بقلم ا . د / محمد مختار جمعة
الأستاذ بجامعة الأزهر
الحلم والحياء صفتان يحبهما الله ورسوله ، فالحياء خير كله ، الحياء من شعب الإيمان ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) :” الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى : إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ” ، وعن سعيد بن زيد الأنصاريّ (رضي اللّه عنه) قال : إنّ رجلا قال يا رسول اللّه : أوصني , قال: ” أوصيك أن تستحيي من اللّه (عزّ وجلّ) كما تستحيي رجلا من صالحي قومك” , وعن أشجّ عبد القيس أنّه قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ فيك خلّتين يحبّهما اللّه عزّ وجلّ) ، قلت: ما هما؟ قال: “الحلم والحياء” , قلت أقديما كان فيّ أم حديثا؟ قال: بل قديما , قلت : الحمد للّه الّذي جبلني على خلّتين يحبّهما” , وعن أنس (رضي اللّه عنه) قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم) : “إنّ لكلّ دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ” ويقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم) : “ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه ، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه” , وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، وكان ابن مسعود (رضي الله عنه) يقول : من لا يستحيي من النّاس لا يستحيي من اللّه , وكان الحسن البصري (رضي الله عنه) يقول : الحياء والتّكرّم خصلتان من خصال الخير، لم يكونا في عبد إلّا رفعه اللّه ، وذكر ابن عبد البرّ عن سيدنا سليمان (عليه السّلام) أنه كان يقول الحياء نظام الإيمان فإذا انحلّ النّظام ذهب ما فيه , وعن معبد الجهنيّ أنه قال : في قوله تعالى : “وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ” , قال: لباس التّقوى الحياء , وقال الحسن: أربع من كنّ فيه كان كاملا ، ومن تعلّق بواحدة منهنّ كان من صالحي قومه : دين يرشده ، وعقل يسدّده ، وحسب يصونه ، وحياء يقوده , وقال الأصمعيّ: سمعت أعرابيّا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه .
وإذا كان خلق الإسلام الحياء فإن الحلم صنوه ومتمم أمره وهو من شيم الكرام ، وقد كان نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم الناس حلما وحياء ، بعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه ويحسن إلى من أساء إليه ، ولما قال له أحد أصحابه أوصني قال ( صلى الله عليه وسلم) : ” لا تغضب” وقال ( صلى الله عليه وسلم) : “ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضب”
فما أحوجنا إلى التأسي بأخلاقه ( صلى الله عليه وسلم) حلما وحياء وفي سائر مكارم الأخلاق.