د. حسن القصبي: إبراز لمكانة النبي وعلو شأنه عند الله
د. عثمان شحاتة: دليل علي أهمية الصلاة ومنزلتها
تحقيق: إسراء طلعت
يمتاز شهر شعبان باقترابه من شهر القربات والطاعات ويمهد لاستقبال شهر رمضان المبارك، وهو كذلك موسم للتقرب الي الله تعالي، لما به من فضائل جمَّة وما يمتاز به من حدث فريد وهو حادثة تحويل القبلة من المسجد الاقصي الي البيت الحرام استجابة لرسول الله.
لكن ماذا عن الدروس المستفادة من تحويل القبلة؟ وماذا يقول العلماء عن هذه الحادثة العظيمة؟ وكيف فرّقت حادثة القبلة بين المسلمين الصادقين والمنافقين؟ وكيف نطبّق الدروس المستفادة في حياتنا اليومية؟
يقول د. حسن القصبي- أستاذ الحديث بجامعة الأزهر-: إن تحويل القبلة واحد من أهم الأحداث في حياة نبينا، وحياة أصحابه وتاريخ أمتنا، مؤكدا أن نبينا ظل يصلي تجاه المسجد الأقصى ستة عشر شهرا، وكان يعقد آمله أن تكون قبلته أول بيت وضع للناس بيت الله الحرام بمكة مسقط رأسه، وكان يقلّب وجهه في السماء راجيا ذلك، وظهر العطف والكرم الإلهي، حيث قال تعالى: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ”.
الدروس المستفادة
وعن الدروس المستفادة من تحويل القبلة، أكد د. القصبى، أن من أهمها إبراز مكانة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وبيان رفعة شأنه، وعظيم منزلته، عند ربه، فإذا كان موسى عليه السلام قال:” وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى”، فإن الله تعالى قال لنبينا: “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى”، وقال: “فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا”.
وأكد أن حدث تحويل القبلة أظهر السفهاء وأهل النفاق والتشكيك في كل شيء في كل زمان ومكان، حيث قالوا كما حكى القرآن على لسانهم: ”مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا”، وهنا كان الرد من فوق سبع سموات ”قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم”، إضافة إلى مدى عمق العقيدة والإيمان والثقة في الله ورسوله.
تابع: تجلى ذلك واضحا أشد الوضوح فيما كان من أهل مسجد قباء حين بلغهم أن النبي قد أُمر بالتحوّل في قبلته إلى الكعبة المشرفة وصلّى تجاهها فاستداروا اليها وهم في صلاتهم فجعلوها قبلتهم، مما يشهد بقوة إيمانهم، ويدل على ذلك ما رواه عبدالله بن عمر أنه قال: “بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت وقال لهم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أُنزل عليه الليلة قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، ولهذا سمِّي مسجد القبلتين”.
المؤمنون الصادقون
من جانبه قال د. علي عثمان شحاته -الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر- إن تحويل القبلة يؤكد أن المؤمنين الصادقين في إيمانهم لم يرتابوا في أمر رسول الله، لأنهم على يقين جازم بأن كل ما جاء به رسول الله حق لا مرية فيه؛ لذلك قالوا: سمعنا وأطعنا، وتحولوا في صلاتهم إلى الكعبة المشرفة دون تردد، استجابة لأمر الله، ولم ينتظروا حتى يُتموا صلاتهم، وإنما تحولوا في الحال وهم في هيئة الركوع، حيث أراد الله لهم.
وحول تساؤلات بعض الناس عن ما بال من ماتوا قبل تحويل القبلة؟ وماذا عن صلاتهم إلى بيت المقدس؟ كانت الإجابة في قوله تعالى: ”وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ”، مشيرا إلى أن ذلك دليل على أهمية الصلاة ومنزلتها ومكانتها في الإسلام ارتبط أمرها باثنين من أهم الأحداث الفارقة في تاريخ الإسلام، الإسراء والمعراج، حيث تم فرضها من فوق سبع سماوات، وتحويل القبلة بما تضمنه من دروس وعبر .
خيرية الامة المحمدية
وعن دروس ليلة النصف من شعبان قال: إنها تعد دليل بيان خيرية أمة النبى وشهادتها على سائر الأمم وهذه الشهادة تتطلب أن تكون أهلاً لهذه الشهادة، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رضي الله عنه): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ)، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ: ”وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا”.
تابع: أمة اختارها الله للشهادة على سائر الأمم يجب أن تأخذ بما يستوجب هذه الأهلية وأن تكون بحق صاحبة رسالة رحمة وسلام للعالمين، والتحول في القبلة ليس مجرد تحول مكاني فحسب، إنما هو دلالة على حسن الاتباع، والتحول الذي نريده هو كل ما يغير حياتنا إلى الأفضل، من البطالة والكسل إلى مزيد من العمل والإنتاج، ومن أي مظاهر للتشدد والغلو إلى السماحة واليسر، ومن الجمود والتقليد إلى التأمل والتفكير، ومن الهدم إلى البناء والتعمير، والعلم والتقدم والرقي، فإذا أردنا أن يحول الله أحوالنا إلى الأفضل والأصلح في كل مجالات الحياة فعلينا أن نغير من أنفسنا بحسن التوكل على الله واللجوء إليه، وأن نعْمَل ونكِدّ آخذين بأقصى الأسباب، لأن الله يقول: ”إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”، فهذا هو التحول الذي يتطلبه واقعنا المعاصر.
شهر القراء
من جانبه قال د. محمد الكيلانى، وكيل وزارة الأوقاف، إن شعبان شهر قراءة القرآن، وذلك لقول سلمة بن كهيل الخضرمي الكوفي التابعي أن القوم كانوا إذا جاء شعر شعبان تفرغوا لقراءة القرآن، وتدبّره، والعمل به حتى سمّي بشهر القرّاء، موضحا أنه عن أسامة بن زيد- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال النبي: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” رواه النسائى.
التهيئة لرمضان
وقال د. عادل المراغي، أحد علماء الأوقاف، إن شهر شعبان يعد تهيئة لرمضان فيجب استغلاله جيدا، داعيا الجميع إلى المواظبة على التصدق في هذا الشهر مع الصيام، كما أن شهر شعبان يغفل عنه كثير من الناس، وقد نبهنا إليه رسول الله حيث وقع فيه الخير للمسلمين من تحويل القبلة ففيه عظم الله نبينا واستجاب لدعائه.
أضاف: ورد السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقضي ما عليها من أيام رمضان، بصيامها في شعبان الذي يليه، وصوم النصف الثاني من شعبان فيه خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال، فمنهم من يقول الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف.
أشار إلى أن ابن عبدالبر قال: لا بأس بصيام الشك تطوعا وهو الذي عليه أئمة الفتوى كما قاله مالك، ومنهم من قال عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية.
أوضح، أنه يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء، مشيرا إلى أن الراجح المفتى به، أن من كان له عادة في الصيام أو كان عليه نذر صيام أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فلا حرج عليه إن صام أول شعبان أو وسطه أو آخره، أما من لم تكن له عادة صيام ولا شئ مما سبق بيانه فلا يجوز له ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان لكن لو وصله بصيام بعض النصف الأول جاز له ذلك.
واستند على ذلك بما أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا» أخرجه مسلم.
واستدل بحديث الترمذى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا» بقول ابن حجر فى فتح البارى: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ.