تتعدد المناسبات الاجتماعية والوطنية وكذلك المناسبات الدينية في حياة الأمم والشعوب، وهي مناسبات يجدد الناس فيها أفراحهم، ويعاودون نشاطهم، ويكثفون من الالتقاء ببعضهم البعض مهنئين، وتبدوا عليهم علامات الفرح والسرور، وهذا مظهر من المظاهر المحببة إلى النفوس في حياة كل أمة وفي حياة كل شعب، وفي مصرنا الحبيبة عدد من المناسبات تتوارد على أفراد شعبها طوال السنة ؛ من هذه المناسبات الاحتفاء والاحتفال بعيد ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، وهي مناسبة يحتفي بها المصريون جميعا؛ يحتفي بها المسيحيون باعتبارها مناسبة دينية خاصة بهم.. ويحتفي المسلمون بها باعتبارات متعددة:
أولًا: باعتبارها مناسبة دينية خاصة بالدين الإسلامي؛ حيث إن سيدنا عيسى هو أحد أولى العزم من الرسل وأقرب الأنبياء إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فسيدنا عيسى هو بشر بنبوته من الأنبياء؛ فقد جاد على لسانه عليه السلام في القرآن الكريم: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، فيجب علينا الاحتفال بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام امتثالا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ قياسا على احتفال المسلمين بيوم عاشوراء يوم نجا الله سيدنا موسى من فرعون.. ففي الحديث الصحيح الذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) [صحيح البخاري (3/ 44)]….. فالرسالة المحمدية تنظر إلى أن الأنبياء كلهم أنهم أخوة، وأن هناك مشترك ديني بينهم.. ومن ذلك نجاة سيدنا موسى الذي ينظر إليه الإسلام باعتباره واحد من أولي العزم من الرسل وكليم الله، فتقاسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذا اليوم مع اليهود وقال فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ».
فالمسلمون ينبغي عليهم إظهار فرحهم في يوم ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام.. فنحن المسلمون نكن من خلال عقيدتنا كل الاحترام والتقديس لسيدنا عيسى ولأمه السيدة البتول.
والاعتبار الثاني: هو الأخوة الإنسانية… قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]؛ فنحن مأمورون بالبر بإخواننا المسيحيين باعتبار الأخوة الإنسانية.. والبر معناه الإعطاء والسخاء والجود والكرم.. ماديا: بتقديم الهدايا وما يشبه ذلك ،ومعنويا: بتقديم التهنئة والفرح لفرحهم…
والاعتبار الثالث وهو الأخوة الوطنية؛ فنحن في مصرنا الحبيبة تجمعنا مع إخواننا المسيحيين الأخوة الوطنية.. إخوة الشعب المصري… التي لا يستطيع كائن من كان أن يفرق بينهم… فالمصريون نسيج واحد لا تستطيع أن تعرف المسلم من المسيحي إلا في دور العبادة ؛ فالمسلم يتوجه إلى المسجد، والمسيحي يتوجه إلى الكنيسة.. وهم في مساكنهم وفي بناياتهم وفي شوارعهم شعب واحد، لا تجد شوارع خاصة بالمسيحيين ولا شوارع خاصة بالمسلمين، فترى في نفس العمارة المسلم يساكنه جاره المسيحي…فواجب على المسلمين مشاركة إخوانهم المسيحيين فرحتهم حفاظا على وحدة الوطن الذي يجمعنا..
أما ما يردده ببغاوات العصر من حرمة الاحتفال والتهنئة بميلاد سيدنا عيسى وتمسكهم بقول ابن تيمية وابن القيم في هذا الشأن، فلا يخفى على فقيه عالم بمبادئ وقواعد الإفتاء وتاريخ الفقه الإسلامي أن العصر الذي عاشا فيه كان مليئا بالحروب الصليبية، فكان لابد من الإفتاء بما يحقق تماسك المسلمين أمام أعدائهم، ومعطيات ذلك العصر تختلف جذريا عن معطيات عصرنا.
ومظاهر مشاركة المسلمين في الاحتفال بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام يجب أن تكون موافقة لتعاليم الشريعة الإسلامية؛ فلا يجوز الذهاب إلى صالات الرقص وتناول الكحوليات وغير ذلك مما حرمته شريعتنا بل وحرمته كل الشرائع السماوية…
وفي هذه المناسبة نتوجه بالتهنئة إلى إخوتنا المسيحيين في مصر خاصة والمصريين عامة بهذه المناسبة ونقول لهم: كل عام وأنتم بخير.