كان مسلسل «إمام الدعاة» أكثر حظاً وانتشاراً عندما عرض لأول مرة فى عام 2003 رغم ما أحاطت به من مشاكل كادت تمنع تصويره وظهوره لخلافات بين ورثة الإمام الشعراوى والشركة المنتجة.. لكن أولاد الحلال وعلى رأسهم بطل العمل حسن يوسف نجحوا فى تقريب وجهات النظر لكى يخرج المسلسل إلى النور.. ويصبح من أكثر الأعمال التى أقبل عليها الجمهور.. بل.. وينادى البعض بعرضه هذه الأيام مرة أخرى فى 2023 أى بعد 20 عاماً.. بعد الهجمة الغوغائية الكاذبة التى تعرض لها الشيخ الجليل.
الفنان حسن يوسف.. الذى ارتبط اسمه بالأعمال الدينية كان أسعد الناس بتجسيد شخصية »إمام الدعاة«.. لأن المسلسل تناول لأول مرة بشكل عصرى شخصية دينية شهيرة ارتبطت بالتجديد فى تفسير القرآن الكريم.. بالقرآن وبمنهجه المبسط الذى حول.. جلساته إلى متعة ينتظرها الكبار والصغار.
حسن أيضاً لمن لا يعرف اسعده الحظ بتقمص شخصية العارف بالله الإمام الأكبر عبدالحليم محمود شيخ الأزهر ووزير الأوقاف وقد تولى المسئولية فى وقت عصيب حاول فيه الرئيس السادات ان يجرد الإمام الأكبر من صلاحيته وان تكون لوزارة الأوقاف كلمتها العليا.. وهو ما رفضه الإمام محمود شلتوت الذى ناضل بكل شرف لكى تظل مؤسسة الأزهر.. صاحبة الكلمة العليا فهى الجامع والجامعة وعلى ذلك جرى فض الاشتباك لكى يتحصن موقع شيخ الأزهر وهو الذى تستقبله غالبية الدول الإسلامية على أرفع المستويات والذى يعادل من ناحية البروتوكول منصب رئيس الوزراء.. وتاريخ الأزهر حاولت الدراما أن تجسده فى حلقات مسلسله.. »منارة الإسلام« الذى انتجه التليفزيون المصرى عام 1982 وحاولت الكاتبة أمينة الصاوى أن تسرد تاريخ الأزهر فى وقت السلم.. وتصديه للحملة الفرنسية.. من خلال شاب أمريكى مسلم يأتى إلى مصر لكى يجمع المعلومات عن الجامع الكبير ولعب دور هذا الشاب »بلال« الفنان محمود حميدة فى بدايته.. وأخرج المسلسل أحمد طنطاوى وكان مساعده المخرج مجدى أبوعميرة.. ولعب البطولة مجموعة كبيرة من الفنانين على رأسهم أحمد مظهر ويحيى شاهين وهالة فاخر وصفاء أبوالسعود.. وهذه الأعمال الرائدة المهمة تعيد قناة ماسبيرو زمان عرضها وبدون اعلانات وهى نادرة والتليفزيون المصرى هو الوحيد الذى يمتلك حقوقها حصرياً.
خذها نصيحة يا حسن
حسن يوسف بعد فترة ابتعاده عن الفن تماماً.. ذهب إلى الإمام الشعراوى يسأله كيف السبيل وقد فشل فى مشاريع عديدة حاول بها أن يوفر لنفسه وعائلته سبيلاً للرزق لأنه لا يفهم إلا فى الفن الذى تعامل معه ممثلاً ومنتجاً صاحب شركة.. ومخرجاً.. وكان جواب الشيخ: يا حسن.. الفن مثل كل شيء فى أمور حياتنا حلاله حلال.. وحرامه حرام.. ومثلما كنت فى أفلامك الحليوة الذى يطارد البنات.. قدم الجاد والمفيد لأن الفن له تأثيره على الناس عموماً.. والشباب بصفة خاصة ولا يجب أن تتخلى عن هذا السلاح النافع.. وكان عودته للفن بعد غياب وكانت قناعته ان كل فيلم أو مسلسل له رسالة أخلاقية هو مسلسل ديني.. حتى لو تم تقديمه بأسلوب كوميدى يكشف عيوبنا جميعاً مثل الكذب والنفاق والإسراف والغش.. ولا يتنمر على خلق الله الطويل والقصير والنحيف والبدين.
لكن المشكلة التى واجهت حسن ان النصوص الجيدة تصطدم بمنطق الربح والخسارة عند جهات الإنتاج.. حتى اندثر.. المسلسل الدينى بحجة أنه مكلف.. وغالبية الممثلين يصعب عليهم الحوار باللغة العربية الفصحي.. إلى جانب جهد الكتابة.. والتدقيق اللغوى والتاريخي.
ومع نفس المؤلف بهاء الدين إبراهيم ونفس المخرج مصطفى الشال لعب حسن دور الإمام الجليل عبدالحليم محمود عام 2008.. ابن عزبة أحمد مركز بلبيس شرقية الذى درس الفلسفة الإسلامية فى جامعة السوربون بفرنسا وكانت رسالته عن الحارث المحاسبي.. وقدم للمكتبة الإسلامية عشرات الكتب منها ما صدر باللغة الفرنسية واشهر مؤلفاته: أوروبا والإسلام/ اسرار العبادات/ التفكير فى الإسلام/ المدرسة الشاذلية الحديثة/ القرآن والنبي/ أبوذر الغفاري. وكانت مواقفه لصالح الدين لا تقبل الجدال.. ورفض فى عهد ممدوح سالم رئيس الوزراء.. أن تتولى وزارة التربية والتعليم اقرار المناهج الدينية بعيداً عن الأزهر الشريف وهو المؤسسة المنوط بها هذا الدور.. وأعاد إلى الأوقاف أموالها المنهوبة ولم يتوقف دوره على إدارة الأزهر.. بل نزل إلى الميدان خطيباً يدعو- فوق المنبر إلى إعلاء كلمة الله.. بكتابه الكريم وسنة نبيه المصطفي- صلى الله عليه وسلم- ورغم أهمية العمل.. فقد جرى عرضه لأول مرة بعد السحور.. الأمر الذى لم يحقق له الانتشار الواجب.
وهكذا جمع حسن يوسف بين مشيخة الأزهر.. ووزارة الأوقاف مرتين.. مع الشعراوى وعبدالحليم محمود.. إلى جانب تقديم شخصية الإمام النسائي.
والممثل كما يقول حسن يوسف يفرح بتقديم هذه الأدوار سواء من المعاصرين أو الأوائل.. لأنه يجمع فيها بين دنياه من حيث هى مصدر رزقه وعمله.. ودينه.. لأنه يقدمها للأجيال فى صورة يسهل متابعتها.. بعد أن ابتعدت أمة اقرأ عن الكتب وانصرفت إلى وسائل التواصل الحديثة.. والمسلسل.. يمكن أن يحل هذه الاشكالية ويصل إلى الشباب عبر المنصات والموبايلات إلى جانب التليفزيون.. وفى الوقت الحالى يمكن مشاهدة العمل فى التوقت الذى يناسب كل متفرج.. حيث تذاع الأعمال وتعاد مرات فى قنوات عديدة.. وفيما سبق كان المسلسل يعرض لمرة واحدة.. ومن فاتته حلقة.. يظل نادما عليها خاصة إذا كانت فى مسلسل مهم.. والناس فى غاية الشوق إلى النماذج العظيمة التى قامت على أكتافها نهضة الدين وتجديد خطابه بما يناسب العصر.. والأمة الإسلامية فيها أكثر من 50 دولة.. وصناعة المسلسل الديني.. صناعة اقتصادية تحقق الربح عند تسويقها جيداً ولا تخسر إلا نادراً.. ويجب ترجمتها وتقديمها فى أوروبا وأمريكا لتقديم الوجه المضيء للإسلام وأهله بعد أن ارتبط ظلما وعدوانا بالإرهاب.. والغرب من يصنعه وينفخ فى رماده حتى يحرق الأخضر واليابس والله غالب على أمره.