د. القصبى : اختلافهم رحمة
د. الفقى : جدل عقيم ولا يفيد
تحقيق : مروة غانم
فى هذا التوقيت من كل عام وخاصة مع بدء العشر الأواخر من رمضان، وقبل توديع لضيفنا الكريم وبزوغ فجر عيد الفطر المبارك يشتد الجدال والخلاف حول زكاة الفطر وقيمتها وكيفية اخراجها؟
رغم أن دار الإفتاء المصرية تحسم الجدل مبكرا وتخرج ببيان واضح على الناس وفتوى شافية مدعمة بالأدلة الشرعية والأسانيد الفقهية توضح فى فتواها الحد الأدنى لزكاة الفطر مراعاة لظروف الفقراء خاصة أنها واجبة على الفقير والغنى على حد سواء، ناصحة الموسرين بالتوسعة على الناس والتجارة مع الله بالزيادة عن هذا الحد الأدنى وتذكر فى فتواها رأى جمهور الفقهاء وكافة الأراء الفقهية المتعلقة بهذه المسألة.
ورغم هذا التوضيح يخرج علينا فئة تحارب هذه الفتوى بكل ما أوتيت من قوة وتنشر رأيها على كافة المواقع والصفحات وتؤكد أن زكاة الفطر لابد أن تخرج أشياء عينية ” كالأرز والشعير أو البلح والقمح او الزبيب وغير ذلك ” وليس قيمة نقدية مؤكدة أن هذا ما كان يفعله النبى وصحابته، لذا نقوم فى هذا التحقيق بمعالجة هذا الجدل الفقهى والوقوف على أسبابه وتوضيح الحقيقة للناس مع ابراز ألية اخراج زكاة الفطر ليطمئن كل مسلم أنه قد أوفى حق الله فى هذه الصدقة .
يؤكد د. عبد الفتاح العوارى العميد الأسبق لكلية أصول الدين وعضو مجمع البحوث الاسلامية، أن مراعاة مصلحة الفقير هو المذهب المعتمد والذى عليه تخرج الفتوى , ومعلوم أن مصلحة الفقير تتحقق باعطائه النقود كى يسد بها احتياجاته فى أيام العيد عملا بقول النبى :” اغنوهم بها عن السؤال فى يوم العيد “، ولن يتحقق للفقراء الإغناء بمنحهم زكاة الفطر حبوبا ،وكيف يشترون حاجياتهم بها وماذا يصنعون لو أرادوا بيعها لتاجر سيبخسهم ثمنها ؟
أوضح أن الإمام أبو حنيفة وهو شيخ الفقهاء أجاز اخراج زكاة الفطر قيمة نقدية وهو بذلك لم يخالف الجمهور بل انه قال بالحديث ثم فتح الله عليه بهذا القول وهو اخراج القيمة , وكان الله قد طوى له حجب الزمن فأفتى بهذا مراعاة لمصلحة الفقراء ومراعاة لأعراف البلاد .
تضييق مرفوض
وأشار د. العوارى الى أن التمسك برأى واحد يعتبر تضييقا على الناس والأجدر بهؤلاء الذين يشككون فى رأى فقهى معتبر أن يكفوا عن هذا العبث والأولى بهم أن يوردوا الرأيين وألا يوقعوا الناس فى حرج، مشددا على أن ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية رأى سديد ورشيد، فالثلاثون جنيها التى أقرتها كحد أدنى، ليتمكن الفقراء من اخراجها فتقع مشاركتهم للأغنياء فى ذلك ومن أراد المزيد فالباب مفتوح أمامه .
أما د. فتحىى عثمان الفقى، عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر، فعبر عن استيائه الشديد من تكرار هذا السؤال كل عام وادعاء البعض أن من يخرج زكاة الفطر نقودا يعتبر مخالفا لسنة النبى، مطالبا الناس بفعل ما يطمئن اليه قلبهم فمن يريد اخراجها نقودا لا بأس فيه ومن يريد اخراجها حبوبا يجوز له ذلك لكن هذا الجدال العقيم والتشكيك والطعن لا عائد من ورائه على الاطلاق .
ووجه د. حسن القصبى، أستاذ الحديث ووكيل اسلامية بنين الأزهر، نقدا شديدا لهذا الجدال السنوى، مؤكدا أن هذه المسألة تكلم فيها العلماء الأثبات ” الأئمة الأربعة ” وتكلم غيرهم من علمائنا القدامى وكان معهم الأدلة والأدوات التى يستطيعون أن يتكلموا من خلالها ,و كان معهم علوم الغايات والألات التى مكنتهم من البحث والتحرى .
وأضاف : المسألة فيها سعة ولعل من يقول بضرورة اخراجها أشياء عينية لا يعرف ادلة من قال بالجواز , فحينما يجيز العلماء اخراجها نقودا فهذا يعنى أنه يجوز اخراجها أشياء عينية ويجوز كذلك اخراجها قيمة نقدية .
الاختلاف رحمة
وتساءل د. القصبى : هل الامام أبو حنيفة لا يحفظ حديث النبى المتعلق بزكاة الفطر؟ وكذلك عمر بن عبد العزيز الذى ذهب بضرورة اخراج زكاة الفطر قيمة وكثير ممن سار على نهجهم كسفيان الثورى وابن تيمية الذى أجاز ذلك؟
وشدد على أن المسألة التى فيها اختلاف تعد رحمة من الرحمات توسع لنا الابواب فمن أراد أن يخرجها قيمة لا حرج ومن أراد اخراجها أشياء عينية لا حرج مطالبا الجميع بألا يشددوا على أنفسهم وعلى الناس .
ولفت الى أن التشكيك فى الحد الأدنى الذى أقرته دار الافتاء انما جاء مراعاة لحال الفقير فهى زكاة أبدان فحتى الفقير مطالب باخراجها لانها تجب على من يملك قوت يومه وليلته ومن أراد ان يزيد فلا بأس ولا يجب أن يتعامل الغنى مع الله بالحد الأدنى , ونبه الذين يتمسكون بالنص الى ضرورة أن يأتوا للفقير بجنس ما يطعمون فلا يشترون لأنفسهم الزبيب والبلح ويعطون الفقير الشعير الذى لا يستفيد منه، مؤكدا على أن دار الافتاء صائبة مائة فى المائة .
خصومات مذهبية
وأشار د. عبد التواب محمد، أستاذ مساعد العقيدة بجامعة الأزهر، الى أن هذا الخلاف العلمى لا يقلقه , فكلا الرأيين له مستند شرعى وقال به عدد من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمة الأثبات، لذا لا ينبغى إهمال هذه الأراء لصالح توجه فقهى معين أو لصالح خصومات مذهبية نحن فى غنى عنها .
وأوضح أن القلق فى هذا الأمر يكمن فى دخول أطراف ما كان لها أن تتحدث أصلا بل ان هؤلاء يجتهدون فى الانتصار لرأى وتجهيل الرأى الأخر تماما .
وحمل مواقع التواصل الاجتماعى مسئولية تغذية هذا الخلاف والتعصب لرأى دون معرفة فقهية وخلفية علمية مع تسفيه الرأى المخالف دون علم أو انصاف أو حتى مراعاة لأدب الخلاف .
ولفت الى أن صدقة الفطر لا يراعى فيها مصلحة الفقير والمستحق فقط انما يراعى فيها قدرة المتصدق، وفلسفة دار الافتاء فى تحديد هذا المبلغ لاتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من الأفراد يخرج صدقة الفطر وبذلك يعم النفع ويكثر الخير .