احتفلت مصر يوم الجمعة الماضى بيوم الشهيد، الذى نحتفل به سنويا يوم التاسع من مارس منذ عام ١٩٦٩، وهو يوم استشهاد القائد البطل عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب الجيش المصرى الذى ضرب أروع مثال فى التضحية والفداء وشجاعة القائد الجسور المقدام.
ونحن إذ نجدد الاحتفاء والاحتفال بيوم الشهيد، فإننا نذكر أنفسنا – جيلا بعد جيل – بهؤلاء الذين ارتقت أرواحهم إلى الله ـ عز وجل ـ وفازوا برضوانه من رجال قواتنا المسلحة الباسلة، ورجال الشرطة البواسل، وسائر الوطنيين الشرفاء على خط المواجهة مع قوى الإرهاب والشر والظلام، فهؤلاء الأبطال هم الشهداء الحقيقيون الذين دافعوا عن وطنهم ضد المعتدين، ودفعوا أرواحهم فداء لحماية ترابه وسمائه، وكل من يعيشون على أرضه، وليس أولائك الذين يروِعون أهل وطنهم، ويهددون أمنهم وأمانهم، ويسعون إلى نشر الفساد والفوضى في ربوعه، ومصر هي درع العروبة والقلب النابض بالإسلام، والدفاع عنها واجب شرعي، وحق ديني، ضد المعتدين، وضد المفسدين الماكرين الحاقدين.
واقتضت سنة الله ـ عز وجل ـ أن يصطفي من عباده من يشاء، فيرفع درجاتهم، ويعلي من شأنهم، ويفيض عليهم من كراماته ونفحاته، ويمدهم بعطاياه ورحماته، ولا شك أن مقام الشهادة من أعلى مقامات الاصطفاء والاجتباء التي يمتن الله ـ عز وجل ـ بها على من يشاء من خلقه، فأنزلهم ربنا تبارك وتعالى درجات عالية، ومراتب سامية، بصدق عزمهم وإخلاصهم في بذل أرواحهم، حيث يقول سبحانه: “وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ”، ويقول سبحانه أيضا: “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا”.
فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وفي ذاكرة الأمة مخلدون، قال الله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ”.
والشهيد يتمنى أن لو رجع إلى الدنيا ليقتل في سبيل الله تبارك وتعالى مرة أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة”، ولعظم مكانة الشهيد ومنزلته، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله”، وقد فقه الصحابة ذلك فكانوا يتسابقون لنيل هذا الشرف والكرامة، وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: “اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك”.
إن شهداءنا العظام الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم بنبل وشرف وعزة، هم رجال المهام الصعبة الذين يكونون سندا لأوطانهم وقت الشدائد، محتسبين ذلك عند الله ـ عز وجل ـ، الذى يقول في كتابه الكريم: “إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ”.
أسأل الله العلى القدير أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، وأن يتقبل شهداءنا، ويلحقنا بهم فى الصالحين مع النبيين والصديقين، وحسن أولئك رفيقا.
اللهم آمين يارب العالمين.