فإن النفس الإنسانية مناط التكريم وأصل التقدم نحو آفاق فسيحة , وهى تمثل سكان السفينة ــ دفة قيادتهاــ الذى يقود البشرية فى صحراء الحياة هادية لها ومحيطة بها بسياج من نور يضيء الطرق وينير الدروب.
والناظر إلى القرآن الكريم فى عرضه للنفس يلفيه يعرض لها تارة على جهة البنية الجسمية وهو فى هذا الصدد يحرم قتلها بغير حق , ويأمر باحترامها وتكريمها قال تعالى ــ فى سورة المائدة ــ :ــ ” منْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..” وقام النبى – صلى الله عليه وسلم عندما مرت عليه جنازة يهودى فقيل له يارسول الله : إنها جنازة يهودى ! فقال النبى – صلى الله عليه وسلم – أليست نفسا؟!!!! يعنى أنها نفس إنسانية محترمة , وهو يضرب بذلك أروع الأمثلة لاحترام الإسلام للإنسان من حيث كونه إنسانا ونفسا منفوسة.
وللنفس معنى آخر له دلالة بالخيرية والشرية والإيمان والعصيان ذلك تقسيمها فى القرآن الكريم ثلاثة أقسام :ــ
القسم الأول : النفس الأمارة بالسوء وجاءت فى معرض الشباب والفتوة على لسان زليخا امرأة العزيز – التى تمكنت منها غريزتها فأمرتها نفسها أمرا شديدا – كما يشعر التعبير بصيغة المبالغة وما فيها من التكرير والشدة والإلحاح المستمر للإيقاع دون إقلاع ــ فأمْر النفس فى هذا القسم يكون بالسوء من القول والفعل والهنات والشوارد والهفوات فى سوق الهوى والدمار الشيطانى . قال تعالى فى سورة يوسف :ــ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ”
القسم الثانى : النفس اللوامة : وهذه النفس ارتقت من طريق الهوى إلى صراط الهدى الدلالى فأخذت تلوم وتعاتب وتأنب الضمير الحي اليقظ فى الإنسان أمرا ونهيا وفعلا وتركا محاولة منها إلى استقامة البنان النفسى والتقييم للإنسان كاستقامة البنيان والتقويم فهى دائما تقول لصاحبها بلسان الشفقة وعلى نبر الأخذ بالحُجُزِ : لم فعلت هذا ؟!!!!!! لم قلت هذا ؟!!! وهكذا حتى ترتقى إلى المنزلة الاطمئنانية . قال تعالى فى سورة القيامة :ــ” لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ”
القسم الثالث: النفس المطمئنة : بعد نهار مُضْنٍ من الأمر بالسوأى من القول والفعل , وبعد غروب منصهر بعصارة اللوم المدقع يبزغ فجر الأمان والاطمئنان بالنفس المطمئنة وفيها يقول الله – تعالى – فى سورة الفجر:ــ” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي”.
فإذا شبهنا الإنسان بترتيب السور التى ورد فيه التقسيم وجدنا أن فترة الشباب قاسية فيها الأمر بالسوء إلا من رحم الله وتمثلها سورة يوسف ثم تأتى مرحلة الكهولة فيرعوى الإنسان وتلومه نفسه وتمثلها سورة القيامة , ثم تأتى نفس الهدى والاطمئنان فيبلج فجر الهداية ويقشع ظلمة الغواية وتمثله سورة الفجر.
فللنفس حقوق من المحافظة والملاحظة – خصوصا فى هذا الزمان الذى كثرت فيه السيطرة الجسدية وانطماس نور العقل مما نشأ عنه جرائم يندى لها الجبين ــ وعليها واجبات من المجاهدة والتزكية والتخلية والتجلية والتحلية مصداقا لقوله – تعالى فى سورة الشمس – وكأنها شمس الوضوح النفسى والصراحة والارتفاع كأن الشمس فى ارتفاعها طيلة النهار كناية عن ارتفاع النفس من الدس و الإسفاف إلى التزكية والعفاف – يقول تعالى :ـ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)”
وفى الختام أقول يكفى النفس شرفا أنه حفظها من الكليات الخمس ومقاصد الشريعة يقول الإمام اللقانى فى جوهرة التوحيد:
وحفظ دين ثم نفس مال نسب ومثلها عقل وعرض قد وجب
جعلنا الله وإياكم ممن زكى نفسه وطهرها , ورزقنا الله وإياكم نفسا مطمئنة وجعلنا من أهل شفاعة النبى العدنان والله المستعان وعليه التكلان. أهــ