د . عبدالرحمن :. المتهرب خائن للأمانة ومقصر في حق وطنه
د. كرم : أي انقطاع فى الضريبة يؤثر بالسلب على خطط التنمية
د. مصطفي : الزكاةَ والضريبةَ لا يغني دفعُ أحدِهما عن الأخرى
د. ضياء : ١٣٠ مليار جنيه حجم المتأخرات وارتفاع إجمالي الفاقد السنوي 530 مليار
فتحي الدويدي
«التهرب الضريبى» أحد أهم التحديات التي تواجه الدولة في الوقت الراهن، خاصة وأن تقديرات تشير إلى أن حجم المتأخرات الضريبية في مصر يقدر بأكثر من130 مليار جنيه، بينما يبلغ حجم التهرب الضريبي نحو400 مليار جنيه، ليرتفع إجمالي ما تفقده الدولة سنويا نحو530 مليار جنيه.
عقيدتي تستعرض في السطور التالية مخاطر التهرب الضريبي على الاقتصاد المصري والاجراءات الخاصة بالتصدي للمتهربين من دفه حق الدولة، مع توضيح الرأي الشرعي والقانوني في جريمة التهرب الضريبي.
اجرت وزارة المالية بعض التسهيلات على الممولين من خلال قانون الإجراءات الضريبية الموحد الذي يهدف لتحقيق التوازن،و يضمن تحقيق العدالة الضريبية وردع التهرب الضريبى، وعدم الإخلال بحقوق الخزانة العامة، ويعمل التشريع على دمج الإجراءات الضريبية المختلفة باختلاف أنواع الضرائب عدا الجمركية، فى إجراءات موحدة طالما كانت قابلة للتطبيق على كافة هذه الأنواع أو على ما قد يُستحدث من ضرائب طالما كانت من طبيعة مماثلة أو تتفق فى جوهرها مع هذه الفرائض المالية أو تحل محلها.
وتقوم وزارة المالية بتطبيق منظومة رقمية متكاملة للإدارة الضريبية تُسهم فى رفع كفاءة تحصيل حق الدولة، والحد من التهرب الضريبى، وحصر المجتمع الضريبى بشكل أكثر دقة، وتعزيز الحوكمة والشفافية والنزاهة.
كما مصلحة الضرائب على مكافحة التهرب الضريبى بكل أشكاله بقوة القانون؛ بما يضمن إرساء دعائم العدالة الضريبية، وتحصيل قيمة الضرائب المستحقة من الممولين أو المكلفين وفقًا للضوابط والإجراءات القانونية المقررة؛ باعتبارها واجبة الأداء وهى حق الشعب؛ على النحو الذى يُسهم فى تعظيم إيرادات الخزانة العامة للدولة وتلبية طموحات المواطنين فى العيش الكريم والارتقاء بمستوى الخدمات العامة المقدمة إليهم.
وتؤكد مصلحة الضرائب أنه لن يتم السماح لأحد بالتلاعب أو التحايل فى الإقرارات الضريبية للتهرب من دفع قيمة الضرائب المستحقة، من خلال التضليل والإيهام بتراجع الأرباح، ولن يتم التهاون أبدًا مع أى محاولات للإضرار بحق الدولة، وأن مصلحة الضرائب مستمرة فى مواجهة ذلك باتخاذ كل الإجراءات القانونية الرادعة ضد كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة والمسئولية الوطنية وخلع رداء النزاهة والشرف والمهنية .
وتنفذ مصلحة الضرائب المصرية خطة متكاملة لتعزيز الرقابة على المجتمع الضريبي، ومكافحة عمليات التهرب الجزئي والكلي من الضرائب سواءً من الضرائب علي الدخل، أو الضرائب علي القيمة المضافة، أو الضرائب العقارية؛ بما يضمن حماية حقوق الدولة والخزانة العامة، خاصة أن الحصيلة الضريبية تُسهم بأكثر من ٧٠٪ من الإيرادات العامة للدولة سنويًا، ومن ثم فإن الحفاظ علي هذه الحقوق وتعظيمها يُساعد فى خفض عجز الموازنة .
قضية مخلة
يري الدكتور عبدالرحمن شعبان الخبير المالى والضريبي أن التهرب الضرببى قضية مخلة بالشرف والامانة، ويعتبر المتهرب من الضرائب خائن للامانة ولذلك حرصت الدولة على تغليظ عقوبة المتهرب من الضرائب فى قانون الضرائب فصل العقوبات، وتصل العقوبة الى حد الغرامة والحبس فى حالة التهرب الضريبى للممول ، لان المتهرب من سداد الضريبة المستحقة على ارباح نشاطه يعتبر مقصرا فى حق وطنه.. ولكون الضرائب تمثل اكثر من ٧٠% ايرادات الموازنة العامة للدولة ، والتى تعود على المواطن فى صورة خدمات تنموية ومشروعات لخدمة المواطن من تعليم وصحة ومرافق عامة وبنية تحتية.
وأكد أن التهرب الضريبي يشكل خطرا داهما على الاقتصاد المصرى ، لان المتهربين يمنعون عن الدولة اموال وموارد تدخل فى ايرادات الموازنة العامة للدولة وتعود بالنفع على المواطنين فى النهاية…وبالتالى يتضرر الاقتصاد المصرى من التهرب الضرببى ويتأثر سلبا معدل النمو الاقتصادى بذلك، لذلك على كل مواطن مصرى عليه ان يكون حريصا على اداء واجبه الضريبى بانتظام، وعدم اللجوء الى التهرب الضريبى ، حفاظا على حقوقه فى الحصول على الخدمات اللازمة له فى تحسين مستوى معيشته..
أهمية اقتصادية
يتحدث الدكتور كرم سلام عبدالرؤوف الخبير الاقتصادي والمستشار في العلاقات الاقتصادية الدولية عن أهمية الضرائب للاقتصاد الوطني مؤكدا أن الضرائب تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد الوطني للدولة المصرية الجديدة بوصفها أداة من أدوات السياسة المالية في التأثير على الإنتاج والاستهلاك والادخار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي ، وترجع أهمية الضرائب للاقتصاد الوطني فى كونها أهمية مالية فى التمويل من خلال تأمين إيرادات دائمة من مصادر داخلية لخزينة الدولة و شمول الوعاء الضريبي لجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتبارين ،وتوفير الأموال اللازمة لتغطية النفقات العامة للدولة ،ومصدر رئيسي من مكونات التنمية الاقتصادية فى الدولة وإقامة المشاريع المستقبلية..وهناك أهمية إجتماعية لها تقوم على عدالة توزيع الثروات من خلال إعادة توزيع الدخل ومنع تكتل الثروات داخل الدولة..كما تؤدى لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية ،وتشجيع المبادرات الاستثمارية.
وأضاف أن الضرائب تؤدى لمعالجة المشكلات الاقتصادية مثل الكساد والتضخم والركود التضخمى، والظواهر الاجتماعية السيئة مثل التدخين وشرب الكحوليات.. كما تسهم في معالجة مشكلة البطالة من خلال خلق فرص عمل جديدة داخل الدولة، وتحقيق توازن شامل لمختلف القطاعات الاقتصادية.
وحول مخاطر مخاطر للتهرب الضريبي بالاقتصاد الوطني اوضح أن أي انقطاع فى الضريبة يؤثر بالسلب والخلل على سير خطط التنمية الاقتصادية فى الدولة.
كما يؤدى لعدم قدرة الدولة على مواجهة نفقاتها والنهوض بمسؤولياتها تجاه مواطنيها وعم استقرار الأمن الوطنى داخل الدولة..ويؤدى أيضا التهرب الضريبي إلى تركز الثروات فى يد فئة محددة ومن ثم زيادة الإنفاق الإستهلاكى وتشجيع ازدهار السلع الأجنبية المستوردة مقابل ركود السلع المحلية التى سوف تفقد أسواقها نتيجة للمنافسة الأجنبية .
وأضاف التهرب الضريبي يسبب في مشكلات وأزمات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها منها يعرقل رسم السياسات الديمغرافية للدولة وتنظيم عمليات النسل والحد من الإنجاب.
وأشر إلى أن هناك طرق عديدة لمكافحة ومعالجة التهرب الضريبي منها رفع كفاءة وجودة الإدارة الضريبية، وفرض أقصى عقوبات للتهرب الضريبي، وضرورة نشر الوعى الضريبى وتعريف المواطنين بأهمية الضرائب لهم وللمجتمع والاقتصاد ككل من خلال تعريفهم بأهميتها وطرق تحصيلها وتاريخ سدادها .
كما يجب نظام تشريعي ضريبي جيد ودقيق يتصف بحسن الصياغة والانسجام مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع يتسم بعدالة توزيع القدرة الضريبية للمكلف بدفع الضرائب.
وكذلك تطوير وسائل العمل الحديثة لغلق كل منافذ التهرب الضريبي،ومراجعة مستمرة لحسابات المكلفين بدفع الضرائب وفواتيرعملياتهم التجارية.
و التنسيق ببن المصالح الإدارية للدولة الخاصة بإدارة السجلات التجارية.وتقديم مزايا للمستثمرين وتوسيعها لتشمل المكلفين بسداد الضرائب.
وأيضا التنسيق بين السياسات الضريبية والسياسات الاقتصادية الأخرى فى الدولة.
فريضة مالية
ومن جانبه يوضح الدكتور ضياء الدين صبري حسن المدرس بقسم القانون العام بجامعة الأزهر الضريبة هى فريضة مالية يدفعها الشخص للدولة بصورةٍ جبريةٍ ونهائية، دون مقابلٍ خاص ومباشر يعود عليه، بل بغرض المساهمـة منه فـي تحمـل التكاليف والأعباء العامة”؛ وقد ظهر التهرب الضريبي كونه وسيلة من وسائل التخلص من الأعباء الضريبية الواقعة على كاهل الفرد المكلف.
وأشار أن هناك نوعان من الدخل المتهرب من دفع الضرائب:
النوع الأول: دخل متحصل عن أنشطة قانونية، والهدف من التهرب هو: سلوك الممول نحو تحقيق أقصى منفعة واكبر دخل، والنوع الثاني: دخل متحصل عن أنشطة غير قانونية وهذا يجب أن يكون في الظل والسر، ويتعلق غالبا بسياسة الضرائب والتنظيم الفني لها.. وأيا ما كان نوع التهرب الضريبي فهو يعد أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى تقليص الحصيلة الضريبية، وتشير الأبحاث في هذا المجال إلى أن الخزانة المصرية تحرم من حوالي 400 مليار جنيه سنويا، وهو ما يحول دون انجاز المشاريع القومية، مما يترتب عليه انخفاض في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسعى الدولة المصرية لإنجازها في أوقات قياسية.
وكشف الدكتور ضياء الدين صبري عن حجم المتأخرات الضريبية في مصر الذي يقدر بأكثر من130 مليار جنيه، بينما يبلغ حجم التهرب الضريبي نحو400 مليار جنيه، ليرتفع إجمالي ما تفقده الحكومة المصرية سنويا نحو530 مليار جنيه، مؤكدا أن السبيل الوحيد لإغراء هؤلاء المتهربين من الضرائب أو حتى المتأخرين هو ضمهم ودمجهم داخل المنظومة الضريبية بتعديل بعض القوانين التي تحقق العدالة الضريبية، ورفع كفاءة التحصيل الضريبي ومد جسور الثقة بين هيئة الضرائب المصرية وهؤلاء المتأخرين والمتهربين، وذلك بآلية جديدة تخلق وتساعد على وجود بيئة محفزة للاستثمار والإنتاج، فيترتب عليها تعزيز بنية الاقتصاد القومي المصري، وحل مشاكل البطالة وزيادة الناتج المحلي، من خلال ضمانات حقيقية من القيادة السياسية لهؤلاء المتهربين، بتقنين أوضاعهم بشكل يتفق مع إمكانياتهم وأوضاعهم المعيشية، خاصة أن أغلبهم من أصحاب الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية الصغيرة، وهم برغم ذلك يشكلون حوالي 60% من إجمالي الاقتصاد المصري، وإن كان يصعب تحديد حصر الدخول المتولدة عن هذا النشاط الكبير وكذلك اتجاهات وتحركات هذه الأموال وتحديدها بشكل دقيق، وبالتالي لا تدخل هذه القيمة المضافة لهذه الأنشطة ضمن الحسابات الرسمية للدخل والناتج القومي المصري، وان كانت التقديرات تقول بأنه يقدر بـ 4 تريليون جنيه مصري، ودمجه رسميا يساعد على تحصل ضرائب تصل لـ 1.4 تريليون جنيه مصري، لذلك يربط كثير من الاقتصادين بين التهرب الضريبي غير القانوني والاقتصاد الأسود أو الموازي، فكلاهما سبب للأخر.
لفت إلى أن القانون المصري خطى خطوات وثابة في هذا المجال حيث أجاز لوزير المالية أو من يفوضه بالتصالح في الدعاوي الجنائية لجرائم التهرب الضريبي المنصوص عليها في القانون في أي حالة كانت عليها الدعوي حتي لو بعد صدور حكم بات فيها، وهذا أمر يشجع على الاقبال على سداد المبالغ الضريبة المستحقة لأنه ليست هناك استفادة حقيقية من غلق المنشأة أو حبس الممول.
خيانة للأمانة
و يحدد الدكتور مصطفى صلاح عبد الحميد محمد مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة الفرق بين الضرائب والزكاة مشيرا إلى أن أن الضرائبُ هو مقدارٌ محدَّدٌ من المَالِ، تفرضُه الدولةُ في أموالِ المواطنين، نظير خدماتٍ والتزاماتٍ تقومُ بها الدولةُ للصالحِ العامِّ، وهي تختلف باختلافِ القوانينِ والأحوالِ ..أما الزكاةُ، فهي: حقٌّ مقدَّرٌ فرضه الله في أموالِ المسلمين، لفئاتٍ محدَّدةٍ؛ شكرًا لنعمةِ الله تعالى، وتقرُّبًا إليه، وتطهيرًا وتزكيةً للنفسِ والمالِ.
وقال : ورد في الفقهِ الإسلاميِّ التصريحُ بمشروعيَّةِ الضرائبِ في الجُملَةِ، وقرر الفقهاء أنَّ لوليِّ الأمرِ أن يفرِضَ الضرائبَ على الناس لصرفِها في المصالحِ العامةِ، طالما كانت الدولةُ في حاجةٍ لهذه الأموال، وكانت عادلةً، ليس فيها محاباةٌ أو ظلمٌ.
وأضاف : الزكاةُ والضريبةُ وإن إتفقتا في بعضِ الأحكامِ، لكنهما يختلفان في أمورٍ، أبرزُها: مقدارُ كلٍّ منهما، فالزكاةُ حددتها الشريعةُ بمقدارٍ معيَّنٍ، بخلافِ الضريبةِ، فهي تخضَع في كلِّ أحكامِها ووجودِها وعدمِها لاجتهادِ السُّلْطةِ وتقديرِ الجهاتِ المختصَّةِ بالدَّولةِ، كذلك يختلفان في المصارفِ، فللزكاةِ مصارفُها المعروفةُ في الشَّرعِ، أما الضريبةُ فتُصرَفُ في الخدماتِ العامَّة حسبما تحدِّدُها السُّلْطةُ.
وأكد أن الزكاةَ والضريبةَ لا يغني دفعُ أحدِهما عن الأخرى؛ لما بينهما من فروقٍ مقررةٍ بينهما. وقد ورد في فتاوى الشيخ عليش على مذهب الإمام مالك: أنه استُفتِيَ فيمن يملك نصابًا من الأنعام، فجَعل عليه الحاكمُ نقدًا معلومًا كلَّ سنةٍ، يأخذه بغير اسم الزكاةِ، فهل يجوز له أن ينويَ به الزكاةَ، وتسقط عنه؟ فأجاب: بعدم الجواز، وإن نواها لا تسقُط عنه.
وأشار إلى أن الفقهاءُ قرروا حُرمةَ التهرُّبِ من الضرائبِ التي تُقرِّرُها الدولةُ على مواطنِيها، طالما اتَّسمت بالعدالةِ والإنصافِ؛ لأن هذا داخلٌ في بابِ الزُّورِ، وقد نهى الله (عز وجل ) عنه، فقال: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}[الفرقان:72]. قال الحافظُ ابن حجر: (وضابط الزور: وصفُ الشيءِ على خلافِ ما هو به، وقد يُضافُ إلى القولِ فيشمل الكذب والباطل)..ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ذكر أن للنفاقِ أماراتٍ، بها يُعرَفُ المنافقُ، ومنها: (الكذبُ، وخلفُ الوعدِ، والخيانةُ)، وثلاثتها مجتمعةٌ في التهرُّبِ الضريبيِّ؛ لأنه يقوم على الكذبِ، بإعطاءِ معلوماتٍ مُضَلِّلَةٍ، وسترِ الحقائقِ، وتزويرِ الوثائِقَ، ثم إن المتهرِّبَ من الضرائبِ يُخلِفُ عقدَه وشرطَه مع الدولة فيما يخص الالتزام بالقانون وعدم التحايل عليه، فيكون بذلك مخلفًا للوعد، وخائنًا للأمانة التي اؤتُمِنَ عليها، فلم يؤدِّها على نحوِها المطلوب.