الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أما بعد :ــ فإن شهر شعبان ذو شعب كثيرة من الخير فصيغته تدل على الكثرة والتفرع فى ميادين الطاعات الفسيحة , وفى هذا الشهر وقع تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام يقول تعالى :ــ”قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ”.
والناظر ممعنا يلفى أن الآية صدرت بقوله ” قد نرى ” ومن المعلوم أن ” قد ” عندما تدخل على الماضى تفيد التحقيق , وعلى المضارع تفيد التقليل فما الوجه؟!! والجواب أن الأمر بالنسبة للذات العلية ليس فى حاجة إلى تحقيق فالله يعلم السر وأخفى فجاء الفعل بهذه الصيغة دلالة على كمال القدرة وإيذانا بحياء النبي- صلى الله عليه وسلم – فى النظر والتقليب فى السماء.
والمتأمل فى الآية يجد تشابها فى قوله” تقلب” وقوله ” قبلة” إشعارا بأنه لما قلب وجهه داعيا بالنظر استجاب الله – تعالى – له فقَبِلَهُ وحول قبلته صوب ماكان يتمنى فالآية تصديق لقوله – تعالى – ” ولسوف يعطيك ربك فترضى” .
وفى التعبير بقوله ” شطر ” دلالة على الاتصاف بالانتصاف الجِرْمِىِّ للمسجد الحرام والكعبة , ويرشحه قوله فى الآية قبله ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ” وأثبت العلم الحديث أن الكعبة تقع فى مركز الأرض . والتعبير بقوله ” ومن حيث خرجت” بالخطاب الأحادى للنبى – صلى الله عليه وسلم- دلالة على أنه هو الإمام الذى يخرج ليؤم الناس, أو إيذان باندياح القبلة وعمومها فى خروجه إلى أى مكان.
ورد الله فى هذا التحويل كيد الأعداء الذين أدركتهم سن اليأس العقلى فقالوا :ــ ماحكم صلاة السابقين الذين اتجهوا إلى المسجد الأقصى ؟!!! فجاء الجواب الشافى والبيان الكافى من الله – تعالى –” وما كان الله ليضيع إيمانكم” فعبر عن الصلاة بالإيمان تعبيرا بالكل عن الجزء الذى عليه المعتمد والمعول والقيام بالدلالة الكلية, فهى أساس الإيمان ومناط أولية الحساب ومفرق بين المؤمن وغيره.
ومما ينبغى التنبه إليه أن التحويل كان لقبلة القالب والجسد أما القلب فلايتقلب فقبلته ثابتة لاتحول ولاتزول فالله وجهته وغايته يعبده ويسأله من فضله .
فما سمى القلب إلا من تقلبه فاحذرعلى القلب من قلب وتحويل.
ولعل هذه مايفسر به قوله تعالى ” ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله…” هذا وبالله التوفيق وهو الهادى إلى سواء الطريق.