حان وقت العمل ولا مجال للتراجع وإضاعة الفرص
توفير التمويل اللازم للدول النامية التي تعاني من أزمة المناخ ضرورة
نتمسك بالأمل في قدرتنا على صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة
إيهاب نافع
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن العالم يجتمع في مدينة السلام، شرم الشيخ، في “قمة التنفيذ” لإنقاذ البشرية من آثار التغيرات المناخية بعدما أضحى العالم مسرحا لعرض مستمر للمعاناة الإنسانية في أقسى صورها، معاناة لا تنتهي، لكن مواجهة تلك الآثار تبقى رهنا بتوفّر الإرادة الصادقة لدى قادة العالم لمواجهة آثار التغيرات المناخية.
ورحّب الرئيس السيسي- في بداية كلمته لقادة العالم، في الجلسة الافتتاحية للشق الرئاسي في قمة المناخ “cop 27“- بقادة وملوك ورؤساء حكومات وممثلي نحو 120 دولة من محتلف أنحاء العالم، بقوله: أرحب بكم جميعًا في مصر التي أود أن تعتبروها جميعًا بلدًا ثانيًا لكم، يسعده استضافتكم ويرحب بتواجدكم على أراضيه، ويهتم بالعمل معكم من أجل تعزيز قيم التعاون، والعمـل المشترك.
أضاف: إننا نجتمع معًا، للتباحث بشأن إحدى أكثر القضايا العالمية أهمية وإلحاحًا، وهي مواجهة تغير المناخ من خلال أعمال الدورة السابعة والعشرين، لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP-٢٧ الذي ينعقد في دورته الحالية بمدينة “شرم الشيخ” مدينة السلام، وأولى المدن المصرية، التي تعـرف طـريقـها نحــو التحــول الأخضــر والتي تتعلق بها أنظار وعقول العالم، لمتابعة وقائع مؤتمرنا وما سيسفر عنه من نتائج، تساهم في تحوّل مصائر ملايين البشر نحو الأفضل وفي خلق بيئة نظيفة ومستدامة ومناخ أكثر استجابة لمتطلّبات الشعوب وظروف مواتية للحياة والعمل والنمو دون إضرار بموارد عالمنا، التي يتعيّن العمل على تنميتها واستثمارها، وجعلها أكثر استدامة.
وقال: إن الملايين التي تتابعنا- كما تابعت قمّتنا العام الماضي- من نساء ورجال وشباب وأطفال، مزارعين وعمال وأصحاب أعمال، بشر من سائر أنحاء كوكبنا، يشتركون في مصير واحد، وهدف واحد منهم من يتواجدون معنا هنا ومنهم من هم خارج هذه القاعات وأمام الشاشات يطرحون علينا أسئلة صعبة، ولكنها ضرورية، أسئلة يتعين علينا أن نسألها لأنفسنا، قبل أن توجـه إليـنا.
وتساءل: هل نحن اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافنا من عام مضى؟ هل استطعنا خلال عام منصرم، أن نتحمل مسئولياتنا كقادة للعالم، في التعامل مع أخطر قضايا القرن وأشدها تأثيرًا؟ والسؤال الأهم، الذي يتعين أن نوجهه لأنفسنا: هل ما نطمح إلى تحقيقه من أهداف، يقع في نطاق الممكن؟
مشددا على أنه ليس مستحيلًا ولكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية والنيّة الصادقة لتعزيز العمل المناخي المشترك وترجمة ما يصدر عن اجتماعاتنا من نتائج إلى واقع ملموس.
وخاطب الحضور، قائلا: أثق في أنكم هنا، من أجل الإجابة عن تلك الأسئلة، والرد على شواغل الملايين حول العالم الذين يعانون الآن، أكثر من أي وقت مضى، من كوارث مناخية تتسارع وتيرتها وتزداد حدّتها، على نحو غير مسبوق، يومًا بعد يوم، في شتى أنحاء كوكبنا فما تلبث أن تنتهي كارثة في مكان ما، حتى تبدأ أخرى في مكان آخر مخلّفة وراءها، آلاف الضحايا والمصابين والنازحين ومسبّبة خسائر مادية بالمليارات وكأن العالم قد أصبح مسرحًا، لعرض مستمر للمعاناة الإنسـانيـة في أقسـى صـورها، وهنا علينا أن نتوقف، لنطرح نحن على أنفسنا تساؤلًا مُلحًا: أما آن لهذه المعاناة أن تنتهي؟
وعرض الرئيس السيسي إلى أن ما يحتاجه عالمنا اليوم، لتجاوز أزمة المناخ الراهنة وللوصول إلى ما توافقنا عليه، كأهداف في “اتفاق باريس” يتجاوز مجرد الشعارات والكلمات، إن ما تنتظره منا شعوبنا اليوم، هو التنفيذ السريع والفعال والعادل، تتوقع منا شعوبنا خطوات حقيقية وملموسة نحو خفض الانبعاثات، وبناء القدرة على التكيف، مع تبعات تغير المناخ وتوفير التمويل اللازم للدول النامية، التي تعاني أكثر من غيرها من أزمة المناخ الراهنة من هذا المنطلق؛ فلقد حرصنا على تسمية هذه القمة: “قمة التنفيذ” وهو الهدف الذي يجب أن تتمحور حوله، كافة جهودنا ومساعينا.
أضاف: على الرغم من كافة التحديات، التي واجهناها خلال الفترة الماضية، ولا نزال نواجهها، فضلًا عن جميع العوامل، التي أعلم أنها تلقي بظلال من الشك وعدم اليقين، إزاء قدرتنا على الوصول إلى أهداف “اتفاق باريس”، وحماية كوكبنا من مستقبل يصل فيه ارتفاع درجات الحرارة إلى درجتين ونصف، بل ثلاث درجات مئوية على الرغم من ذلك كله، فإن هناك شواهد وعوامل أخرى، تدعونا إلى التمسك بالأمل في قدرة البشرية، على صنع مستقبل أفضل لأجيال قادمة، لا يجب عليها أن تتحمل نتائج أخطاء لم ترتكبها وفي شعوب باتت أكثر وعيًا ودراية، بحجم التحدي ومتطلبات مواجهته، وبالثمن الباهظ للتقاعس أو التراجع والأمل أيضًا في حكومات، تعلم ما يتعين عليها القيام به، وتسعى بالفعل إليه، وفقًا لقدراتها وإمكانياتها وفي قطاع أعمال عالمي ومجتمع مدني، أصبح يمتلك من الأدوات، ما يؤهّله للعب أدوار مهمة في هذا الإطار.
مصر والاقتصاد الأخضر
وأوضح: لقد وضعنا في مصر نصب أعيننا، أهدافًا طموحة عبّرنا عنها في “استراتيجية مصر الوطنية لمواجهة تغير المناخ”، ونعمل بدأب، على الإسراع من وتيرة التحوّل الأخضر، من خلال التوسّع في الاعتماد على الطاقة المتجدّدة والنقل النظيف واتخذنا خطوات ملموسة، نحو إحداث تحوّل هيكلي، في القوانين والتشريعات وآليات العمل الحكومية، بما يسـاهم في تعزيـز الاسـتثمارات الخضـراء. ولعل البرنامج الوطني للاستثمار في مشروعات المياه والطاقة والغذاء “نوفي” الذي أطلقته مصر مؤخرًا هو تجسيد لهذا الطموح، وهذا التوجّه وإن ما تشهده مصر اليوم، من تحوّل نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الانبعاثات، في كافة المجالات هو ترجمة عملية لما نادينا وننادي به، من ضرورة التنفيذ الفعلي على الأرض، وخير دليل على أن الأمل في التغلب على تحدى تغير المناخ، لا يزال قائمًا، إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة، ولعلكم تتفقون معي، أنه إذا كنا نرغب حقيقة، في السير معًا نحو مستقبل، نضمن فيه أن تبقى درجات الحرارة، عند مستوى ما دون الدرجتين مئوية وإذا كنا بالفعل عازمين، على صنع مستقبل للجميع وبالجميع.
إفريقيا والتغيرات المناخية
وقال: إن واجبى يحتّم علىّ، أن أصارحكم ببعض الشواغل، التي لابد ألا نغفلها أو نتناسى وجودها وهي أن قدرتنا كمجتمع دولي، على المضي قدمًا، بشكل موحّد ومتّسق، نحو تنفيذ التزاماتنا وتعهّداتنا، وفقًا لاتفاق باريس، إنما هي رهن بمقدار الثقة، التي نتمكن من بنـائها فيما بينـنـا ومن ثمّ، فإنه من الضروري أن تشعر كافة الأطراف من الدول النامية خاصة في قارتنا الأفريقية أن أولوياتها يتم التجاوب معها، وأخذها في الاعتبار وأنها تتحمّل مسئولياتها، بقدر إمكانياتها، وبقدر ما تحصل عليه، من دعم وتمويل مناسبين، وفقًا لمبدأ المسئولية المشتركة متباينة الأعباء بما يتيح لها، درجة من الرضا والارتياح، إزاء موقعها في هذا الجهد العالمي، لمواجهة تغير المناخ وإن ذلك لن يتأتّى سوى من خلال تهيئة مناخ من الثقة المتبادلة يكون محفزًا وداعمًا، لمزيد من العمل البناء ولن يتأتّى أيضًا، بدون قيام الدول المتقدّمة، بخطوات جادة إضافية، للوفاء بالتعهدات التي أخذتها على نفسها، في تمويل المناخ ودعم جهود التكيّف والتعامل مع قضية الخسائر والأضرار الناجمة، عن تغير المناخ في الدول النامية والأقل نموًا على نحو يضمن صياغة مسارات عملية، لتحقيق الانتقال المتوازن نحو الاقتصاد الأخضر ويراعي الظروف والأوضاع الخاصة لهذه الدول.
وأشار الرئيس السيسي إلى أن وجودهم هنا اليوم، هو في حد ذاته رسالة تأكيد، على الاهتمام الذي يولونه لعمل المناخ العالمي والذي يرجو أن ينعكس، في اتساق مواقف دولهم، مع عنوان القمة وهو: “التنفيذ” وتوجه اليوم لهم مناشدًا، أن تكون رسائلهم إلى العالم – الذي يتوقع منهم الكثير- رسائل واضحة تتضمن خطوات محـددة، لتنفيـذ الالتزامـات والتعهدات.
مبادرات طموحة
واقترح الرئيس السيسي على قادة العالم الإعلان عن المزيد من المساهمات المحددة وطنيًا ورفع طموح استراتيجياتهم لخفض الانبعاثات وإطلاق مبادرات طموحة وفعالة، تجمع كافة الفاعلين، حول أهداف واضحة في التكيف والتمويل ومتابعة تنفيذ ما تم إطلاقه من مبادرات في السابق، والانضمام إلى المبادرات الجديدة، التي تعتزم مصــر إطلاقها علـى مـدار أيام المؤتمـر والأهم من ذلك كله، أن تكون توجيهاتهم لمفاوضيهم، الذين يستعدون الآن لبدء أسبوعين من المفاوضات المهمة هي التحلي بالمرونة، والعمل على بناء الثقة والتوافق للخروج بالنتائج، التي يعلم أنهم كقادة للعالم، يريدون الخروج بها من هذا المؤتمر.
وشدد الرئيس السيسي على أن الأمل الذي يحدّثهم عنه اليوم، ليس أمل التمني، بل هو أمل العمل والقدرة على الفعل، خاصة وأنه استطاعت الكثير من الدول، على مدار عام مضى، أن تكون نماذج مضيئة، لهذا العمل وهذه القدرة ماضية نحو الأمام، في تنفيذ تعهداتها والتزاماتها، بالرغم من كافة الصعاب. ودعا جميع قادة العالم ليحتذو بهذه النماذج وألا يسمحوا لأي عوامل، أن تحدّ من عزيمتهم، أو تضعف من قدرتهم، على مواجهة تحدي تغير المناخ الذي لن يتراجع أو يتوقف دون تدخل منا.
وختم حديثه لقادة العالم بقوله: إن الوقت يداهمنا ونهاية هذا العقد الحاسم، باتت على بعد سنوات قليلة، علينا أن نستغلها لنحسم خلالها هذه المعركة، على النحو الذي نريده ونرتضيه. حان الآن وقت العمل والتنفيذ لا مجال للتراجع أو التذرع بأي تحديات لتبرير ذلك، حيث إن فوات الفرصة، هو إضاعة لإرث أجيال المستقبل، من أبنائـنـا وأحفـادنـا وإنني أثق في حكمتكم، وفي إدراككم، لهذه اللحظة المصيرية من عمر كوكبنا وأعلم أننا جميعًا، أهل للمسئولية الملقاة على عاتقنا لنمضي الآن معًا، نحو “التنفيذ” ولا شئ غير “التنفيذ”.
الشق الرئاسى
كان الرئيس السيسي، قد افتتح، فعاليات الشق الرئاسي من الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ بشرم الشيخ، بمشاركة 110 من قادة وزعماء العالم ورؤساء الحكومات ولفيف من الشخصيات الدولية.
ويتضمن الشق الرئاسي من القمة، عقد ثلاث موائد مستديرة عالية المستوى، حيث سيلقي الزعماء المشاركون كلمات تتناول جهود بلادهم في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية، كما ستعقد أيضا ثلاث موائد مستديرة للزعماء المشاركين بالمؤتمر اليوم الثلاثاء.
تجدر الإشارة إلى أن مصر تستضيف الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP27)، خلال الفترة من 6 – 18 نوفمبر 2022 والذي يقام بمدينة شرم الشيخ، ويمثل فرصة هامة للنظر في آثار تغير المناخ في إفريقيا؛ ولتنفيذ ما جاء فى اتفاق باريس 2015 وتفعيل ما جاء فى مؤتمر جلاسكو 2021 من توصيات؛ وحشد العمل الجماعي بشأن اجراءات التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ.
ويشارك 110 من رؤساء الدول والحكومات في فعاليات مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP27 )؛ إلى جانب 10 آلاف من منظمات المجتمع المدني، و26 ألفا و500 يمثلون الوفود الرسمية والهيئات، و3 آلاف و321 إعلاميا.