الصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل، فهو حبس لها على الطاعة حتى تؤدى، وحبس لها عن المعصية حتى تجتنب، وحبس لها عن التسخط والشكاية لأقدار الله (عز وجل)، فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحمد إن كان خلقًا له وملكة سمي صبرًا، وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرًا.
وجزاء الصابرين عظيم، فهم في معية النصر والتأييد من الله (عز وجل)، يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153)، ويقول سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155 – 157).
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):”مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ”(صحيح البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”(صحيح مسلم).
أما المصابرة فهي مفاعلة بين طرفين، فحينما تكون حبسًا للنفس على الطاعة أو عدم المعصية فهي مصارعة مع النفس أو الشيطان أي واجهوا صبر الشيطان على إغوائكم بصبرٍ على طاعة الله، واجتناب معصيته يغلب صبر الشيطان على الإغواء.
وحينما تكون المصابرة في مواجهة العدو، يكون المعنـى : واجهـوا صبر عدوكم على قتالكم أو الكيد لكم أو المكر بكم بصبر يغلب صبره، فلا يكون أعداؤكم أصبر على باطلهم منكم على حقكم.
والصبر والمصابرة من أهم سبل الانتصار على النفس وأهم طرق النصر والتمكين، يقول الحق سبحانه: ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ” (السجدة : 24)، وقديمًا قالوا: إنما النصر صبر ساعة، ويقول الحق سبحانه: “وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (آل عمران : 104)، ويقول سبحانه: “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (آل عمران : 139 – 140).