لغتنا قادرة على إقامة حضارة علمية كبيرة تستوعب كل العلوم
فتحي الدويدي
أكد الدكتور محمد يونس عبد السميع الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر، رئيس الجمعية المصرية لتعريب العلوم، أن اللغة العربية هى آخر معاقل الدفاع عن هويتنا بعد أن تكسرت الكثير من القلاع، مشيرًا أن أمتنا تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل فى طغيان اللغات الأجنبية على حساب لغتنا الأم، ومحاولة التوسع فى اللغات الاجنبية على حساب العربية بدعوى الظن أن هذا هو السبيل إلى ملاحقة العصر بعلومه وتقنياته.
وقال الدكتور الحملاوى أن اعتماد اللغات الأجنبية فى التعليم يخالف الدستور المصرى، الذى ينص على أن لغة البلاد هى اللغة العربية، ويخالف قانون التعليم وقانون الجامعات والتى تنص مواده صراحة أن لغة التعليم والبحث هى اللغة العربية.
وصف الحملاوى تعريب العلوم بالفريضة المهدرة، فى ظل عدم إدراك المجتمع لأهمية تعريب العلوم، مؤكدًا على أهمية استخدام اللغة العربية فى دراسة مختلف العلوم النظرية والتطبيقية، خاصة أن العربية لغة مكتملة التراكيب والبنية وقادرة على إقامة حضارة علمية كبيرة.
وألقى الحملاوى فى حواره مع «عقيدتي» مسئولية نشر تعريب العلوم وتطبيقه على عاتق أساتذة الجامعات الذين يجب أن يعوا تمامًا أهمية تعريب العلوم بما يقود إلى تيسير التواصل بين الأستاذ وطلابه، وعلى الجميع أن يقتنعوا بذلك وينفذونه عبر المناهج التى يدرسونها. وفيما يلى تفاصيل الحوار: >
ونحن نحتفل باليوم العالمى للغة العربية .. كيف ترى مستقبل لغة الضاد بين أهلها فى الفترة الاخيرة؟
>> تواجه أمتنا العربية فى الوقت الراهن من التحديات، ما لا يمكن التهوين من أمره ليس فقط للحاق بالتطور التقنى العالمى، بل لإثبات وجودنا كأمة ذات رسالة حضارية، وتمثل اللغة إحدى آليات استنهاض الأمة للقيام بدورها الحضارى غير متغافلين عما للغتنا العربية من خصوصية، ويمثل تفعيل اللغة الصحيحة فى الحياة العامة والعلمية على حد سواء مطلبًا أساسيًا للقيام بهذا الدور، بل وللحفاظ على اللغة العربية فى حد ذاتها.
واللغة هى المحدد الأول للهوية حسب ما يشير إليه قرار الأمم المتحدة عن الهوية ورغم ذلك درج أغلبنا فى تعاملاته مع اللغة العربية على أنها سياقات معرفية تتخاصم مع هويتنا ومع العلم والتنمية والثقافة باعتبارها لهجات ليس لها من العلم محل رغم أن هذا التصور يقتطع من اللغة دورها الأساسى من حيث كونها هوية وأداة حياة وقيم وعلم وثقافة تحافظ على وحدة المجتمع وقيمه وتاريخه وحضارته وثقافته وعلومه، فهى البوتقة التى تحوى مختلف إنتاج المجتمع من أدب وفن وصناعة وزراعة وقيم وحضارة وبدونها يصبح المجتمع عبارة عن مربعات متناثرة لا يربطها إطار واحد يحدد شخصيتها فى مقابل غيرها.
> وهل أثر تدهور اللغة فى الهوية العربية؟
>> إن احتفاظ كل دولةٍ أو كل أمةٍ بلغتها والتمسك الشديد بها، من أهم مقومات الحفاظ على الهوية والتماسك لدى الأمم، بل والحفاظ على الأمة نفسها من الاندثار، وهنا لا يغيب عنا أن أهم الأشياء التى ركزت عليها حركات الاحتلال هى نشر ثقافة المحتل ولغته، حتى يبنى من خلالها قوة ناعمة يتحكم بها فى الشعوب فيما بعد، فأصبح للمحتل أفكارًا تحملها الشعوب التى أحتلها، تدافع بها عن الاحتلال، ونتج عن ذلك كله وجود كثير من المنهزمين نفسيًا أمام التقدم العلمى الطاغى للغرب، وظهرت بالتالى محاولات التشبه بالغرب فى كل شىء.
الخريطة اللغوية
> وكيف ترى الخريطة اللغوية فى مجتمعاتنا العربية ؟
>> الخريطة اللغوية فى المنطقة العربية متجانسة فى الأساس، عدا بعض المحاولات الغربية على جسد الأمة التى تحاول اقتطاع أجزاء منها وتفتيت وحدتها، رغم أن العربية كانت وستظل الوعاء الحاضن لمختلف جهود المنطقة العربية بمختلف عصبياتها، حيث يثبت التاريخ أن قوتها فى تجردها من النزاعات الشعبوية، فالعربية فى حد ذاتها هى اللسان وليست جنسًا أو عرقًا أو عصبية بأى حال من الأحوال.
والخريطة اللغوية للمنطقة العربية تتميز بلغة عربية صحيحة، ولغات أجنبية بجوارها فى مجال التعليم، وتحديداً اللغة الإنجليزية والفرنسية اللتين تزاحمان اللغة العربية خاصة فى محافل العلم، بالإضافة إلى لهجات عامية تختلف من منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد، وتنتشر حينما يقصر أهل العربية عن الحفاظ عن لغتهم، ثم هناك لغات فى بعض مناطق الأمة مثل الكردية والنوبية والأمازيغية والتى تحاول أن تجد لها موطن قدم على حساب العربية فى الوطن العربى.
> وهل من خطر من تواجد هذه اللغات واللهجات داخل المجتمع العربي؟
>> هذه اللغات واللهجات تتعدى كونها لغوية، إنما تصل لكونها أليات تفتيتية وانفصالية، فنجد الدعوات لأن تصبح اللغة النوبية فى مصر مستنقعًا طائفيًا، وتلك اللغات واللهجات بمحدودية عدد متحدثيها، وخلوها من المكون الحضارى، ليس بمقدورها أن تكون لغة لعموم القطر الواحد، ناهيك عن عموم الامة العربية، ولا يمكن أن تكون هذه اللهجات لغات مجتمع وأمة تسعى للنهوض والتقدم.
والأخطر لغويًا الدعوة إلى العامية فى مصر والتى بدأها المحتل الانجليزى، وشايعهم بعض من بنى جلدتنا فى الدعوة إلى مثل هذه اللهجة التى لا أصول ولا قواعد ولا ضوابط لها، وليس لها هدف سوى تفتيت وحدة الشعب.
تحديات الواقع
> وهل العامية هى التحدى الوحيد الذى واجه اللغة العربية؟
>> تواجه أمتنا العربية العديد من التحديات ما لا يمكن التهوين من أمره، لإثبات وجودها كأمة ذات رسالة حضارية ، وتمثل اللغة أحد أليات استنهاض الأمة للقيام بدورها الحضارى.
ويمثل تفعيل اللغة العربية فى الحياة العامة والعلمية على حد سواء مطلبًا أساسيًا للقيام بهذا الدور بل وللحفاظ على اللغة العربية فى حد ذاتها.
ومن أهم التحديات التى تواجهنا كعرب هو الحفاظ على هويتنا، فعلينا أن ننظر للغة بصورة موسوعية، فبجانب العديد من المهام للغة، هناك وظيف أساسية لها هى نقل المعارف بين جميع افراد المجتمع، والحصول عليها من المجتمعات الأخرى.
التحدى الأكبر يتمثل فى طغيان اللغة الأجنبية على لغتنا العربية ومحاولة التوسع فى استخدام اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية فى التعليم، بدعوى أن هذا هو السبيل لملاحقة العصر بعلومه وتقنياته ومتطلبات حاجة السوق العالمى من مهارات لغوية عالية.
وهناك دعم المؤسسات الدولية والأجنبية للغات الأجنبية فى التعليم والتدريس بها فى مجتمعاتنا الذى يتناغم مع ما قامت به دول الاحتلال فى القرون الماضية بهدف دعم نزيف العقول من الدول التى اكتوت بنيران الاحتلال ومحاولة إبقاء الوضع التنموى على ما هو عليه فى الدول المتخلفة والمستهلكة للمنتج الاجنبى.
أما العامية فهى السرطان الذى يستشرى فى جسد المجتمع فيلتهم مفاصله إن لم نقف له بالمرصاد بتحجيمه فى نطاق الاستخدام الشفهى غير الجماهيرى كما يحدث فى كل لغات الدول المتقدمة. العاميات موجودة فى كل اللغات، ولكن استخدامها محصور فى النطاق الشفاهى فهى لا تظهر فى الإعلام والصحافة (عدا الصحافة الصفراء) وفى التجمعات الجماهيرية وقبل ذلك فى دور العلم سواء فى المدارس أم فى الجامعات.
سباحة ضد التيار
> وما المشكلة فى التعليم باللغة الأجنبية.. وما الأهمية التى تستدعى ضرورة التعلم باللغة العربية؟
>> نحن نفقد الكثير من الفرص بعدم استخدامنا لغتنا العربية فى تعليمنا الجامعى والعام وغيرها من المناحى، فجميع الأمم تدرس العلوم بلغاتها القومية، حتى إسرائيل تدرس العلوم فى جامعاتها باللغة العبرية التى كانت لغة ميتة، ومن المفارقات المحزنة ان يكون لإسرائيل التى تدرس العلوم فى جامعاتها بلغتها العبرية ثلاث جامعات تم تصنيفها ضمن أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم فى حين عجزت الجامعات المصرية جميعها التى يصر أساتذتها على التدريس بغير العربية من أن تكون من بينها ولو جامعة واحدة مصرية او عربية ضمن هذا التصنيف الدولى لأفضل جامعات العالم.
إننا الوحيدون الذين نسبح ضد التيار بالتدريس بغير لغتنا فى جامعاتنا لذلك لن نستعيد دورنا الحضارى ونتجاوز التخلف إلا بالعودة للغتنا العربية، لتكون هى لغة التعليم فى مراحل التعليم المختلفة خاصة الجامعى.
> وهل هذا يعنى تجاهلنا لتعلم لغات أجنبية أخري؟
>> هذا ليس دعوة إلى نبذ تدريس اللغات الأجنبية؛ بل على العكس؛ لابد من الاستمرار فى تدريس اللغات الأجنبية كلغة أجنبية فى معاهد العلم المختلفة حتى يمكننا استيعاب المستحدث من المعارف الوافدة من مختلف الثقافات والأمم. ولكن لابد أن يتم ذلك بطريقة جادة.
التدريس بلغة أجنبية قضية تختلف أيما اختلاف عن تعليم اللغات الأجنبية كلغة أجنبية؛ بل إن تدريس أكثر من لغة أجنبية للطالب فى مراحل دراسته المختلفة بطريقة جدية مطلوب، فاكتساب اللغة انفتاح على ثقافة أهل تلك اللغة، وما أحوجنا للانفتاح الجاد على مختلف اللغات والثقافات، كما أن تدريس اللغات يعطى ركيزة احتياطية لأى قصور قد ينشأ فى منظومة الترجمة التى لابد لنا من أن نُنْشِئها.
لغة ثرية
> وما الذى يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات حتى ترى أنها الأفضل فى التعليم عامة والتعليم الجامعى خاصة ؟
>> العربية لغة ثرية ومنضبطة، تثبت البحوث العلمية نقائها، فهى ذات أصل واحد بعكس لغات أخرى، كما أن اللغة العربية لغة وتراثًا وحضارة ذات قيم مطلقة بعكس اللغات الأوربية التى تنطلق من نسبية الاشياء، واللغة العربية متعددة الاشتقاقات من الجذر الواحد طبقًا لقواعد محددة لتستوعب مختلف المواقف. ولعلى أشير إلى تمايز اللغات عن بعضها فهناك اللغات التى تستعمل الأشكال وهناك اللغات ذات الحروف وهذه أيضا تشمل اللغات الإلصاقية كما تشمل اللغات الاشتقاقية وهذه أسمى من المجموعتين الأخريتين من ناحية التطور.
> وهل هذا يكفى أن تكون لغة للعلوم فى الوقت الحاضر، فى ظل ما تواجهه من تراجع؟
>> اللغة العربية قادرة على إقامة حضارة علمية كبيرة تستوعب كل العلوم كما استوعبت هذه العلوم وصلحت فى مختلف مجالات العلم والتعليم، وتوسيع قاعدة التعليم باللغة العربية، وتعليم العلوم سيضع بين أيدينا نقاط بحثية تتعلق بالتنمية المجتمعية والتنمية اللغوية على حد سواء، ويجىء دور البحث العلمى مكملًا لمنظومة التنمية وقائدًا لها.
ويكفى أن نشير إلى أن نسبة كبيرة من طلبة الكليات العملية فى الجامعة يبذلون وقتًا وجهدًا فى ترجمة النص ومنه المصطلحات؛ مما يؤثر على الوقت المتاح للتحصيل وبالتالى على مستوى استيعابه لأساسيات العلم المختلفة، ويقود ذلك إلى النظر لمعرفة سبب تدريس العلوم بلغة غير لغة الأم فى مجتمعاتنا المختلفة فلا نجد لها سبباً إلا محاولة تقليد كل ما هو أجنبى مما أودى بأمتنا إلى فقد الثقة فى نفسها وقدراتها.
فهناك دراسات أجريت على نتيجة امتحان المجلس الطبى للأطباء الأجانب فى أمريكا، الذى يعطى الترخيص بمزاولة مهنة الطب للأطباء غير الأمريكيين، أشارت إلى أن الأطباء الذين درسوا بالعربية قد حصلوا على معدل علامات أعلى من المتوسط العام للأطباء المتقدمين للامتحان من مختلف أنحاء العالم.
كما تشير دراسات أخرى حديثة إلى أن التفوق كان من نصيب الدارسين باللغة القومية فى المرحلة قبل الجامعية والمرحلة الجامعية على حد سواء، وأن سرعة القراءة باللغة العربية تزيد عن سرعة قراءة نفس المادة باللغة الإنجليزية بنسبة ثلاثة وأربعين بالمائة.
وهناك دراسات أخرى أكدت أيضًا أن مدى الاستيعاب لنص بالعربية لدى الطلاب يزيد عن مدى الاستيعاب النص بالإنجليزية بنسبة خمسة عشر بالمائة، وهذا يعنى أن التحسن فى التحصيل العلمى فى حالة الدراسة بالعربية يزيد عن حالة الدراسة بالإنجليزية بنسبة ستة وستين بالمائة.
ومن العسير أن نفرض على جميع الطلبة فى مختلف الكليات الجامعية الدراسة بلغة أجنبية من أجل أقل من الواحد فى المائة من الخريجين ممن يكملون دراساتهم العليا.
وليس أدعى للتدليل على إمكانية دراسة اللغة بعد التخرج مما كشفه أغلب أعضاء هيئة التدريس الحاصلين على الدرجات الجامعية العليا من الجامعات الألمانية، من أن انخراطهم فى دراسة مكثفة للغة الألمانية لمدة ستة أشهر أدى إلى أن يُكمِل الدارس دراسته بالألمانية ويقوم بكتابة أطروحته بالألمانية أيضًا.
التعريب والتنمية
> لديكم رؤية خاصة تربط التعريب بالتنمية ..كيف يكون ذلك ؟
>> قضية التعريب قضية ترتبط عضويًا بقضية التنمية، ولن تكون هناك تنمية حقيقية بدون استخدام لغتنا القومية كلغة للتعليم مع استخدام تقنيات المعلومات بصورة علمية تتضمن النظرة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية وتتعدى صورة ما نشاهده من ممارسات غير علمية فى العديد من برامج التعليم.
فالتعريب أساسى لبداية تنمية حقيقية كما أنه أساسى أيضًا لاستمرار التنمية. إن تقاعسنا عن التنمية أمر خطير ولابد من البحث عن أسبابه ومنها بسط العلم للمجتمع ولن يتأتى ذلك دون نشره فى مختلف الأماكن وأهمها الجامعات ومنها الإعلام والتعليم العام وآليات الثقافة بالعربية.
وتشكل قضية التعليم باللغة العربية ركناً أساسياً بالنسبة لبنيان التنمية والتعليم فى أى أمة. وعلى صعيد المنطقة العربية فإن تعريب التعليم يلعب نفس الدور المحورى الذى لعبه فى الماضى بالنسبة لتقدم العرب، فالتفكير المنطقى فى أسس عملية التعليم للتنمية سوف يفضى إلى ضرورة الأخذ بالحديث من التقنيات ومنها تقنيات المعلومات لنشر تلك المعلومات المعربة من خلال العديد من الآليات التى يجب أن تسير جنباً إلى جنب لتفعل فى النهاية منظومة تنمية المواطن العربى، فقضية التعريب قضية عضوية فى صلب قضية تفعيل التنمية من خلال استخدام تقنيات المعلومات بصورة علمية تتضمن النظرة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية وتتعدى صورة ما نشاهده من ممارسات غير علمية فى العديد من برامج التعليم.
وماذا عن الأهداف التى يمكن أن يحققها التعريب فى المجال العلمى؟
باتت قضية تعريب التعليم عامة والجامعى خاصة، باعتباره قاطرة التعليم والعلم والثقافة قضية حياة أو موت بالنسبة لديمومة وجودنا ذاته، فهناك علاقة مباشرة وطردية بين التعلم باللغة القومية والتحصيل العلمى، فالتفوق من نصيب الدارسين باللغة القومية فى المراحل قبل الجامعية والمرحلة الجامعية على حد سواء، والتعليم باللغة العربية يرفع نسبة الوعى والثقافة لدى المتعلمين ولدى العامة.
مقاومة التعريب
> وما هى أهم العلوم التى يجب أن نبدأ بها تجربة التعريب؟
>> لعلى أتحفظ على تسمية الأمر بتجربة لأن التجربة تعنى التشكك فى الأمر لحين إثباته فاستخدام اللغة القومية فى التعليم مطلب أساسى لعملية التنمية أثبتته جميع تجارب الدول والحضارات المتقدمة وهو فى حالتنا استخدام اللغة العربية كوسيط وحيد فى عملية التعليم وهو ما نشير إليه اختصارًا بتعريب التعليم. فالتعريب من ثَمَّ ليس تجربة بل هو مطلب أساسى لديمومة وجودنا كأمة. أما بالنسبة لبدء عملية التعريب فأرى أن يكون البدء بالطب والهندسة لأنهما من أكثر العلوم مقاومة للتعريب، لأنه إذا تم تعريب الطب والهندسة، فستسير بقية العلوم على نفس المنوال، ويكون ذلك باختصار من خلال الاستمرار فى تأليف وتعريب الكتب ومستخلصات البحوث والنشرات العلمية.
وللأسف هناك مشكلة كبيرة فى كليات العلوم الإنسانية، أو ما يسمى الكليات النظرية التى بدأ يتراجع فيها التعليم باللغة العربية، لتنتشر شعب واقسام للدراسة باللغة الانجليزية وغيرها من اللغات فى كليات الحقوق والتجارة والاقتصاد وغيرها، وللأسف هذا أضاف تهميشًا للغة العربية وأضعف جهود التعريب.
ولماذا يتراجع مشروع تعريب العلوم بالجامعات فى الفترة الأخيرة؟
مشكلة تعريب العلوم خاصة فى الجامعات، هى عدم اتخاذ القرار الحاسم لاعتماد اللغة العربية وتبنيها فى التدريس الجامعى، وهو بموجب القانون قرار جامعى فردى من كل أستاذ، لأنه بتطابق مع قانون التعليم وقانون الجامعات ومع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التى تنص على أن التعليم باللغة العربية حق.
وتعريب العلوم هو فى قلب ألية إحياء أمة تعانى من التخلف والتبعية والأمية والتصاغر تجاه الثقافة الاجنبية، وللأسف هناك الكثير من أساتذة الجامعة لا يستشعرون واجبهم وينتظرون قرارًا فوقيًا لينفذوه، وهذا أمر غريب من أساتذة الجامعات.
آراء معارضة
> لابد وأن نشير إلى رؤية المعارضين لتعريب العلوم، >> ولهم حججهم المنطقية .. كيف ترى هذه الآراء؟
الحجج التى يطرحها المعارضون لتعريب العلوم حجج واهية وغير منطقية ومردود عليها، فالمراجع بالعربية متوفرة فى كل التخصصات، والمصطلحات العلمية موجودة ومتفق عليها، لكن يتبقى فقط محك الإرادة الفردية والجماعية، فالأمل موجود فى إيجاد تيار قوى يدعم السير فى اتجاه تعريب العلوم الذى يتنامى يوما بعد يوم، والقضية ليست فقط تعريب التعليم، بل الامة كلها يجب أن تتحدث وتكتب بالعربية وإلا فنحن نفصل بين الطبقات فى تقاطعات لا تتلاقى، لأن كل منهما يتحدث ببعض المفردات الأجنبية.
استراتيجية النهوض
> صدرت فى عام 2018 استراتيجية النهوض باللغة العربية .. هل تعتقد أن بهذه الاستراتيجية أملاً لعودة مشروع التعريب إلى الساحة مرة أخرى؟
>> أصدرت الجامعة العربية فى عام 2018م استراتيجية النهوض باللغة العربية متضمنة أربعة محاور هى التعليم والإعلام والتواصل والحرف والرقم العربيين، وتنص على البدء باللغة العربية فى تعليم الأطفال وتأجيل تعليم اللغات الأجنبية حتى نهاية المرحلة الابتدائية، والمحافظة على استمرار تدريس اللغة العربية فى كل مراحل التعليم المختلفة، وتشجيع الهيئات التعليمية الرسمية والأهلية على مواصلة العمل فى مجال تعريب التعليم الجامعى، والربط بين التعلم باللغة القومية فى المراحل الدراسية الأولى وتوطين العلم.
وتضع هذه الاستراتيجية النقاط فوق الحروف فى مسيرة التعريب والحفاظ على اللغة العربية، ومنها تعريب مختلف أوجه الحياة وفى صلبها تعريب التعليم، وستخرج الخطة التنفيذية لهذه الاستراتيجية للنور خلال الفترة القادمة، لتحقق التعريب الكامل لأمتنا تعليمًا وإعلامًا وتواصلًا وحرفًا خلال مدة زمنية لا تتعدى خمس سنوات.