لطالما كانت قوة الفكرة ذات تأثير كبير على الإنسان ومجتمعه؛ ففكرة واحدة كفيلة بتغيير مستقبل مجتمعٍ كاملٍ. المحبة فكرة والكراهية فكرة، العيش المشترك فكرة والتصارع والاستقطاب فكرة، السلام فكرة والحرب فكرة، الاستنارة والانفتاح فكرة والتشدد والانغلاق فكرة. ومن هنا نستنتج أن مواجهة الفكرة لا يتم إلا من خلال فكرة مثلها.
إن المتابع لتاريخ منطقتنا خلال العقود الأربعة الأخيرة، يستطيع أن يرصد مدى تأثُّر البعض بالأفكار المتطرفة، وانتشار دعاوى الكراهية للآخر، وحالة الانغلاق الفكري لدى البعض، وتطور الأمر للعنف في بعض الأحيان، ويستطيع المتابع أيضًا أن يرصد تغيُّرات في منظومة القِيَم ككل والسلوك المجتمعي، تراكمت على مدار عقود. وفي هذا السياق تبرز الأهمية القصوى لمواجهة جذور العنف بمحاربة الفكر الذي يؤصِّل لهذا العنف أو يُشرعِنه. ولكل منا كأعضاء في هذا المجتمع دور ومسؤولية، كلٌّ في مجاله، في هذه المواجهة؛ لأن سلام المجتمع هو مسؤولية كافة أعضائه.
الصحافة والإعلام جزء أصيل من هذه المواجهة، ومن إحدى وظائف الإعلام هي التعليم والتأثير في الرأي العام، بكل ما تحمله من فنون في كتابة الخبر الصحفي أو التقارير أو التحقيقات أو المقالات، ويمكنها أن تكون ساحةً لتعليم الاختلاف بشكل صحي، ونشر الفكر الإيجابي. ومع تطور الآليات، أصبح مفهوم النشر الإلكتروني أكثر انتشارًا وتأثيرًا، واحتلت مواقع التواصل الاجتماعي مكانًا بارزًا في التأثير، وأصبح ضروريًّا على كافة المؤسسات الصحفية أن تطور آلياتها وفقًا لهذه المستجدات؛ لأن كل منبر من هذه يمكن أن يُستَخدَمَ للشيء ونقيضه، وهذه المنابر أصبحت ذات أهمية وتأثير كبيرين على العديد من الأشخاص، وأصبحت ذات تأثير على السلوك ومنظومة القيم.
وفي إطار اهتمام الدولة بمواجهة الفكر المتطرف من خلال نشر الفكر الوسطي، بدأ إصدار “عقيدتي” كأول جريدة دينية أسبوعية متخصصة في مصر، تصدر عن مؤسسة دار التحرير، وبدأ إصدارها في أوائل تسعينيات القرن الماضي، تلك الحقبة التي شهدت فيها البلاد تحديات كبيرة في قضايا العنف والتطرف لتكون صوتًا داعيًا للتسامح والمحبة والوسطية، فاتخذت منها منهجًا لمواجهة الفكر المتطرف من خلال دعم الفكر المستنير ونشره وتشجيعه.
على مدار ثلاثين عامًا، اهتمت “عقيدتي”، إلى جانب اهتمامها بنشر الأفكار الدينية الوسطية السمِحة، بتسليط الضوء على القضايا المجتمعية الهامة والتحديات التي يواجهها المجتمع كقضايا الإدمان والأسرة والقيم والأخلاق المجتمعية، اهتمت أيضًا بتشجيع المبادرات المجتمعية الجادة من مختلف أطياف المجتمع، فكانت من أهم المؤسسات الصحفية التي حرصت على تغطية فعاليات الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ومبادراتها في مجالات العيش المشترك والتماسك المجتمعي.
إننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نلمس احتياجًا ماسًّا لنشر الفكر الديني المتسامح والوسطي، والاعتدال واحترام عقائد بعضنا البعض. واليوم أيضًا نلمس اهتمامًا غير مسبوق من الدولة للعمل على ترسيخ هذه المفاهيم والقيم، والتعامل الجاد من قبل الدولة وعلى رأسها سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في هذا الشأن، والتأكيد المتكرر على ضرورة مواجهة الكراهية والعمل معًا للتعامل مع شتى التحديات التي تواجه الوطن، واغتنام الفرص المتاحة أمام بلادنا الغالية في كل المجالات. وهنا يبرز الدور الحقيقي لكلِّ أعضاء المجتمع، كلٌّ في موقعه، ومنها جريدة عقيدتي للاستمرار في الاضطلاع بدورها المهم. ولا تزال رحلة العمل مستمرةً، تتعامل مع كافة المستجدات والقضايا، وتنظر دائمًا للتطوير والأفكار الخلاقة، وتطوِّع كل هذه الأدوات في خدمة الوطن.
أتمنى المزيد والمزيد من النجاح والانتشار والتأثير لجريدة “عقيدتي”، وأن تستمر في أداء رسالتها الهامة في المجتمع بجهود مثمرة، وأنتظر منها دائمًا مواصلة المعالجة الجادة لقضايا المجتمع، وتسليط الضوء على المبادرات والتحركات الإيجابية ودعمها، في سبيل هدف سامٍ ينطلق من محبة الوطن والسعي الدائم لرفعته وتقدمه.