قال تعالي: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)،.. الهجرة النبوية الشريفة كانت بمثابة نقطة تحول الدعوة الإسلامية من المحلية إلي العالمية ومن اضطهاد وتعذيب وتنكيل الى نصر وتمكين.
هي محنة شديدة إلى منحه من الله، من دعوة محدودة في قبيلة أو قبائل وعشائر بعينهم في شبة الجزيرة العربية إلي دعوة إسلامية للناس كافة إلي العالمية ’ أي أصبحت دعوة تسود القلوب والعقول قبل أن تسكن الأرض والبلاد،.
هى الهجرة النبوية التى غيرت وجه التاريخ الإنساني من ظُلمات الجهل والتخلف والحقد والكراهية والحروب والقتل والسلب والهمجية في أرض العرب،إلي نور العلم والإيمان ومن الأنانية إلي الإصلاح والعمل والبناء، ليس هذا فحسب بل إلى عالمية الدعوة من المحلية لتسمو وترتفع لتغطى سماء العالم كله.
هاجرَ النبي محمد صلي الله وسلم من مكة إلي يثرب التي تحولت بالإسلام إلى المدينة المنورة بانتقاله صلي الله عليه سلم اليها وذلك في العام الرابع عشر من البعثة النبوية الموافق عام 622 ميلادية بعد اضطهاد زعماء قريش له ولأصحابه، حينما اشتدت القسوة والغلظة في التعذيب والتنكيل بأصحاب النبي صلي الله عليه وسلم خاصة بعد وفاة عمة أبو طالب والذي كان الحماية والمنعة والسند وما ناله من ألم مع وفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها أيضاً في العام نفسه وهى الصدر الحنون والمواساة بالمال والسكن والتأييد وكانت الركن الذي يلجأ إليه في الشدة والضيق .
حين أذن الله بالهجرة للمضطهدين والمعذبين إلي يثرب بعد الهجرة الأولى إلى إثيوبيا ثم أتبعهم الرسول بأمرهم بالهجرة الثانية إلى المهجر الأساسي الذي اختاره لهم وهى يثرب التي أنارت بالإسلام، حاولَ زعماء قريش بكل الطُرق أن يقضوا علي هذه الرسالة والدعوة ولكن يشاء الله لهذا الدين الرِفعة والتمكين فيكون كما قدر.
نحن أمام درس من دروس الهجرة فيه تتجلي الصداقة والأخوة في أنقي معانيها ليست كالصداقة التي تحفها الشوائب من أجل المصالح وابتغاء المناصب الدنيوية.
هذا هو الصدّيق أبو بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه يُهِم بالهجرة ولكن النبي صلي الله عليه وسلم يطلب منه أن يتريث حتى يأتي أمر الله، فلما أُذِن للنبي صلي الله عليه وسلم بالهجرة ذهب إلي أبي بكر متخفيا في وقت الظهيرة وهذا درس في الإخفاء والتمويه، حينها سخر للنبي نفسه وماله – تاركا لأهلهُ الله ورسوله وضرب لنا مثلا في الاستعانة بأهل الخبرة ولو لم يكونوا مسلمين، استأجر الدليل الماهر في تقصي دروب الصحراء،بشرط توافر الأمانة رغم أنه كان علي غير دين الإسلام ، ثم سخر مولاه وخادمه عامر بن فُهيرة حيثُ كان يسرح بغَنمهِ بالقرب من الغار حتى يُسقيهم من لبنها وأيضاَ يطمُس أثر أقدام النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبهِ أبي بكر وأمر ابنهُ عبد الله بمراقبة مكان الغار ليلا ونهارا يكون في أهل قريش يستقصى لهم الأخبار، وكانت أسماء بنت أبي بكر لها دور عظيم تمدهم بالماء والطعام وشقت نطاقها لتضع فيه الطعام حتى سُميت بذات النطاقين ضاربة المثل في دور المرأة في الحنكة والتدبر، ومن ملامح الفداء والتضحية بالنفس الصدّيق أبي بكر فتارة يمشي عن يمينهِ ليحميهِ من الخطر وتارة أُخري يسير عن يسارِه حين يظن انه موطن التهديد
يُريد أن يفتديهِ أي صداقة وأخوة تلك لو قارنّاها بأي تضحية في زماننا هذا.
وحين ربي النبي صلي الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وعلم ووظف عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة ابن عبيد الله واحتوى الزبير ابن العوام وبارك رميه ، وكذلك درس آخر من دروس الهجرة في التوكل وليس التواكل علي الله إنما الأخذ بالأسباب بالتخطيط الجيد ،ومنه الاختباء في الغار حتى لا يتعقبهما المشركون، وفي السير بالاتجاه جنوبا بدلاً من الاتجاه شمالا إلي يثرب.
ومن دروس الهجرة العمل الدءوب والكفاح دون كلل ولا ملل حتى الوصول إلي الغاية والنجاح بدون أن يتسلل اليأس إلي النفوس والقلوب.