“عقيدتي” في زيارة معايشة لأكاديمية الأوقاف بأكتوبر
إيهاب نافع
أكاديمية الأوقاف لتدريب الأئمة تعد واحدة من أهم وأبرز الأكاديميات التدريبية والنوعية في هذا المجال حول العالم، أكاديمية أنيط بها أن تكون منبرا لتطوير أئمة الأوقاف النابهين المتميزين بشكل عصري يعمق فكر ومفهوم الداعية العصري المتسلح بعمق وجذور التراث الإسلامي العظيم بما فيه من نفحات وأفكار كبار علماء الأمة ومجتهديها ممن حملوا عبء الاجتهاد على أكتافهم لينيروا لنا الطريق لفهم صحيح الدين، كتفا إلى كتف مع خبراء وعلماء ومفكرين معاصرين يعدون أقطابا فكرية في مجالات معاصرة كالإعلام وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والتنمية البشرية، واللغات الحية، وعلوم الحاسب.. ولأننا نؤمن أن من رأي ليس كمن سمع، ذهبنا إلى هناك في مدينة السادس من أكتوبر وعايشنا طلاب الأكاديمية في يوم كامل، بداية من غرف معيشتهم إلى قاعات المحاضرات إلى غرف الحاسب، ومعامل اللغات، وحتى المطبخ والمطعم.
الفكر المستنير
بدأنا يومنا بطبيعة الحال بلقاء د. أشرف فهمي- مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف والمشرف على أكاديمية الأوقاف لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين- الذي أكد لنا أن الأكاديمية تقوم بمهمتها لنشر الفكر الوسطي المستنير من خلال المناهج التي يتم تدريسها والتي تراعي توسيع الأفق والمدارك لمواكبة العصر، ومواجهة التحديات ،فالهدف من الأكاديمية العمل على إخراج جيل من الأئمة مستنير قادر على العطاء، يواجه المستجدات ويتعامل مع مفردات التجديد والتطوير.
أوضح أن من بين المؤلفات والكتب الرصينة التي يتم تدريسها للمتدربين بالأكاديمية: مفاهيم يجب أن تصحح، الكليات الست، قواعد الفقه الكلية، الفهم المقاصدي للسنة النبوية، أصول الفقه، وهذه الكتب يستطيع من خلالها المتدربون تفنيد أباطيل وتفكيك أفكار الجماعات المتطرفة والمتشددة.
أشار إلى أن مدة الدراسة بالأكاديمية 6 أشهر حيث يقيم الأئمة إقامة كاملة فيعكفون على الدراسة ولا ينشغلون بالأمور الحياتية حيث التحق بالدفعة الأولى 102 متدرب ومتدربة.
وأنشطة الأكاديمية ستتجاوز المحلية إلى العالمية باستقبال الأئمة من مختلف دول العالم، للاستفادة من التجربة المصرية في مجال تدريب الأئمة، لافتًا إلى أن الأكاديمية تلقت طلبات من عدة دول لإرسال أئمتهم للتدريب واكتساب المهارات والاستفادة من الخبرة المصرية، مبينا أن الأكاديمية تضم قاعات تدريس مجهزة بوسائل التكنولوجيا الحديثة ومطعما ومعمل حاسب آلي ومعمل ترجمة للغات الأجنبية والصوتيات.
بناء متكامل
من جهته أوضح المدير التنفيذي للأكاديمية د. عبدالواحد الرزيقي، أن الأكاديمية تهتم بكل ما يخص المتدربين من بناء علمي وفكري ونفسي واجتماعي بما يؤهلهم للنهوض بأشرف وأقدس رسالة من منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعد الالتحاق بالأكاديمية فرصة عظيمة للمتدربين للتحصيل العلمي والأكاديمي والتأهيل النفسي والتربوي.
جولة داخلية
اصطحبنا “الرزيقى” في جولة داخل الأكاديمية حيث بدأنا من غرف الإقامة في الطابقين الثالث والرابع وبهما تتنوع الغرف بين غرف للدارسين تستوعب كل منها 6 دارسين، وغرف إقامة زوجية وفردية للمحاضرين من الداخل والخارج، وغرف إقامة مميزة لكبار الضيوف.
ومن غرف الإقامة انتقلنا للمصلى ومنه إلى معمل اللغات حيث وجدنا معملا للغات تم الانتهاء من كامل تجهيزاته وفق أحدث التقنيات المعمول بها عالميا في هذا الجانب، ومن معمل اللغات إلى معمل الحاسب حيث يوجد عدد كبير من أجهزة الحاسب والموصلة بالانترنت بشكل يتيح للباحثين والدعاة الحصول على المراجع المختلفة عبر الانترنت.
ومن معملي الحاسب واللغات انتقلنا إلى قاعات الدراسة والمحاضرات حيث يعقد بعضها في المسرح الكبير، وبعضها الآخر في قاعات محاضرات علمية أخرى مجهزة كذلك لاستعاب مئات الدارسين.
ومن قاعات الدراسة انتقلنا إلى المطبخ ليؤكد لنا الشيف أحمد الجميل، أن الوجبات يتم إعدادها يوميا بشكل طازج وتتنوع ما بين الدواجن واللحوم الطازجة بحيث تقدم وجبة متكاملة من فطار وغداء وعشاء، ونحرص دوما على استطلاع رأي المسئولين والمشايخ للاطمئنان علي جودة ما نقدمه لهم، وإضافة ما يطلبونه من تحسينات ممكنة.
ومن المطبخ انتقلنا إلى المطعم حيث شاهدنا كيف يحصل الأئمة في نهاية يومهم على وجبات مجهزة بشكل لائق ومقدمة في أطباق فويل تستخدم لمرة واحدة وكيف أنهم يتلقون ما يقدم لهم من خدمات بترحاب وتقدير شديد.
لغة الخطاب
وخلال زيارتنا للأكاديمية كان الدارسون في محاضرة مهمة للدكتور عوض إسماعيل عبدالله- أستاذ اللغويات ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر بالقاهرة- والذي شرح لنا جانبا من محاضرته التي انصبت على أهمية ضبط الداعية للغة خطابه نحويا من حيث الإلتزام بالمرفوع والمجرور والمفتوح والمجزوم، بحيث تبدو لغته سليمة وخطابه متناغما، ينصت إليه من يعرفون القواعد ويتقنونها، ومن يتذوقون اللغة ويستمتعون بانسجامها، وحتى العوام الذين يستشعرون وجود خطأ وإن لم يكونوا ملمين ولا مدركين للقواعد النحوية، خاصة من تربت آذانهم على سماع القرآن الكريم بلغته المنضبطة السليمة.
أضاف: الداعية المسلم إذا أجاد وأتقن حفظ القرآن الكريم سيغنيه عن كثير مما يحتاج إليه غيره من تدريب وإلمام بقواعد لأنه يتربى على لغة القرآن اللغة الأكثر انضباطا والتي تعد مرجعا جامعا للغة العربية نحو وصرفا، فضلا عن البلاغة والمفردات والتي لا غنى للداعية عن الإلمام بها، مشيرا إلى أن دعاة الأكاديمية وجهوا له كثيرا من الأسئلة بعضها ارتبط بالإعرابات المختلفة غير المألوفة لبعض الكلمات في القرآن الكريم والتي أجليتها للطلاب وكنت سعيدا بأسئلتهم لأنها في النهاية نابعة عن رغبة في التعلم.
الإمام العصرى
كذلك التقينا بالمحاضر الثاني في ذات اليوم قبل وبعد محاضرته وهو د. هاني تمام- مدرس الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بجامعة الأزهر بالقاهرة- والذي أكد أن الداعية العصري لابد أن يدرك فقه الواقع ويلم بالمستجدات ويتأسس على إدراك الأصول والثوابت، ويدرك الفارق بين الأصول والمتغيرات، ويتعلم كيف يمكن القياس، وكذلك كيفية تأسيس مبادئ الاجتهاد، وكيفية إفتاء من يستفتونه، وكذلك كيف يمكن للداعية أن يتعلم من فتاوى كبار العلماء ويقيس عليها مثيلاتها من الفتاوى، والداعية يجب أن يدرك أهمية الفقه ودراسة مذاهبه المختلفة .
التقينا كذلك بالدارسين في الأكاديمية اللذين أعربوا عن بالغ سعادتهم بالدراسة في الأكاديمية واعتبروها فرصة لا تعوض في تكوينهم علميا وأكاديميا ودعويا على أيدى كبار العلماء الذين استفادوا منهم استفادة عظيمة.
يقول الشيخ أيمن محمد محمود- الإمام بأوقاف الإسماعيلية، وباحث الماجستير بكلية الدعوة بجامعة الأزهر-: أستشعر أن الله تعالى أكرمني واصطفاني بهذه المنحة الربانية للدراسة بالأكاديمية في دفعتها الأولى والتي لم أكن لأتصور أن الدراسة بها ستكون على هذه الدرجة من الاهتمام والتقدير لشخص الإمام من قبل القائمين على الأكاديمية والعلماء المحاضرين في مختلف التخصصات، موضحا أن الأكاديمية أتاحت له التتلمذ والتعلم بشكل مباشر ولمدد طويلة على أيدي كبار العلماء على رأسهم فضيلة المفتي د. شوقي علام، وكذلك فضيلة د. على جمعة، مفتي مصر الأسبق، والمفكر السياسي الكبير د. مصطفى الفقي، وفضيلة الداعية الإسلامي الحبيب على الجفري، وفضيلة د. محمد سالم أبوعاصي، والشيخ خالد الجندي، وغيرهم الكثير من العلماء الذين منحونا من وقتهم وعلمهم وخبراتهم الدينية والدنيوية الكثير، ما أضاف لنا خبرات تنفعنا في الدراسة الأكاديمية وكذلك الممارسة الدعوية.
وأوضح عبدالرحمن عبدالبديع- الإمام والخطيب بأوقاف الإسماعيلية، وباحث الماجستير بأصول الدين بالزقازيق- أن الدراسة بالأكاديمية أضافت لنا أبعادا عدة في التعامل مع القضايا الفقهية، ومنحتنا فرصا عظيمة في التعرف عن قرب على أعلام العلماء الذين نستشعر فيهم دوما حرصهم على رعايتنا علميا، واهتمامهم بهذا الأمر بشكل يفوق توقعاتنا لدرجة أن فضيلة د. على جمعة يهدينا في كل محاضرة لفضيلته كتابا جديدا، كما أهدانا الداعية الحبيب على الجفري مجموعة كتب له أفادتنا كثيرا.
أضاف: الأكاديمية منحتنا روحا جديدة من خلال التأكيد على أهمية ومحورية رسالتنا الدعوية فضلا عن عمقها وعالميتها، وأن الداعية عنوان للدعوة، وعنوان لبلده في التعامل مع الآخرين، وضرورة أن يبقى الداعية نموذجا عمليا في الحرص على تلقي العلم، فضلا عن تعليمه لجمهوره في المسجد، وأن الدعوة والعمل الدعوي رسالة وليس وظيفة، وشتان بين الأمرين، فالداعية المؤمن برسالته قادر على تبليغها، أما المتعامل معها على كونها وظيفة لن يبلغ رسالته على الإطلاق وسيبقى مهما قال دون المستوى لأنه يردد أقوالا ربما لا يمارسها، خاصة وأن عوام الناس يستشعرون بروح الدعوة من أداء الداعي أكثر من مجرد كلامه.
نقلة نوعية
وأشار الشيخ جودة السيد- الإمام بالأوقاف، والحاصل على منحة الوزارة لدراسة الماجستير بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالزمالك- إلى أن الالتحاق بالأكاديمية مثَّل له نقلة نوعية في مستقبله الدعوى والأكاديمي والوظيفي، وأنه شرف بمقابلة الوزير أثناء مقابلات القبول في الأكاديمية، وأنه شرف باهتمام الوزير بزيارة الأكاديمية أكثر من مرة منفردا أحيانا وبصحبة كبار الضيوف أحيانا أخرى، وهو ما أشعره يقينا بإيمان الوزارة بالأكاديمية وبرسالتها، مشيدا بحرص الأكاديمية على تضمين الدراسة مجالات إنسانية كعلم الاجتماع والنفس والتنمية البشرية وغيرها من العلوم المكملة يقينا للدراسة الشرعية والفقهية والتي تكمل الصورة للداعية وتجعله يطور من أدائه.