بقلم الدكتورة: فاطمة عنتر
خلق الله تعالى الإنسان و فطرته دائما الندم على الأشياء بعد زوالها.
فالإنسان بعد زوال الحياة وعند لقاء الله تعالى يقول نادما: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، وعندما يرى ما ينتظره نتيجة لسوء اختيار رفقته؛ فيعرف قيمة الصحبة الصالحة ويندم على ضياعها قائلا: {يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}.
والكيّس الفطن هو من يعرف قيمة النعم التي وهبه الله إياها، وقيمة مواسم الطاعات التي حبانا الله بها، ويغتنم الأشياء قبل زوالها.
وقد انقضى رمضان، والحمد لله على نعمة التمام، وكل منا يندم على لحظات فاتت لم يذكر الله فيها في وقت كانت فيه التسبيحة الواحدة بألف في أي وقت آخر، وكانت فيه صلاة النافلة كصلاة الفريضة، وفي وقت تنزّلت فيه رحمات الله أضعاف أي شهر آخر، وفي ليلة هي خير من ألف شهر.
يذكّرني انتهاء شهر رمضان كل عام بمشهد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حين حزن المسلمون، وزلزلوا، واهتزت عقائدهم، فحينها قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال جملته المشهورة: “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.
وها هو رمضان قد انقضى، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فربّ رمضان هو ربّ كل شهور العام، ولا زال ربنا ينزل إلى سماء الدنيا نزولا يليق بجلاله كل ليلة، فيقولُ سبحانه وتعالى: “هل من سائلٍ فأُعطيَه، هل من داعي فأستجيبَ له، هل من تائبٍ فأتوبَ عليه، هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له، حتى يَطْلُعَ الفجرَ”.
والكيّس الفطن هو مَن خرج مِن رمضان وله عادات جديدة، وعبادات جديدة لم يكن مواظبا عليها قبله، وداوم على المحافظة على الحالة الإيمانية التي كان عليها في هذا الشهر، حتى يكون دائما مؤهلا لاستقبال نفحات الله له.
فنسأل الله عز وجل القبول، ونسأله سبحانه أن يبلغنا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة.