أزمة الأخلاق نشرت المفاسد.. والحل في الوعي والتنشئة الدينية
هنيئا لمن أنعم الله عليه بـ”حسن الخلق”.. والويل من استحل الحرام
اللعنة لمن يرفعون شعار” التجارة شطارة” للاحتكار والسرقة والربا
التدخين حرام تماما.. ومن يروجون أنه لا دليل على حرمته جهلة بالدين
حب الوطن من الدين.. أرفض من يقولون أنه”حفنة تراب لا قيمة لها”
كثرت المشكلات الزوجية عندما تم تهميش الدين في الاختيار والمعاشرة
حوار – جمال سالم:
تصوير- أحمد ناجح:
يعد الدكتور ربيع جمعة الغفير، الأستاذ بكلية الدارسات الإسلامية – جامعة الأزهر، أحد المفكرين الإسلاميين الذين يعايشون مشكلات المجتمع ويحاولون تشخيصها ووضع حلول عملية لها من خلال الأدلة الشرعية من القرىن الكريم والسنة النبوية ، وقراءة الواقع، ويعرض أفكاره ليس في مؤلفاته أو محاضرته الجامعية فقط بل من خلال خطبه على منبر الأزهر، والندوات والمؤاتمرات الجماهيرية، من هنا تأتي أهمية الحوار معه حول العديد من القضايا التي تهم الرأي العام
** تعاني مجتمعاتنا العربية والإسلامية من أزمة أخلاق، فما السبب ؟.
** يعود ذلك إلى جعل الكثير بأن للأخلاق أهمية كبرى في الإسلام، بل إن الخلق من الدين كالروح من الجسد، والإسلام بلا خلق جسدٌ بلا روح، فالخلق هو كلُّ شيء، فقوام قوة الأمم والحضارات بالأخلاق، وضياعها بفقدانها لأخلاقها، فلو نظرنا إلى الدين الإسلامي لوجدناه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عقيدة ونجدها متمثلة في توحيد الله سبحانه و تعالى، وشريعة: وتتمثل في العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها، وأخلاق: ونجدها في الأقوال والسلوك الفاضلة في التعامل مع الآخرين.
ثلث الإسلام
** ما هي طبيعة العلاقة بين هذه الثلاثية التي تمثل الأخلاق واحد منها ؟
** كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يمثل ثلث الإسلام، فمثلا العقيدة تمثل ثلث الإسلام، لذلك كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لاشتمالها على الجانب العقدي، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ ﷺ:” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ”، كذلك العبادات تعدل ثلث الإسلام، والأخلاق- التي يظن البعض أن لا علاقة لها بالدين – تعدل ثلث الإسلام، حيث أخبرنا ﷺ أن الهدف من بعثته غرس مكارم الأخلاق في أفراد المجتمع فقال:”إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ”.
ثمار الأخلاق
** ما هي ثمار حسن الخلق على المسلم في ديناه وأخرته؟
** إن لحسن الخلق فضائل عديدة تضمن سعادة المسلم في الدارين وأهمها، أنه يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم، وهذا ليس كلامي بل كلام النبي صلى الله عليه وسلم:” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ”، ولهذا نقول لمن أنعم الله عليه بحسن الخلق هنيئا لك هذا الأجر العظيم حيث يثقل ميزانك، فَهَنِيئًا، ثُمَّ هَنِيئًا لَكَ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيء»، كما قال صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل أبو ذكر الغفاري:” يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟” قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:”عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا”، من ثمرات خلق الخلق أيضا حصول البركة في الأعمار والديار ومن فيها، فقال رسولنا الكريم ﷺ:” مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ”، وكفى لمن حسنت أخلاقه كمال الإيمان ومحبة الله لقوله ﷺ:” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا” وقال أيضا:” أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا”، وليس هذا فحسب فقد ضمن له الرسول مكانا عظيما في الجنة فقال:”أنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ”، وسئل ﷺ”: مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، قَالَ:«تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ” وبشره ﷺ بمعيته فقال:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا». ولا تقاس خيرية المسلم بعبادته فقط بل بأخلاقه أيضا، فكان صلى الله عليه وسلم يُوصِي معاذ بن جبل قائلا:”اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”
التخلق بأخلاق الله
** تدعو دائما إلى التخلق بأخلاق الله فضلا عن أخلاق رسول الله، فماذا تقصد بالتخلق بأخلاق الله؟
** إن الله سبحانه وتعالى أسماء جمال، وأسماء جلال، ومن أسماء الجمال”الرؤوف- الرحيم- الكريم….” ومن أسماء الجلال” الخالق- الرازق …” وعلى الإنسان أن يتخلق بأخلاق الله الذي ليس كمثله شيء، فمثلا “الله رحيم والعبد رحيم” ورحمة الله غير رحمة العبد، وكذلك الله سبحانه وتعالى “الرشيد” فعندما نقول هذا العبد رشيد، أي عنده رشد فى تفكيره، أما الرشد بالنسبة لله سبحانه وتعالى إنه يرشد عباده ويرشدهم إلى الخير، والمرء يكون رشيدا بأن يرشد غيره بالدعوة إلى طريق الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم:” تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهيُكَ عنِ المنْكرِ صدقةٌ وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ لَكَ صدقةٌ وبصرُكَ للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لَكَ صدقةٌ وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعظمَ عنِ الطَّريقِ لَكَ صدقةٌ وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ”.
لغة القرآن
** يراهن أعداء الإسلام أن أمتنا ستموت والعربية لغة القرآن ستندثر وتصبح في ذمة التاريخ، فهل يمكن لهذا أن يتحقق؟.
** يؤكد التاريخ أن الأمة الإسلامية قد تضعف لكنها لا تموت لأنها أمة الحق، والحق هو ميزان الله في الأرض، ويجب علينا أن نقيمه بالعدل والقسط، لأن من مقامات الخيرية التي اتصفت بها هذه الأمة، الإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ونبذ الفرقة والإختلاف، والحفاظ علي شرع الله عزّ وجلَّ، هذه هي مقومات الخيرية قال تعالي:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”، أما لغة القرآن في باقية ببقاء القرآن الذي تكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة فقال سبحانه” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ”
علاج الضعف
** ما هو العلاج الشرعي الواقعي للخروج ممن حالة الضعف الحالية التي جعلتنا” غثاء السيل”؟
** لابد من العمل الجاد والمخلص من الحكام والشعوب أن تعود الأمة لمنابع قوتها، الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ حتي يرفع الله شأنها وقدرها وتسطيع التغلب على عدوها، ويكون ذلك بنبذ الفرقة الداخلية والإختلاف الذي جعلنا أمة متناحرة تقدم نفسها فريسة لأعدائها على طبق من ذهب، ونسينا تحذير ربنا القائل:” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، وعلينا التخلص من الأسباب التي جعلتنا غثاء السيل وبينها أسبابها الحديث النبوي:” يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال: لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ” أليس هذا ما نعاني منه الآن؟!.
الصبر والابتلاءات
** ماذا عن كيفية المخرج من حالة الضعف والاحباط في ظل كثرة الابتلاءات التي تمر بها أمتنا؟.
** حثنا ربنا علي الصبر علي الإبتلاءات والفتن فهذه أقدار الله لهذه الأمة أن تكون مبتلاة بالفتن، وضعفها حين تنخذل الأمة وتتخلي عن مواطن قوتها الحقيقية وريادتها التاريخية. ولاشك أن ظهور الفتن من علامات الساعة، والذي يعصم الأمة الإسلامية من الفتن عند نزولها داخلياً أو خارجياً هو الإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والتآلف والتحاب، والتراحم فيما بين أبنائها، والتعوذ من الفتن كما كان النبي ﷺ يتعوذ منها صباح مساء ما ظهر منها وما بطن، وعلينا أن نقلع عن الغفلة عن ذكر الله التي سبب في قلة البركة لأن مصدر البركة فى حياتنا وجود صلة مع الله وبكثرة الذكر والصلاة والصدقة ومكارم الأخلاق، وصلة الأرحام والحب الإخاء في الله بأن يحب كل منا لأخيه ما يحبه لنفسه
** يعاني العالم حاليا من أزمة اقتصادية طاحنة، فما السبب؟ وما المخرج؟
** هذه الموضوع يحتاج مجلدات ولكني أقول باختصار: غياب ضوابط الشرع في البيع والشراء المعاملات في حياتنا عامة والأسواق خاصة التي هي شر بقاع الأرض لأن فيها الكذب والغش والتزييف والاحتكار والربا والحلف بالله كذبا مما يمحق البركة فيها، أين العالم كله من قول ربنا:” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ”. ثم أين المسلمون الآن من قول ربهم:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ”. وأين معاملاتنا ورحمتنا ببعض في المعاملات المالية والتماس العذر للمتعسر لقول الله تعالى:” وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” وأين معاملاتنا من قول رسولنا:” رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” والسماحة فى البيع والشراء، يعنى أيسر الأمر على المشترى، وارفق به، كذلك هناك سماحة فى الشراء يعنى بعد ما أشترى أدعو للبائع بالبركة، وهذه مثالية نفتقدها فى حياتنا، أين تجارنا من قول رسولنا:” من غشنا فليس منا” وقوله:” إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ”، هناك طريقين أمام التجار،أولهما: طريق الفجار المحتكرين الغشاشين الملعونين،لهم دركات في جهنم وبئس المصير، وثانيهما: طريق التجار الصادقين لهم في الجنة درجات مع الشهداء والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
الحلال والحرام
** اختلط في عصرنا الكسب الحلال بالحرام، بل إن الحرام أصبح متاحا، فماذا تقول لمن استحل المال الحرام سواء كان مالا عاما أو خاصا؟
** مسكين من يأكل المال الحرام ويستحله تحت أي مسمى، فلن يقبل عمله الصالح، ولا يستجاب دعاؤه، ولن تقبل منه الصدقة، ولا يبارك الله فى إنفاقه، فهو معدوم البركة هو وأولاده من بعده، وسيقوده الكسب الحرام إلى النار في حين يستمتع ورثته بالمال وهو يحاسب عليه ويعذب بسببه، فمن أحبه الله أبعده عن المال الحرام، وأبعد الحرام عنه، ألم يخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك حين قال:” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟”
المحتكر ملعون
** ماذا تقول للمحتكرين الذين يرفعون شعار” التجارة شطارة” ؟.
** هؤلاء ملعونين، لأن الإسلام دعا إلى عدم احتكار السلع، فإن التاجر الذي يحتكر سلعة ويخفيها عن الناس ليضاعف له في ثمنها، يرتكب فعلا محرم شرعا قال ﷺ “لا يَحتكِرُ إلا خاطِئ”، وقال أيضا ﷺ ” أيضا:” المُحتكِرُ مَلعُونٌ”، فالواجب على الإنسان أن يهون على أخيه عناء وشقاء الدنيا، وأن يكون عونا لغيره في قضاء حوائجهم كما أمرنا الشرع الحكيم، فينبغي على التاجر أن يتق الله ويرفق بالناس فلا يفحش في الغلاء بأسعار سلعته أو يحتكرها لأن البركة سينزعها الله من أمواله، وأقول للتاجر: لا تغش في التجارة، ولا تطفف الكيل والميزان، ولا تُخفي عيوب السلعة ومساوئها، فهذا رسول الله ﷺ مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني”.
حب الوطن
** يظن كثير من الناس أن حب الوطن رفاهية يتحدث عنها السياسون ولا علاقة لها بالدين، فكيف يتم تصحيح هذا المفهوم الخاطئ؟
** لا يقول هذا إلا جاهل بقيمة الوطن الذي هو شعيرة دينية، وفطرة إنسانية، قيل قديما:” إذا أردت معرفة أصل ومعدن الرجل، انظر إلى مدى حنينه إلى وطنه”. والعرب قديما كانوا مرتبطين بأوطانهم لدرجة أنهم كانوا يأخذون حفنة من تراب الوطن فى حال غربتهم عنهم، وهذا دلالة على كرم المعدن وطيب الأصل، فأي إنسان طبيعي لديه حنين لوطنه الذى تربي فيه، ومن يخالف ذلك مريض نفسيا لأن حب الوطن شعيرة دينية ذكرها القرآن الكريم حتى أنه علاقة خروج الإنسان مكرها من وطنه كمثل خروج الروح من الجسد، فقال الله تعالى:”وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا”.
وحشية البشر
** تعاني البشرية الآن من دموية كبيرة في مشارق الأرض ومغاربها، فكيف يستعيد الإنسان إنسانيته المتراجعة بل والمفقودة عند بعض الأشخاص؟
** أرسل الله سبحانه وتعالى رسله، وأنزل كتبه السماوية، وسن شرائعه ليقيم في الأرض مجتمعات قوية مترابطة، تتصف بالرحمة والإنسانية، وتربط بين أفرادها روابط الحب والإخاء والاحترام، ليكونوا على قلب رجل واحد،لأن أصلهم واحد وهو آدم عليه السلاك، قال الله عز وجل:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، وكأن الغاية من الخلق بعد عبادة الله وتوحيده تحقيق التحاب والتعارف بين الناس، وأن التقرب من الله تعالى أساسه التقوى والعمل الصالح، تأملوا تحريم وتجريم الله لقتل الأبرياء أيا كانت دياناتهم أو لونهم ، ألم يقل الله تعالى:” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” ولم يكتف القرآن بذلك توعد من يستبيحون دماء الأبرياء ونشر الفساد في الأرض فقال تعالى:” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ، فقد أرسل الله رسله وكتبه من أجل بناء مجتمع إنساني مترابط ومتراحم يُحب فيه الفرد لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره ما يكره لنفسه، ونظمت الشريعة الإسلامية العلاقات بين الناس جميعا بما يحقق هذه المبادئ في التعامل، وجعل التعايش السلمي بين البشر أحد طرق العبادة والتقرب إليه سبحانه وتعالى
اقتتال المسلمين
** إذا كان هذا على المستوى البشري العام ، فماذا عن اقتتال المسلمين مع بعضهم؟.
أما على مستوى اقتتال بعض المسلمين لبعضهم بأسباب وحجج واهية، فأين هؤلاء من قول الله تعالى:” إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” “، وكذلك الحديث النبوي”: لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ”، وقوله ﷺ “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”، قوله ﷺ “إن اللهَ يرضَى لكم ثلاثًا ويسخطُ لكم ثلاثًا يرضَى لكم أن تعبدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تفرَّقوا وأن تناصحوا مَن ولَّاه اللهُ أمرَكم”، ولهذا وجب على المسلمين أن يعتصموا ويتمسكوا بحبل الله جميعا ولا يتنازعوا مهما كانت الأسباب والدوافع فالتفرق في ديننا مذموم ومرفوض، ولننظر إلى مؤاخاة الرسول بين المهاجرين والانصار، ونزعه فتيل الفتنة والاقتتال بين الأوس والخزرج.
أدعياء السلفية
** يعيب بعض أدعياء السلفية حب المصريين لآل البيت حتى أن بعضهم يعده كفرا، فماذا تقول؟
** المصريون لديهم حب وشغف حقيقي وصادق بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة أن بقية آل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين رضى الله عنه، في كربلاء، قرروا الذهاب إلى أهل مصر، سيدنا عبد الله بن عباس قال لهم:”اذهبوا إلى مصر فإنهم يحبون الله ورسوله وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم” فجاءت السيدة زينب رضى الله عنها، بعد استشهاد الإمام الحسين فاستقبلها المصريون استقبال الملوك، ودعت لهم هذا الدعاء الشهير:” نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، جعل الله لكم من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا” ومن يتأمل تاريخ المصريين سيجدهم شعب متدين بطبعه، ويحبون الله ورسوله وآل بيته، ويعلمون أن بوابة الدخول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هم آل بيته، ألم يقل الله:” ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ”
المشكلات الزوجية
** تشتعل البيوت بالمشكلات الزوجية، وتكتظ المحاكم بقضايا الطلاق والخلع، فما السبب بايجاز؟
** تنشأ المشكلات الزوجية نتيجة سواء الاختيار منذ البداية، ومخالفة ضوابط الإسلام في اختيار شريك الحياة، فأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم:” لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل”، هل يفكر شبانبا المقبل على الزواج أن الدنيا متاع وخير متاعها زوجة صالحة، أو أخذ بنصيحة نبيه صلى الله عليه وسلم:” ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله”، وهل حرص ولى العروس أن يزوجها لمن يتقى الله تعالى فيها، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لا يظلمها، إن سبب ارتفاع معدلات الطلاق والخلع وخراب البيت ابتعادنا عن قول نبينا صلى الله عليه وسلم:” إذا جاءكم من ترتضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” أليس هذا هو الفساد الكبير؟!
فتيل الأزمات
** كيف ننزع فتيل الأزمات الزوجية التي تمزق مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟.
** إن الدين الإسلامي رسم المنهج لبناء أسرة هانئة ومستقرة تربط بين أفرادها أواصر الألفة والمحبة والاحترام، وتقوم على الدعائم التي أرساها القرآن الكريم في تشريع الزواج لتحقيق السكن، المودة، الرحمة بقول الله تعالى:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، ليتحقق للفرد- سواء كان ذكر أو أنثى- معنى الاستقرار في السلوك والشعور بالطمأنينة بكل معانيها، لذلك جاء الأمر الرباني:”وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” لحماية الأسرة من التفكك وعدم الاستقرار، وعناية المشرع بالأسرة بهذا القدر يعكس أهمية الأسرة بالنسبة للمجتمع لأنها اللبنة الأولى في تكوين المجتمع، فإذا صلحت هذه اللبنة؛ صلح المجتمع وتحققت أولى عوامل نهضته وتقدمه، وللعلم فإن الطلاق ليس هو العائق فقط في أن تقوم الأسرة بدورها في بناء المجتمع، وإنما العائق الحقيقي هو فشل الزوجين في تحقيق مضمون الحياة الزوجية التي شرعها الله من أجله، وهذه الظاهرة له عدة أسباب ترجع سوء الاختيار وعدم التكافؤ بين الطرفين، بل إن الإسلام الذي خصص سورة في القرآن تتكلم عن الأسرة وهي سورة “النساء” التي عنيت وبينت العلاقة الزوجية والأسرة في كل شئونها، يفتقد أتباعه اليوم إلى تطبيق صحيح لكل القيم والضوابط المنظمة لعلاقة أفراد الأسرة وذلك بسبب غياب التقوى، والنظرة المنفردة الأنانية لحقوقه في هذه العلاقة، دون احترام حق شريكه الآخر، وعدم مراعاة العشرة والطيب من الأعمال بينهم، وهذا ما يجب يلتفت إليه المجتمع بمؤسساته التثقيفية والتوعوية، ويحاول الأزهر من خلال دورات المقبلين على الزواج لمواجهة خطورة التفكك الأسري على المجتمع، وإعادة إحياء الفهم الصحيح لطبيعة الحياة الزوجية بين طرفيها وفق المنهج الإسلامي الذي يضمن استقرار الأسرة ويعد ضمانة لقيام أعضائها بدورهم في المجتمع بشكل فعال.
سرطان التدخين
** يعد التدخين سرطان يضيع الدين قبل الصحة، ويدعي المدخنون أنه لا يوجد نص يحرمها لدرجة أننا رجال بل نساء على درج كبيرة من الالتزام إلا أنهم يدخنون، فماذا تقول؟.
** أقول لكل المدخنين تأملوا بقلوبكم وعقولكم قول ربكم في سورة المائدة:” يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ”، وكذلك قوله فى سورة الأعراف “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ”. فهل التدخين من الطيبات أم خبائث؟!.هل المشكلات الصحية الناجمة عنه تجعله من الطيبيات أم الخبائث المهلكات؟!.أليس التدخين إضاعة للمال والصحة وتلوث للهواء والضرر بالنفس والغير؟!. أين أنتم من قوله صلى الله عليه وسلم :”إنَّ اللهَ كرِه لكم قيلَ وقالَ وكثرةَ السُّؤالِ وإضاعةَ المالِ”