بقلم الداعية: حنان محمد
واعظة بوزارة الأوقاف
يستحَبّ الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ومدارسته في رمضان، ويُستحَبّ أيضاً الاجتماع في المساجد من أجل تلاوته، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ)، وقد ورد أنّ رسول الله كان يتدارس القرآن بين يدَي جبريل ليلاً؛ ففي الليل تتجلّى السّكينة والأُنْس، ويصفو فِكَر المرء ممّا يُعكّره.
فهيّا بنا نتدارس الهدف من أكبر سورة من سور القرآن الكريم وهى “سورة البقرة”.
الرسالة الأساسية التي يريدها الله تعالى منك فى هذه السورة هى: المسؤولية.. (فأنت مسؤول عن الأرض) .
إنَّ الله تعالى خلال مسيرة التاريخ قد استخلف أمماً كثيرة على الأرض، فمنهم من نجح ومنهم من فشل وقد حان الدور في نهاية المطاف على هذه الأمة، والله تعالى لا يحابي أحد حتى ولو كانت أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم.
فلو فشلت في المسؤولية فإنّها ستستبدل كما استبدلت أمم من قبلها.. هنا نفهم لماذا كانت سورة البقرة أوّل سورة في القرآن بعد الفاتحة؟، فهي التي سترسم معالم المنهج.
ولهذا أيضاً نفهم سبب كون هذه السورة أول سورة أنزلت في المدينة، وظلت تنزل طوال السنين التسعة من المرحلة المدنية، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر من مرحلة الاستضعاف في مكة إلى مرحلة بناء الأمة، فكان من الطبيعي أن تنزل السورة في مرحلة البناء لترشد الأمة كيف تكون مسؤولة عن الأرض.
فينبغي لكل من يقرأ هذه السورة أن يفهم أن كل آية تطلب منه القيام بالمهمة التي خلق من أجلها: أنت مسؤول عن الأرض لإصلاحها وتعميرها وسيظهر ذلك كله خلال قراءة سورة البقرة.
ايضاً من أهم مقاصد القرآن التعريفُ بالله سبحانه وتعالى، ومن طرق القرآن في التعريف بالله تعالى ذِكر نعم الله على خلقه وما أعطاهم؛ فعلى المربِّي تذكير المتربين بنعم الله عليهم؛ ليقوِّي صِلتَهم بربهم، وتزيد معرفتهم به سبحانه؛ قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة: 22].
فعلمتنا سورة البقرة أن القران كتاب هداية؛ فلا غنى للمربي ولا للمتربي عن هداياته؛ قال تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
والايمان بالغيب محفِّز للأعمال، ومعينٌ على الإنجاز، وأنفع وسيلة للمراقبة الذاتية؛ قال تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3].
فالسعادة الحقيقية لا تتم إلا باتباع هدى الله؛ قال تعالى: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38].
واعلم أن من علامات الانتفاع بالسماع: الامتِثال والطاعة؛ قال تعالى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: 285].
وأن من قلة العقل أن تأمر بالبر وتنسى نفسك؛ قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44].
إن كلامك دليل عليك، لا على من تكلِّمه، فليكن قولك خيرًا معرِّفًا بك؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].
واخيرا أنصح نفسى وإياكم أن تخصص للقرآن وقتاً محدداً لا ينازعك عليه أحد. فللقرآن هيبة ووقار، ومن عظم القرآن في قلبه، عظم الله مكانته بين الناس.