متابعة – جمال سالم :
أكد الباحث أحمد إبراهيم أحمد أن الشريعة الإسلامية اهتمت بحماية النسل وصيانته، باعتبار حفظه مقصدا من مقاصد التشريع، غير أن الواقع المعاصر شهد تغيرا ملحوظا في حماية النسل؛ وبنظرة يسيرة نرى الانحراف عن صيانة النسل وحفظه والسمة البارزة عند المجتمع الغربي. وأشار إلى أن الإسلام لم يترك المجتمع فريسة لتلك الانحرافات؛ بل وضع قواعد وضوابط تحفظ كيانه وتحمي نسل المستقبل، من خلال منهج وقائي يراعي الاحتياجات الغريزية للإنسان،منهج قائم بتحقيق مقاصد الخلق من عبودية لله تعالى، وتزكية للنفس البشرية، وتعميرللأرض.. وأوضح أن الإسلام قام على حماية النسل من خلال عقوبات أقامتها الشريعة من حدود رادعة للمعتدين عليها من مفكري الغرب وأتباعهم من التغربيين في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، جاء ذلك في رسالته للماجستير بكلية الدعوة حول ” قضية النسل عند مفكري الغرب في ميزان الإسلام”
تكونت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور ياسر محمد عبداللطيف.أستاذ الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة ” مشرفا” والأستاذ الدكتور محمد رمضان أبو بكر أستاذ الثقافة الإسلامية، ومدير وحدة الجودة بالكلية ” مشرفا مساعدا ” والأستاذ الدكتور ناصر محمد السيد أستاذ الأديان والمذاهب بالكلية” مناقشا داخليا”، والأستاذ الدكتور محمد نجيب عطيو أستاذ مناهج و طرق التدريس ورئيس القسم الأسبق بكلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر ” مناقشا خارجيا ”
عن الأسباب الداعية لاختيارالموضوع أكد الباحث أن فراغ المكتبة الإسلامية من معالجة ما يُستجد عند الغرب من نظريات علمية، متصلة ببعض القضايا العقدية من ناحية، ومتعلقة بالجانب الإنساني من ناحية أخرى، وتفشي ظاهرة انحسار النسل عند الغرب على نطاق واسع ،وبمعدل متزايد زمانيا، مغطيا مساحات غيرقليلة من المعمورة، بين الطبقات المتنوعةعلى اختلاف درجاتها، مما يدل على الإهدار البيّن الواضح لقيمة النسل عندهم؛ وهذا ما يستدعي دراسة تلك المشكلة، ونقدها نقدا بناء وخاصة في ظل انفتاح المجتمع الغربي بكل طوائفه على كل ماهو جديد في ميدان العلم والمكتشفات الحديثة بلا ضوابط ولاروابط يرجع إليها، مما يتطلب منا وقفة أمام تلك الظاهرة التي مازالت تتمادى مع إبرازالمشكلات التي تتناول مقصد النسل من حيث المفاهيم والتصورات والتفسيرات، وبيان وقعها على المجتمع الغربي وأبعاد الآثارالمترتبة على هذه المشكلات، مع الرغبة الجادة في كشف النقاب عن تميز الإسلام في جانب المحافظة على قيمة مقصد النسل، وتحريم كل أمر يؤدي إلى إهداره وخاصىة أن لخطورة الموضوع الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة من الناحية الاجتماعية والثقافية ومن ثم الاقتصادية، اشتملت الرسالة على أبواب ثلاثة تناولت العديد من القضايا الحيوية أهمها: رؤية مفكري الغرب لمقصد النسل، وتفسيرغريزة النسل، الإجهاض والتعقيم ، ونظرية الفوضى التناسلية ،والانحرافات الجنسية عند الغرب وآثرها على قضية النسل وأثرها على المجتمع الغربي، ونشأة النسل من خلال التطور اللاماركي الحلقة المفقودة بين الأنواع في المنظور الغربي، والتطور الدارويني الحديث، وقضية التطور بأبعادها المختلفة ،وتحديد النسل وأثره على المجتمع الغربي، واليوجينا أو “علم تحسين النسل” نشأته اليوجينا وتطوره وآثاره وتقييمه في الميزان العلمي والإسلامي، والهندسة الوراثة ونشأتها وتطبيقاتها،وهندسة الاستنساخ البشري، ونظرية فرويد لتفسير النمو الجنسي، ومخاطر نظرية الفوضى التناسلية التي شاعت بين أوساط علماء الاجتماع الغربيين، محاولة منهم لتفسير هذا السلوك التناسلي، والأطوار التي مر بها كما في زعمهم ومحاولات علماء البيولوجيا الغربيين تفسير نشوء الكائنات المتنوعة واختلاف الذرية عن آبائهم، فكانت النظرية اللاماركية، ثم الداروينية، وأخيرا الداروينية الحديثة، ونظرية مالتوس الاقتصادية، وبيان موقف الإسلام من هذه القضايا.
نتائج هامة
توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج أهمها: رفض كثير من علماء النفس الغربيين للتفسير المادي البيولوجي لغريزة النسل، رغم شيوع هذا التفسير بين علماء والنفس والتربية وتأكيد الإسلام على نظرية الخلق المستقل، وأن الكائنات كلها نشأت عن طريق الخلق الإلهي المباشر،أما “نظرية اليوجينيا” فهي عنصرية، نشأت عن مفاهيم تطورية، واعتقدت أن البشر أنفسهم ليسوا متساويين فيما بينهم ، وكذلك اتفاق أغلب مفكري الغرب على التفسير المادي لغريزة النسل وفطرة الإنجاب، في مراحل نموها، والأطوار التي تتناوبها، حتى ذهب كثير منهم إلى أن الغريزة الجنسية هي المحرك الرئيس لدوافعه، وردود أفعاله، ولأجل ذلك قالوا بفصل النشاط الجنسي عن وظيفته التناسلية ، أم نظرة الإسلام إلى النشاط الجنسي فجاءت معتدلة دون إفراط في ممارسة تلك السلوك، أو التضييق عليه، فحث عليه وجعل هذا الأمر بابا من أبواب البر والأجر.
وفندت النتائج إفراط الغرب أفرادا وحكومات في القيام بعمليات الإجهاض دون ضابط، واتخاذ إجراءات التعقيم القسري العنصرية؛ مما أهدر من قيمة النسل، ونقص في عدد الذرية ، وكذلك نظرية الفوضى التناسلية التي ظهرت لدى علماء الاجتماع الغربيين، كانت في أساسها مبينة على الأساطير، والممارسات البدائية التي لا تغني من الحق شيئا، ولا تفيد إلا الظن أو التخمين، أما موقف الإسلام من تنظيم السلوك التناسلي كان محددا وواضحا، في القرآن والسنة، بالتنصيص على المحارم، وتأطير السلوك الجنسي بإطار الزواج الشرعي وهذا ما جعله يرفض شيوع الفوضى الجنسية بكل صورها الطبيعية منها والشاذة في المجتمع الغربي، حتى وصلت حدا لم تصل إليه من قبل، وعواقب الإفراط في تناول السلوك الجنسي لدى الغرب كانت شديدة على صحة الفرد وتماسك المجتمع ومقصد النسل، والنظام الأسري القائم هناك؛ حتى وصل هذا التأثير إلى انحسار في نموهم السكاني ، أما موقف الشريعة الإسلامية كان حازما في التعامل مع أي انحراف جنسي، من خلال ما سنته من عقوبات، ومنهجا في التعفف، والوقاية من أمراض الانحرافات الجنسية؛ حفاظا على مقصد النسل الضروري في الإسلام، على عكس تفسير علماء البيولوجيا الغربيين لنشأة الذرية، واختلاف الأخلاف عن الأسلاف كان متعددا، اعتمدوا فيه على التطور العضوي، واكتساب النشيء للصفات الوراثية وكذلك الحلقة المفقودة في سلم تطور الكائنات جاءت نتيجة لاعتقاد غالبية علماء البيولوجيا الغربيين في نشوء الكائنات وارتقاء بعضها عن بعض(التحولية) والداروينية الحديثة التي جاءت بمفاهيم الطفرات والعشوائية ظهرت كمحاولة لسد الثغرات في التفسير الدارويني القديم (الكلاسيكي) لعملية التطور ، أما موقف القرآن من خلق الإنسان الأول كان صريحا في نصوص واضحة، جاءت بالتأكيد على نظرية الخلق المستقل، وإبداع الخالق القادر.
ورفض النتائج نظرية مالتس الاقتصادية التي دعت إلى تحديد النسل، بحجة أن معدل زيادة النمو السكاني أعلى أضعافا من معدل النمو في الموارد الاقتصادية (قانون الندرة) وكذلك شيوع ظاهرة تحديد النسل مما أدى إلى إضعافه وإنهاكه على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبشري ، كما جاءت النظريات العلمية السكانية والاقتصادية تكذب مُدعى نظرية المالتوسية، وكذلك جاء الإسلام يؤكد على قانون الوفرة، وهو ما أكده الواقع المعاصر ، نظرية اليوجينيا فهي بيولوجية انبثقت عن الداروينية، نادت بدعوات عنصرية، مثل:الزواج والهجرة الانتقائية، والتعقيم القسري؛ بغية لتحسين الأجيال القادمة، وتقليصا لأعداد غير المرغوب فيهم وراثيا ، ونتيجة للممارسات والانتهاكات الإنسانية التي قامت بها المؤسسات والحكومات اليوجينية كان مصير تلك الأيدولوجية إلى الانحسار والتقلص والانهيار ، ام الحتمية البيولوجية والأعراق العنصرية التي جاءت بها نظرية تحسين النسل، لم تصمد أمام النظريات الوراثية المنصفة، وأن التفاوت الوراثي في الأشخاص لا بين الأمم، وقد أكد الإسلام على حرية الإنسان في ممارسة حقوقه الإنجابية، وأن الناس سواء لا فضل لأحد على غيره إلا بالعمل ، أم تطبيقات الهندسة الوراثية البشرية لها شق إيجابي؛ حيث تساعد في مقاومة الأمراض، وشق مرفوض؛ يسعى فيها بعض علماء الغرب إلى التلاعب بآدمية الإنسان ، وتقنية الاستنساخ البشري تقنية تحمل في طياتها عوامل دمار الإنسان، لا تطويره، والارتقاء بمستواه الوراثي أما النظريات العلمية جاءت تدحض خيال من نادى بانتساخ كائنات بشرية، وتقول باستحالة مثل هذه الإجراءات عقليا ومعمليا، وتم تجريمه قانونا ، وجاء موقف الإسلام حاسما في تحريم التقنيات الوراثية التي تتلاعب بموروثات الإنسان وحياته، وكان موقفه صريحا في إباحة كل ما يؤدي إلى التخفيف عنه ومعالجة أمراضه.
اقتراحات مفيدة
اقترح الباحث التركيز على دراسة النظريات الغربية المعاصرة، خصوصا فيما يتبعها من فلسفات وأيدولوجيات فكرية، يكون لها تأثير على المعتقد، وإنشاء وحدة علمية بكلية الدعوة الإسلامية، تُعنى بتدريس الفلسفات الغربية المعاصرة، وخصوصا الطبية منها؛ تتولى دحضها وكشف عوارها، وتيقظ المجتمع الإسلامي لما يلقى أمام أبنائه من نظريات تتعارض مع العقيدة الصحيحة، خصوصا تلك الدراسات الأنثروبولجية والاجتماعية والنفسية الوثيقة الصلة بالإنسان نفسه، وتوعية النشء بخطورتها، وكيفية القضاء عليها من خلال الكتاب والسنة.