الحديث عن الهوية المصرية، حديث ذو شجون إذ يمتد عبر العصور من القدماء المصريين إلى يومنا هذا، وقد تعرضت الهوية المصرية عبر التاريخ ومازالت تتعرض إلى محاولات لتغييرها.
وفى تقديرى أن الحفاظ على الهوية المصرية بالنسبة للمصريين، أو غيرها من الهويات الأخرى العربية أو الأفريقية أو الأوربية يعد من الثوابت لدى الشعوب، وفى تقديرى أيضا أن ضياع الهوية بالنسبة للأفراد أو الدول ينم عن ضعف الشخصية الحقيقية بالنسبة للأفراد، أو الشخصية الاعتبارية بالنسبة للدول.
ورغم المحاولات العديدة التى تعرضت لها مصر منذ القدم لتغيير هويتها الوطنية، فإنها مع كل محاولة – طالت مدتها أو قصرت – كانت تنتصر على تلك المحاولات بالتمسك بالهوية المصرية الوطنية المتميزة، التى مرت عليها مجموعة من الحضارات، بدأت بالفرعونية ثم اليونانية والرومانية ثم القبطية، وأخيرا الحضارة العربية، وقد تفاعلت هذه الحضارات مع بعضها البعض، وتمكنت الهوية المصرية من استيعابها جميعا وأضفت على كل حضارة من تلك الحضارات سمة من سماتها الذاتية، ونستطيع القول: إن الهوية المصرية قامت بتمصير كل الحضارات التى مرت عليها بحيث أخذت كل حضارة وافدة على مصر سمة مصرية خالصة.
ولذا فإننى أعجب كل العجب من أولئك المصريين الذين يسافرون إلى أى بلد عربى أو أوروبى، فتضيع هناك هويتهم المصرية، وتذوب شخصياتهم فى شخصية البلد التى وفدوا إليها، فتراهم يتخلون عن أى مظهر يدل على هويتهم المصرية، وربما تحدثوا باللهجة العربية التى يتحدث بها أهل هذا البلد العربى أو ذاك، أو باللغة غير العربية بالنسبة للذين يهاجرون أو يقيمون فى بلاد الغرب، ومن كانت تلك سمته، فإنه يرتدى أيضاء ملابس البلد الذى يعيش فيه، فإذا لقيته حسبته من أهل هذا البلد، ولا تكاد تشعر بأنه مصرى فى شيئ إلا فى بطاقة الهوية، والبعض يتخلى عن هذه البطاقة أيضا بالحصول على جنسية البلد الذى يقيم فيه، ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
وهذا كله من وجهة نظرى ينم عن ضعف شخصية من يفعل ذلك وعدم اعتزاز منه بالهوية المصرية ذات الحضارة العريقة، التى تستحق الفخر بها لا التخلى عنها.
إن مصر عندما تحول غالبية شعبها إلى الإسلام، فقد كانت شامة وعلامة فى العالم الاسلامى، وعلى أرضها نشأ الأزهر الشريف الذى يعد مرجعية الإسلام السنى فى العالم، وكان إسهام المصريين فى علوم الفقه والتفسير والترجمة هو الأبرز، ولا يزال الأزهر الشريف يمثل المرجعية الأساسية للمسلمين السنة فى شتى أنحاء العالم، فمكونات الهوية المصرية والطبيعة الخاصة للشخصية المصرية هى التى حكمت مصر والمصريين فى مراحل التقلب التى مرت بها المنطقة، وهى التى وقفت فى وجه محاولات عناصر سلفية لاستهداف بعض الأضرحة فى القرى المصرية، وهى التى دفعت السيدات المصريات على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والاجتماعية والدينية للخروج ضد محاولات الجماعة الإرهابية لتغيير الهوية المصرية، وهى التى دفعت ملايين المصريين للخروج إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013 للدفاع عن الهوية المصرية، وقد نجحت فى النهاية فى اقتلاع حكم المرشد والجماعة الإرهابية الخارج عن السياق العام للهوية المصرية.
إن هويتنا المصرية صمدت أمام كل محاولات العبث بها، ورغم ذلك لم تتوقف حتى اللحظة محاولات الاستهداف التى يقوم بها البعض لإضفاء الوهابية أو السلفية على الهوية المصرية، ومحاولات أخرى شتى تطول المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية وحتى الرياضية، بل إن هناك محاولات هائلة لضرب التوافق الوطنى المصرى الذى صمد فى وجه محاولات التدمير التى شهدتها مرحلة ما يسمى زورا وبهتانا بالربيع العربى.