كتب مصطفى ياسين
أوصت دراسة جامعية حديثة بضرورة مراجعة المسلسلات أو المواد الدراميَّة المقدمة للمجتمع من قبل الجهات المعنية والحرص على الحد من استخدام ظاهرة التَّداخل اللُّغوي بها، والتركيز على التحدث باللغة الأمّ “اللغة العربيَّة” فقط حتَّى ولو كانت تخدم السياق الدرامي أو تعبر عن واقع ملموس لبعض الطبقات؛ لأنها ظاهرة سلبية يجب الحد منها.
وأكدت أن الدراما تعتبر من أكثر الأدوات الفعَّالة لنشر ثقافة أو فكر معين في المجتمع في الوقت الحالي وهو ما شاهدناه في الفترة الأخيرة من تأثير بعض المسلسلات على المجتمع؛ ومن ثمَّ يجب إنتاج مسلسلات ومواد درامية تعمل على تعزيز روح الانتماء للوطن والفخر بعاداته وتقاليده وتدعم لغته العربيَّة وتبرز جمالها؛ ممَّا يجعل المراهق ينشأ ولديه شعور بالانتماء للوطن والقومية العربيَّة واعتزاز بها؛ ومن ثمَّ لا يميل إلى محاكاة المجتمع الغربي ولا يستهدف الحديث بلغته ليشعر بالرقي المجتمعي.
وطالبت بالابتعاد عن حصر استخدام ظاهرة التَّداخل اللُّغوي على طبقة اجتماعيَّة معينة وخاصة الطبقة ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المرتفع؛ لأنَّ هذا يؤدي إلى محاكاة معظم طبقات المجتمع لهذه الطبقة؛ ولأنَّ الغالبية العظمى من الشعب المصري منه يسعى إلى تقليد الطبقة الراقية؛ ومن ثمَّ هذا يؤدي إلى اعتبار الظاهرة نوعًا من الرقي المجتمعي وانتشاره بشكل أسرع.
جاء ذلك في رسالة الباحثة تسنيم خيري، للماجستير بعنوان “التداخل اللغوي المستخدم في الدراما التليفزيونية وعلاقته بالاغتراب الثقافي لدى المراهقين”، بقسم الإعلام وثقافة الأطفال، بكلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، وحصلت على تقدير ممتاز.
أشارت الدراسة إلى أنه يُوجد ارتفاعٌ كبيرٌ في نِسبة المبحوثين الذين يقومون بمتابعة الدراما التليفزيونيَّة التي بها مشاهد تداخل لغوي؛ وهو ما يعني أن الظاهرة بالفعل توغلت في الدراما المصريَّة وأنها انتشرت بشكل جعل النسبة الأكبر من المبحوثين بالفعل يتابعون المسلسلات التي بها تداخل لغوي دون قصد.
جاءت (التسلية والترفيه) في مقدمة دوافع مشاهدة المبحوثين للدراما التليفزيونيَّة؛ وهو ما يعني أن هناك هدفًا من مشاهدة هذه الدراما ولكن فقط لملء وقت الفراغ، وهو بالفعل ما قد يؤثر على المراهق بشكل غير مباشر؛ وذلك لأنه لا يشهد الدراما بعين النفع أو النقد وإنما يستقبل فقط ما هو مقدم إليه دون وعي؛ ومن ثمَّ قد يتأثر بالظاهرة دون وعي أيضًا، وتلي التسلية والترفيه دافع “التَّعرف على ثقافات جديدة في المجتمع المصري” وهو ما يعني جهازية المراهق لاستقبال الثقافات الجديدة عن مجتمعه؛ وهو ما يعني أن هناك احتمالية أنه إذا راقت له ثقافة جديد قد يتأثر بها بلا وعي.
هجين لغوى
أوضحت الدراسة أيضًا أن النسبة الأقل من المبحوثين تقبل على استخدام المصطلحات التي بها جمع بين اللغة العربيَّة واللغة الإنجليزيَّة في حياتهم اليومية بشكل دائمًا؛ وهو مؤشر جيد يدلُّ على عدم توغل الظاهرة بشكل كبير في المجتمع؛ ممَّا قد يعني أنه يُمكن معالجتها والحد من انتشارها قبل توغلها بنسبة أكبر، بينما جاءت النسبة المتوسطة لمن يستخدمون الظاهرة أحيانًا وليس دائمًا وهو بالفعل ما يُؤكد انتشار الظاهرة بين المبحوثين وبين أيضًا من يستخدمون ظاهرة التَّداخل اللُّغوي في الدراما؛ وهو ما يعني أيضًا أن الظاهرة في بدايتها ويمكن الحد من انتشارها.
وعن تأثيرات تعرض المبحوثين لظاهرة التَّداخل اللُّغوي فجاء في مقدمة التأثيرات استعداد المبحوث للتخلي عن الظاهرة وهو ما يُؤكد النتيجة السابقة والتي توضح عدم تأثر المبحوثين بالظاهرة بشكل كبير كما جاء استخدام المصطلحات الأجنبية ساعد على إجادتي للغة الإنجليزيَّة)، بينما جاء أن المبحوثين يسعون إلى تعليم الآخرين التحدث باللغة الإنجليزيَّة إلى جانب اللغة العربيَّة في المرتبة الثالثة في التأثيرات وهي نِسبة لا يُستهان بها؛ إذ إنَّ الظاهرة لم يعُد يتأثر بها الشخص فقط، ولكن أصبح البعض ولو بنسبة قليلة يستهدفون تعليمها للآخرين لتنتشر بشكل أوسع، جاءت أقل التأثيرات نِسبة من يسخرون ممن لا يجيدون التحدث باللغة الإنجليزيَّة؛ وهو ما يُؤكد أن الظاهرة لم تنتشر بشكل يصعب الحد منه.
وعن دوافع استخدام ظاهرة التَّداخل اللُّغوي فجاءت في مقدمة الدوافع (استخدام غالبية الأصدقاء لها) وهو ما يعني تأثر المبحوثين بالظاهرة نتيجة لانتشارها بين أصدقائهم في بعض الأوساط الاجتماعيَّة، وتلاها في الدوافع (نوع من الموضة) وهو ما يُؤكد أنها أصبحت صيحة العصر الحديث وأنها قد تكون ظاهرة وقتية إذا لم تنتشر بشكل أكبر في الأجيال القادمة، هناك أيضًا نِسبة ليست بقليلة كان من ضمن دوافعها (تقليد البعض من الممثلين في مسلسلات بالدراما المصريَّة) وهو ما يعني أنَّ انتشار الظاهرة في الدراما يساهم بشكل
أو بآخر في انتشار الظاهرة بين المبحوثين عينة الدراسة.
أشارت الدراسة إلى أنه جاء في اللغة المستخدمة للشخصيات الذين يستخدمون التَّداخل اللُّغوي في مشاهد المسلسلات عينة الدراسة “استخدام الجمع بين اللغة العربيَّة والإنجليزيَّة” في المقدمة بنسبة 90%؛ وهو ما يُؤكد أن الشخصيَّة أرادت تمثيل الدور بهذا الشكل لإيصال رسالة موجهة حول طبيعة الشخصيَّة التي تمثل الدور في المسلسل.
وجاء في المستوى الثَّقافي والاجتماعي للشخصيات التي تستخدم التَّداخل اللُّغوي في المسلسلات عينة الدراسة “مرتفع” وهو ما يُؤكد أنه هدف من تجسيد الأدوار بهذا الشكل لإيصال أنَّ استعمال هذه الظاهرة يكون محصورًا فقط في طبقة معينة في المجتمع وهي الطبقة الراقية والتي بالطبع سيسعى معظم المُراهقين لتقليدها للظهور بمظهر مجتمعي راقٍ.
لجنة المناقشة والحضور
تكونت لجنة الإشراف على الرسالة من: د. محمد معوض أستاذ الإعلام وثقافة الأطفال بكلية الدراسات العليا للطفولة ،د.جمال عبدالحي النجار أستاذ الصحافة والنشر كلية الدراسات الاسلامية والعربية بنات جامعة الازهر ، د.فاتن الطنباري أستاذ الإعلام وثقافة الأطفال بكلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس ،د. ولاء العقاد أستاذ الاذاعة والتليفزيون بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بنات جامعة الازهر ،د. محمود عبدالحليم الاستاذ المساعد بقسم الإعلام وثقافة الأطفال بكلية الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس.
حضر المناقشة كل من د. عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، د. حسن صلاح الصغير رئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الوعاظ والائمة وباحثي الفتوى وأمين عام هيئة كبار العلماء السابق ، د. آيات رمضآن أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الإعلام بنات جامعة الأزهر، د. محمد ورداني أستاذ الصحافة والإعلام كلية الإعلام بنين جامعة الأزهر، د. زينب صالح أستاذ العلاقات العامة كلية الإعلام بنات جامعة الأزهر. ولفيف من الإعلاميين والأهل.
يشار إلى أن الباحثة تسنيم خيري، هى نجلة الداعية الإسلامية د. إلهام شاهين، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية.