسم حج القرعة وتمنعهم مدخراتهم البسيطة من أداء الفريضة وفق شروط شركات السياحة التي رفعت الرسوم بشكل مبالغ فيه هذا العام، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو موقف الذين تجاوز سنّهم السن اللازم لأداء الفريضة؟ وما موقف الذين لم تصبهم القرعة ويعجزون عن تلبية شروط شركات السياحة الخاصة؟
أسئلة طرحناها على علماء الدين ورصدنا إجاباتهم في التحقيق التالي.
البداية مع عدد ممن لم يوفّقوا في أداء الفريضة هذا العام حيث يقول ممدوح محمود القليعي: أنه يبلغ من العمر 65 عاما وأربعة أشهر وبسبب تلك الشهور القليلة لم تتح له فرصة التقدم لأداء فريضة الحج هذا العام رغم أنه طار من الفرحة عندما أعلنت السعودية قبل شهور قليلة فتح باب الحج هذا العام لحجاج الخارج ليأتي شرط السن ويعيقه عن زيارة مكة والمدينة ولكنها إرادة الله ولا راد لإرادته.
يضيف القليعي: أنه وفور علمه برفض طلبه ردد “قدر الله وما شاء فعل” لكن دموعه خانته ووجد نفسه يبكي كثيراً فقد تاقت نفسه لزيارة الكعبة المشرفة والتشرف بزيارة النبي والسلام عليه وكان يتمنى أن تكون هناك بعض الاستثناءات حتى ولو للأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة ولا يعانون من أمراض مزمنة وحصلوا على كافة جرعات اللقاحات المقررة ضد فيروس كورونا لكنه في النهاية راض بما قسمه الله ويتمنى أن يتم رفع هذا الشرط في العام القادم ليلبي نداء الحج ويزور الأراضي المقدسة.
من جانبها قالت السيدة أمل فتحي: أنها منذ سبع سنوات كاملة تجمع مدخراتها القليلة وتحاول قدر المستطاع ادخار جزء من معاش زوجها الراحل حتى نجحت في جمع مبلغ من المال يكفي نفقات الحج التابع للدولة وتقدمت بالفعل للقرعة لكن الدور لم يصبها للأسف الشديد وفي نفس الوقت هي لا تستطيع تحمل نفقات الحج السياحي ولا حتى الاقتصادي لهذا قررت الانتظار للعام القادم داعية الله أن يمد في عمرها حتى تحج بيته الحرام وتوزر قبرنبيه.
تضيف: الحقيقة أنني بكيت كثيراً عقب صدور القرعة في المحافظة التي أعيش فيها وظل أقاربي وجيراني يعملون على تهدئتي كثيراً لكنها الحقيقة التي لا جدال فيها أن الشوق لبيت الله الحرام أكبر من أي محاولة لتهدئتي ومازلت حتى الآن أذرف دموعي كلما شاهدت الكعبة في التلفزيون ولا أعرف كيف ستكون حالتي خلال إذاعة مناسك الحج قريباً ورؤية الحجاج وهم يطوفون بالكعبة وغيرها من المناسك لكن في النهاية رضيت بما قسمه الله لي.
التبرع ببعض النفقات
على الجانب الآخر تقول د. فتحية الحنفي- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-: لا خلاف بين العلماء علي فرضية الحج علي المستطيع لقول الله تعالي “ولله علي الناس حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا”، وقال صلي الله عليه وسلم “من أراد الحج فليعجِّل فإنه قد يمرض المريض، وتضلّ الراحلة ،وتعرض الحاجة” وهذا يدل علي ان من وجب عليه الحج الاتيان به، لأن المكلف قد يعرض له ما يمنعه من الاتيان بهذه الفريضة فإذا استطاع أداء هذه الفريضة بنفسه وماله ولكنه لا يؤديها بسبب ان اسمه لم يخرج في القرعة هذا يرجع لسببين: الأول ان اسمه لم يخرج في القرعة بسبب كبر السن، ففي هذه الحالة ينظر هل سبق له الحج ام لا ،فإن سبق له حج الفريضة وما تقدم به حج تطوع ففي هذه الحال الأفضل له أن يتبرع بجزء من نفقات الحج وبها ينال الثواب الجزيل .
تضيف: اما ان لم يسبق له حج الفريضة ففي هذه الحالة يبحث عن شخص سبق له أداء الفريضة لينوب عنه في أداء الفريضة وتكون النية خالصة له شرط أن يتكفّل بنفقات الذهاب والرجوع ويلبّي وهو في بيته واذا لم يجد فيتبرّع بجزء من نفقات الحج أو كلّها وبها يأخذ الثواب.
السبب الثاني: ان الاستطاعة متوفرة ولكن اسمه لم يخرج في القرعة فعليه ان يبحث عن وسيلة اخري مثل الحج السياحي فإذا لم يتمكن عليه أن يقدم في العام الذي يليه بناء علي قول الشافعية الذين يرون ان الحج لا يجب علي الفور، فإن اخَّر الأداء بعد استطاعته بسبب اجراء القرعة فإنه لا يأثم لان وجوب الحج عندهم يكون علي التراخي والحج من العبادات التي تقبل النيابة لمن توفر لديه الاستطاعة ولكنه لم يستطع السفر لكبر سن أو مرض تقبل الله من الجميع أداء هذه الفريضة.
من جانبه يقول الشيخ عبدالنبي ابراهيم- من علماء وزارة الأوقاف-: أن العلماء أجمعوا على أن الحج من الواجبات الفورية شرعاً لا يجوز تأخير الحج لأي داعٍ ما لم يكن خارجاً عن إرادة المكلف، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وجوبه في سنة الاستطاعة، ومن هنا فإن منع الحج عن كبار السن أو المرضى ينفي الاستطاعة جملةً وتفصيلاً، فيصبح المكلف من الذين لا يستطيعون الحج فيسقط التكليف الفوري عنه.
يضيف: يجب على المسلم ألا يشق على نفسه أو أن يتضايق إذا لم يُوفق في أداء فريضة الحج فله الثواب أنه سعى ولكن عدم الاستطاعة لم تتح له أداء الفريضة خاصة في ظل استمرار جائحة كورونا والخوف من إصابتهم بالفيروس وتعرضهم لخطر الوفاة، لهذا فإن منع كبار السن من الحج جاء في صالحهم وذويهم ومن الممكن أن يعمل الإنسان المسلم الذي لم يوفق في أداء الفريضة هذا العام على الاستفادة من ثواب العديد من العبادات الأخرى في أيام الحج فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشئ”. وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: “ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهـن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهـن من التهليل والتكبير والتحميد”، وهكذا يحصل المسلم على الثواب العظيم الذي يقترب إلى حد كبير من ثواب الحج طالما غابت عنه الاستطاعة وقد ثبت عن النبي أن العمل في العشر من ذي الحجة من أفضل النعم من الله على عباده، وهي فرصة عظيمة يجب اغتنامها، وحري بالمسلم أن يخص هذه العشر بمزيـد من عناية واهتمام، وأن يحرص على مجاهدة نفسه بالطاعة فيها، وأن يكثر من أوجه الخـير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم. يقول أبو ثمان النهدي: كانوا- أي السلف- يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخـيرة من رمضان، والعشر الأولى من ذي الحجة، والعشر الأولى من محرم.