د. عبدالفتاح العواري :حياة المسلم كلها حمد.. وفضائله لا تحصى
د. محمد عبدالله فايد: من وفقه الله لحمده فقد رضي عنه
أدارة الندوة: جمال سالم
متابعة: محمد الساعاتي
تصوير: محمد شعيب
أكد العلماء المشاركون في ندوة “الحمد في القرآن والسنة” التي نظمتها “عقيدتي” ووزارة الأوقاف بمسجد الطاروطي بالجيزة، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن السعيد من يوفقه الله لحمده في كل الأوقات بأن يجعل لسانه رطبا بذكر الله وقلبه مطمئنا ذكر الله.
وأشاروا إلى أن من يوفقه الله لحمده فهو من مظاهر الرضا عنه في الدنيا والآخرة، ومن يصرف عنه فهو الشقي التعيس حتى لو كان عنده مال قارون.
وطالبوا بتنشئة أولادنا على أن يكونوا في معية الله تعالى ليلا ونهارا، حضر الندوة الشيخ عبدالحميد حسن عبدالنبى عراقى، مدير إدارة أوقاف وسط الجيزة، الشيخ عنتر رضوان،المفتش بالإدارة، الشيخ أحمد عبدالرسول، إمام وخطيب مسجد الطاروطى.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، أن الحمد من أعظم نعم الله على عباده، فبه أفتتح كثير من السور القرآنية وفي مقدمتها فاتحة الكتاب، والحمد لله أول جملة نطق بها آدم عليه السلام بعد أن خلقه الله وعطس، وبيت الحمد في الجنة للحامدين الصابرين، و”لواء الحمد” يحمله رسول الله يوم القيامة ويدخل تحت لوائه الحامدين الشاكرين الصابرين، والحمد لله أول ما يقوله المؤمنون عند دخولهم جنة ربهم، وقد ورد لفظ “الحمد” في القرآن الكريم 23 مرة .
فضائل الحمد
وقال د. عبدالفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر: من أحبه الله وفقه لكثرة حمده وذكره في كل الأحوال، لأن مقام الحامدين عند الله رفيع، بل أنه من صفات أهل الجنة فقال تعالى:”وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” وأكده في آية أخرى فقال سبحانه:” دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ“.
أوضح أن حياة المسلم كلها بين الحمد والشكر والصبر، من عبارات الحمد الشاملة الجامعة في السنة النبوية قول النبي:”الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله على ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء، الحمد لله على كل شئ “،وأنه لعظم منزلة الحمد فإن الملائكة يبتدرون كلماته أيهم يكتبها أولًا لفضلها عند الله. فعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ:” كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ“، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ:«رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ”، كما قال:«الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ- أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا“.
عن مواطن الحمد قال د. العواري: حمد الله واجب على العبد في كل وقت وحين، إلا أن هناك مواطن وأحوال كما جاءت بذلك السنة النبوية المشرفة يستحب أن يكثر العبد من الحمد فيها لفضلها ومكانتها، وبيان رضا العبد عن خالقه، ومن هذه المواطنِ:عند النوم والاستيقاظ منه: فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ:«بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا» وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ:«الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ، وَلَا مُؤْوِيَ»، فلتحمد الله على هذه النعم، فكم من أُناس لا طعام ولا مأوى لهم.، ومن مواطن الحمد أيضا عقب العطاس الذي يصفه الأطباء بأنه يحل مرابط الْبدن ومفاصله، وتنفتح المسام وصمائم الأجهزة المخرجة للسموم والرطوبات من الدماغِ وسائر الجسد فيخف البدن وينشط الفكر، فيكون داعية إلى النشاط في العبادة فقال:”إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ” ومن مواطن الحمد عقب الأكل والشرب: فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ، وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا” وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا”. ومن مواضع الحمد أيضا عندَ لبسِ الثوبِ فقال:”وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ” وكذلك الحمد عند رؤية أهل البلاء: يقول:”مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ ” .وروي أن أحدَ السلف كان أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين واليدين، وكان يقول: “الحمدُ للهِ الذي عافانِي مِمّا ابتلَى به كثيرًا مِمّن خلقَ وفضلنِي تفضيلًا ” فمر بِه رجل فقال له: مِمَّ عافاكَ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول. فَمِمَّ عافاكَ؟ فقال: ويحكَ يا رجل ! جَعَلَ لِي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبَدَنًا على البلاءِ صابرًا !
أشار إلى أن الحمد يكون في الشراء والضراء، فمثلا عند فقدان الولد، وفي ذلك يقولُ ﷺ؛ قَال اللَّهُ عزّ وجلّ في الحديث القدسي: «يَا مَلَكَ الْمَوْتِ قَبَضْتَ وَلَدَ عَبْدِي، قَبَضْتَ قُرَّةَ عَيْنِهِ وَثَمَرَةَ فُؤَادِهِ»، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. قَالَ:«ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ” ويصل الحمد بالمسلم في حياته كلها حتى بعد قضاء الحاجة: فقد كان النبي إِذا خرج من الخلاء قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي” لأن هذا الأذى لو احتبس فيك لأدى إلى موتك وهلاكك ، فقد روي أن ابن السماك دخل على هارون الرشيد الخليفة العباسي يومًا؛ فاستسقى الخليفة فأُتي بكأس بها؛ فلما أخذها قال ابن السماك: على رسلك يا أمير المؤمنين! لو مُنعتَ هذه الشربة بكم كنت تشتريهَا؟! قال: بنصف مُلكِي. قال: اشربْ هنأكَ اللهُ تعالى يا أميرَ المؤمنين. فلمّا شربهَا قال: أسألُكَ باللهِ لو مُنعتَ خروجَهَا مِن بدنِك بماذا كنت تشترِى خروجَهَا؟! قال: بجميعِ مُلكِي. قال ابنُ السماك: لا خيرَ في مُلكٍ لا يُساوِي شربةَ ماءٍ. فبكَى هارونُ الرشيد وقال :سبحانَ الله !! مُلكٌ يمتدُّ مِن الصينِ شرقًا إلى المحيطِ الأطلسِي غربًا لا يُساوي شربةَ ماءٍ!!
وأنهى د. العواري كلامه مؤكدا أن فضائل الحمد لله أنه سبب في محبة الله الرحمن الرحيم ورسوله، ومغفرة الذنوب، وجلب الرزق وفتح باب الرحمة، ونزول المطر والبركة، وهو من أفضل الدعاء، والتخلص من الذنوب والخطايا، وتضاعف الأجر وتملأ الميزان، وقال رسول الله:«إِنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ» وقال أيضا:«أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللهَ عَلَى السَّرَّاءِ، وَالضَّرَّاءِ“
فروق جوهرية
أشار د. محمد عبدالله فايد، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية اصول الدين طنطا – جامعة الأزهر، إلى أن التوفيق للحمد نعمة تستحق الحمد والشكر لله، فهو مفتاح الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، اللهم لك الحمد كله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، يارب الحمد لك والشكر لك فاغفر لعبد قال لك” الذنب لي والعفو لك”، كان سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم خير الحامدين وسيد الشاكرين، عاش حياته شاكرًا لله تعالى، حامدًا له، راضيًا عنه، مبلغًا دينه، صابرًا على الأذى فيه، قانعًا من الدنيا بالقليل؛ رغبة في تعالى وفي الدار الآخرة. فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:”عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا! فَقُلْتُ:لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ؛ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ؛ وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ” وقد أبدعها لشاعر حين قال:
عرضت له الدنيا فأعرض زاهداً.. يبغي من الأخرى المكان الأرفعا
ما جر أثواب الحرير ولا مشى.. بالتاج من فوق الجبين مرصعًا
وهو الذي لو شاء نالت كفه..كل الذي فوق البسيطة أجمعا
صلى عليك الله جل جلاله.. دنيا وأخرى شافعًا ومشفعًا
أوضح أن هناك فروقا بين”الحمد، والشكر، والمدح”. الحمد: هو: “الثناء الجميل على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، مع محبته وتعظيمه” ويكن على السراء والضراء، فعن صهيبٍ قال: قالَ رسولُ اللهِ: “عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ؛ وإنْ أصَابتْهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ “.أما الشكر، فهو قرين النعم، كما أنه قد يكون لله ولغيره، قال تعالى: “أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” ويعرف بأنه:”ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان العبد ثناء واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة”، وأما المدح فقد يكون بلا محبة ولا تعظيم، كالخوف من إنسان أو تملقه أو مراءاته مثلًا، وقد يكون بحق وبغير حق أما الحمد فلايكون إلا لله وحده وبحق .
عن منزلةُ الحمدِ في القرآنِ والسنة قال د. فايد :للحمدِ في الإسلام منزلة عظيمة كما جاء في القرآن، ولأهميتِه افتتح اللهُ به كتابه في الربع الأول من القرآن الكريم فقال سبحانه: “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”. وفي الربع الثاني من القرآن، حمد الله نفسه على خلق السماوات والأرض، فقال:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ”.وفي الربع الثالث من القرآن، حمد الله نفسه على إنزال كتابه فقال:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا” وحمد نفسه على كمال ملكه، وفي الربع الرابع من القرآن، حمد الله نفسه فقال:”الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ”. كما قال في مففتح سورة فاطر:” الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” وحمد الله نفسه في كل وقت فقال:” وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”}.والحمد من صفات أهل الجنة، قال تعالى:” دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”. كما أن الحمد من صفات الأنبياء والرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، فهذا نبي اللهِ نوح عليه السلام يحمد الله بعد نجاته وهلاك الظالمين فقالَ: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” وهذا إبراهيم عليه السلام يحمد ربه على نعمة الولد فيقول:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ”. وهذا داود وسليمان، عليهما السلام قالَا:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ” وهذا نبينا محمد ﷺ بيده لواء الحمد كله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال:” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي“.
وأكد أنه تواترتْ كثيرٌ مِن الأحاديث النبوية التي تدل على منزلة الحمد وفضله، فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :”لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ”. وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:” لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ” وقال أيضا:” مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ. وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ ” لهذا علينا تربية أولادنا على حفظ اذكار المساء والصباح منذ الصغر وكذلك تعريفهم فضل الحمد لله دائما وفي كل الأوقات.
وأنهى د. فايد كلامه عن فضل اذكار الصبح والمساء بما فيها كلمات الحمد والثناء والتقديس والتمجيد لله تعالى فقال رسول الله:”مَنْ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ، وَمَنْ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَنْ قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) مِائَةِ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ مِائَةَ رَقَبْةَ، وَمَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيِرٌ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، لَمْ يَجِئْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَنْ قَالَ قَوْلَهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ“.
********
بين الصخور
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) الآية الكريمة هنا تتحدث عن خروج الروح حينما تصل الحلقوم. وهذا من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله وحده. أما ما نعرفه ونعيشه الآن أن الروح متحشرجة في الصدور. فضاق الصدر وانقبض، ضاق الصدر بصورة جعلت البعض يستعجل تحرّك روحه لتصل الحلقوم لينجو من همِّ الدنيا وغمِّها، تحشرجت الروح في الصدور بصورة أصبح البعض في حيرة من أمره، هل هو حيّ أم ميّت؟ وهل في الحياة الدنيا شئ جميل يعيش من أجله؟ هل في الحياة قيمة يستطيع الإنسان أن ينفعل بها ويناضل من أجلها؟ هل هناك مجتمع أسري أو جيران أو مجتمع العمل يمكن أن يبدد ظلمة الواقع؟
وهنا، تبددت الحياة، انقلبت من الجمال إلي القبح، من الضياء إلي الظلمة، من الحدائق الفيحاء الي أكوام من النفايات، هذا مهما بدت الشوارع نظيفة والملابس أنيقة.
هنا، يعتصر الإنسان بموجات عاتية من المناخ الحارق. والأسعار الاكثر حرقة، فالجسد يحترق وكذلك الجيوب المهلهلة علي وشك الاحتراق التام. فما في الكثير من الجيوب لم يعد يفي بحاجة الأسر.
وهنا، تدخلت موجة أكثر خطرا وهي التدني الأخلاقي الذي أصبح هو السائد الآن، فلا غرابة حينما تسمع عن شاب قُتل بعد إطلاق النار عليه من شاب آخر، فقد أصبحت المشاجرات بالسنج والمطاوي والسلاح الناري. شاهدت بعيني شابا يطلق النار علي آخر بالقرب من مركز شرطة مدينة بالدقهلية! وغير ذلك قتلي بسلاح ناري من شاب لآخر، أمثل هذا يجعل الإنسان خائفا غير آمن يطلب حمايته من الله بالموت؟!
هنا، يشعر المواطن بالغربة رغم كثرة معارفه وأقاربه فهو يدرك تماما أنه طالما لم يملك منصبا أو أن يكون من أهل الثراء فحياته مهددة مع أي مصيبة.
هنا، أخبرني أحد الرجال أنه لم يعد يهتم بالدواء الذي وصفه له الطبيب طالما لم يتألم، إما فقرا وإما زهدا في الحياة واستعجال الوصول بالروح للحلقوم. هذا وكفي!!