ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة.. بنسبة تجاوزت ٣٠ % مؤخرا
د.نهلة أمين:
الاضطرابات الشخصية والمشكلات النفسية للرجل..أهم الأسباب
د.هند فؤاد:
التنشئة الاجتماعية والدراما التلفزيونية..من أهم الوسائل المؤثرة
تحقيق – هالة السيد موسى:
يحتفي العالم هذه الأيام باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. وحسب تقرير الأمم المتحدة فإن العنف الممارس ضدهن يعد واحدا من أكثر انتهاك حقوق الإنسان انتشار واستمراره وتدميرا ..خصوصا في أوقات الأزمات والكوارث..وهو ما يشكل حاجزا في سبيل تحقيق المساواة والتنمية واستيفاء الحقوق الإنسانية للمرأة و الفتاة،وعلى المستوي المحلي أشار تقرير صادر عن المجلس القومي للمرأة الي ارتفاع معدلات العنف ضدها بنسبة تجاوزت ٣٠ %مؤخرا .. من هنا حرصت عقيدتي علي استعراض بعض نماذج العنف في المجتمع المصري للوقوف على أسبابها وإيجاد الحلول للحد منها.
من واقع صفحات الحوادث في ١٨ نوفمبر ٢٠٢١ عقدت أول جلسة لمحاكمة قاتل زوجته بمحافظة الدقهلية أثناء تنفيذ حكم ضم أطفالها منه والذي قام فجأة باشهار سلاح أبيض وسدد لها طعنتين توفيت في الحال
وفي ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ وفي الدقهلية أيضا لقيت ربه منزل مصرعها علي يد زوجها لرفضها اقراضه مبلغا من المال لشراء مواد مخدرة فانهال عليها ضربا حتي لفيت أنفاسها الأخيرة
في ٢٨ سبتمبر ٢٠٢١ شهدت مدينة بنها جريمة قتل بشعة حيث قام زوج بقتل زوجتة لشكه في سلوكها ووضعها في كيس بلاستيك و دفنها في مقابر الصدقة
بات مشهد قتل الزوجات متكررا فأقدم زوج علي قتل زوجتة بمدينة ٦ اكتوبر في ٤ سبتمبر ٢٠٢١ بأن قام برطم رأسها في الحيط عدة مرات أمام أطفالها الثلاثة مما تسبب في وفاتها
في مايو ٢٠٢١ بمحافظة الفيوم قام زوج بوضع مخدر في العصير و قتل زوجتة و أطفالة الستة معللا ذلك بسبب تراكم الديون عليه
هذة الجرائم هي جزء من كل يشير إلى تفاهم معدلات العنف ضد النساء في مصر و بالتالي نحن في حاجة ماسة للوقوف على أسبابها
عن الأسباب النفسية للعنف ضد المرأة و تأثيره عليها كشفت الدكتورة نهلة آمين ،معالج نفسي بمستشفي الشرطة ، العديد من الأسباب النفسية لممارسة العنف ضد المرأة، والتي تعود في أساسها إلى التنشئة الاجتماعية التي يتعرّض لها الطفل في الأسرة والمدرسة،فقد بيّنت العديد من الدراسات المختصة في دراسة سلوك المجرمين العنيفين أنّ هؤلاء المجرمين قد عانوا في طفولتهم من سوء تربية الوالدين ، وتعرضوا للعقاب الجسدي والإهمال وضعف الإشراف،وأحياناً انفصالهم عن أسرهم، ممّا انعكس على سلوكه ، حيث يقول علماء النفس أن العنف قد ينتج عن الشعور بالغضب الذي يسببه الإحباط واليأس الذي يتعرض له الشخص، هذا بإلاضافة إلى عوامل اخرى نفسيةكالشعور بالقهر والإحساس بالدونية والعجز الذي قد يتعرض له الزوج في مكان عمله أو غيره وعدم قدرته على الّرد على مصدر إحباطه،فتلك العوامل تؤدّي إلى أن يظهر الزوج ردود أفعال عنيفة على زوجته أو أحد أفراد العائلة.
وأشارت إلى أن العنف ضد المرأة بحاجات الفرد، فقد يشعر الشخص بشعورٍ سيئ في حال عدم قدرته على تحقيق احتياجاته أمام الآخرين، ومع مرور الوقت يتحوّل ذلك الشعور إلى عنف ضدّهم، وأيضا يؤدي وجود اضطرابات الشخصية أو المشكلات النفسية لدى الرجل إلى ممارسة العنف ضد المرأة، فقد بينت عدة دراسات فى علم النفس المرضي وسمات الشخصية وجود نسبة عالية من اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع لدى الرجال او اضطراب الشخصية النرجسية يمارسون العنف ضد زوجاتهم والاعتداء عليهن
ويمكن أن تكون المرأة نفسها أحد العوامل الرئيسية التي تؤدّي إلى ممارسة العنف ضدهامن خلال خوفها الشديد من الرجل نفسه أو من المجتمع الذي تعيش ضمنه، فتضطر للسكوت عن العنف الممارس ضدها والخضوع له، والاستسلام لأشكال العنف البسيطة كالسخرية من أجل تجنب العنف الجسدي الأشد، مما يدفعها للسكوت عن العنف في حال عدم وجود أيّ شخص تلجأ له لحمايتها عند تعرضها لأي شكل من أشكال العنف، وتكثر الآثار السلبية للعنف ضد المرأة ويكون لها أبعاد لا يستهان بها على المستوى النفسي، حيث أن ّ الممارسات العنيفة التي تتعرّض لها المرأة تساهم في التقليل منشعورها بقيمتها الذاتية وبالتالي تضعف من ثقتها بنفسها، ممّا يؤثّر سلباً على صحتها العقلية وذلك من خلالتشتيت قدرتها على التفكير السليم، فينعكس ذلك سلباً على قدرتها على التصرف بشكل مستقل وآمن في المجتمع
وأشارت إلى أنه تتشابه الأعراض النفسية للعنف مع الآثار النفسية الناتجة عن أنواع أخرى من الكوارث والحروب، حيث تمرّ النساء المعنفات بمراحل متتابعة من الصدمة، والإنكار، والارتباك، والخوف، والانسحاب،وفي بعض الحالات حين يكون العنف بشكلٍ مستمر ومتكرر تكون له تبعات أخرى أشدّ تأثيراً، مثل: ضعف الشخصية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات أو التخطيط على المدى البعيد، بالإضافة إلى زيادة نسبة الاكتئاب ومحاولات الانتحار، حيث تشير الدراسات إلى كلما تمّ الاعتداء على المرأة أكثر زادت معاناتها النفسية مع عدم قدرتها على التكيّف النفسي
عن كيفية التعامل مع المرأة المعنفة اوضحت أن ذلك يتم من خلال تقييم درجة العنف ومدى آثاره الجسدية والنفسية ، وتقييم الأعراض النفسية التي نشأت وظهرت بعد التعرض للتعنيف ، وعلاج مسببات العنف، فقد تكون المرأة أحياناً سبباً له، وإن كان ذلك ليس مبرراً للعنف والتعنيف ولكن لابدّ من تحديد المسبباتعلاج الأعراض حسب نوعها وشكلها وحدتها ، وإعادة تأهيل المرأة المعنفة من خلال الدورات التدريبية والعلاجية ،ووضع قوانين صارمة لمعالجة أو معاقبة ممارسي العنف ضد المرأة ، كما أكدت الدراسات ضرورة سنّ تشريعات ووضع سياسات تمكّن من حماية المرأة؛ والتصدي للتمييز الممارس ضدها؛ وتعزيز المساواة بين الجنسين؛ولابدّ من توعية مقدمي الخدمات الصحية وغيرهم من مقدمي الخدمات النفسية وتثقيفهم للتعرف إلى الوسائل العملية المناسبة لمعالجة آثار العنف النفسية، وتلبية احتياجات الضحايا
كارثة اجتماعية
أشارت الدكتورة هند فؤاد السيد- أستاذ علم الإجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية إلى تزايد معدلات العنف تجاه النساء والفتيات بشكل كبير مؤخرا خاصة فى المناطق الحضرية والمراكز ، ويرجع أسباب انتشار مظاهر وسلوكيات العنف ضد الاناث والنساء لعدد من الأسباب لعل أبرزها: التنشئة الإجتماعية التي مازالت تميز بين الأبناء وتفضل الذكور عن الإناث وتجعلهم فى مرتبة أقل من الذكور سواء فى التعليم أو الخروج وتسهل عملية التحكم والسيطرة فى اختيارات الفتيات واحتياجاتهن ليس فقط من قبل الآباء بل أيضا من قبل الأخوة الذكور. أيضاالدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية من أهم الوسائل المؤثرة فى تزايد سلوكيات العنف ضد النساء لسهولة مشاهدتها وتأثيرها الفعال فى الأسرة المصرية كما أكدت الكثير من الدراسات والبحوث على ذلك في الدراما التي تذاع فى مواسم محددة مثل المناسبات وشهر رمضان المبارك ، كذلك تأثير وسائل التواصل الإجتماعى والإنترنت فى زيادة المظاهر والسلوكيات العنيفة والتحرش تجاه الإناث وسرعة نشرها وتضخيمها لعمل رأي عام مضاد للنساء ويشجع على مزيد من القمع والعنف ضدهن، وكذلك عدم تجديد الخطاب الدينى وشموله النظرة الوسطية تجاه قضايا النساء ونظرتهم للمرأة بصفة عامة
وأوضحت أنه يمكن الحد من هذه الظاهرة من خلال العديد من الآليات منهاتشديد الرقابة على الوسائل الإعلامية والدراما التليفزيونية المقدمة والمبثة عبرها ، وتجديد الخطاب الدينى وخاصة صورة المرأة وقضاياها، وتغليظ العقوبات على منتهكى حقوق النساء والمتحرشين بهن ، وكذا تعزيز صورة المرأة وإبراز النماذج الناجحة فى المناهج الدراسية والمجتمع ، وتعزيز التنشئة السوية للنساء ومنع الاسر من التمييز ضدها ومعاقبة مرتكبى ذلك من الآباء أسوة بالمجتمعات الغربية
وأكدت أنه من بين الآثار النفسية والإجتماعية لمظاهر وسلوكيات العنف ضد الإناث والفتيات الكثير من المظاهر المركبةفقد يؤدي ذلك لإمتداد العنف تجاه ذاتها وتجاه تعاملاتها سواء داخل المنزل أو خارجه، وقد يؤثر ذلك أيضا فى أسلوب تنشئتها لأبنائها فيما بعد فالمرأة التي أعتادت على العنف والتمييز تمارسه بالتبعية على جنسها وأولادها، وبالتالي ينتج جيل مشوه وعنيف يكره الأسرة والمجتمع ويشعر بالإحباط تجاه مجتمعه ، وقد يؤدى واستمرار مظاهر العنف تجاه الإناث منذ الطفولة إلى اعتياد العنف تجاهها وعدم اعتباره عنف وممارسته فى الأسرة من قبل بعض الثقافات الفرعية للمجتمعات العشوائية والشعبية والقبلية
حرام شرعا
عن حكم الايذاء اللفظي و البدني النفسي للزوجة تقول الدكتورة رضا عبد الخالق اسماعيل ،مدرس فقه عام بكلية الدراسات الإسلامية و العربية بنات كفر الشيخ ، يحرم علي الزوج سب زوجتة و اهانتها و الأدلة علي ذلك كثيرة لقول الله تعالي:”وعاشرتهم بالمعروف” أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها فأفعل أنت بها مثله . فالآية الكريمة أمر للأزواج بحسن معاشرة الزوجة وذلك بتوفيق حقها من المهر والنفقة ، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقا في القول لا فظا ولا غليظا ولا يظهر ميلا إلى غيرها .
وأشارت إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” سباب المسلم فسوق و قتاله كفر”، الحديث الشريف دليل علي أن “سب” المسلم من صور العنف فينبغي علي المسلم أن لا يكون سبابا و لا لعانا للمؤمنين ، ويقتدي في ذلك بالنبي لأن السب سبب الفرقة والبغضة و يزداد الإثم إذا كان السب والشتم من الزوج لزوجته فلها حق على زوجها زيادة علي الحقوق الواجبة علي المسلمين عامة حيث ورد الأمر بالمعاملة بالمعروف
عن حكم ضرب الزوج لزوجته أشارت إلى أن ضرب الزوج لزوجته من كبائر الذنوب، والدليل علي ذلك قول الله تعالي :”
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ” فالاحسان للوالدين والأقارب بالبر إن الإسلام عمل علي تعزيز مكانة المرأة و منها العزة و أكرم منزلتها، و لذلك فقد نص الفقهاء علي جواز طلب المرأة للطلاق و لو ضربها زوجها مرة واحدة فقط بل وأوجبوا مع الطلاق التعزيز البليغ الذي يردع هذا الذي يسب زوجته ويهينها، وإذا لم ترد التطليق فللحاكم أن يزجره ويكفه عنها باجتهاده ، كما كان الزوج يتولي زجرها فإن لم ينته ضربه كما في الزوجة
أضافت أن للزوج ولاية تأديب زوجته بالضرب عند تحقق أمرين: نشوز المرأة وعصيانها، وأن يعلم إفادة الضرب فلا يجوز الضرب إلا إذا ظن إفادته ، وتتمثل صور النشوز في منع الوطء والإستمتاع بلا مبرر الخروج بغير اذنه لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه
تستعرض الدكتورة رضا شروط الضرب الجائز: أن يكون الضرب بعد أن ينصحها فلا تنصح ، ويهجرها في الفراش فلا تنته عن نشوزها..إن لا يكون الضرب مبرحا بل يكون علي وجه التأديب.. أن لا يضربها علي وجهها.. أن لا يشتمها أثناء الضرب..لا يكون قصده الثأر والإنتقام وأن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود ، أما حكم الهجر فيحرم علي الزوج خصام الزوجة بغير سبب فقد نهي النبي عن التقاطع و التباغض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا تقطعوا و لا تباغضوا و لا تحاسدوا و كونوا إخوانا كما أمركم الله) وقد أمرهما الله بالمعاملة بالمعروف.