د. عمرو الكمار: ما أحوجنا للاقتداء بمكارم الأخلاق النبوية
د. عبدالرحمن رضوان: رسولنا رحمة وسلام بأقواله وأفعاله
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتي
أكد العلماء المشاركون في الندوة التي أقيمت بمسجد كريستال عصفور بشبرا الخيمة، بالتعاون بين عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تحت عنوان:” وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا” أنه رغم أنف المتنطعين فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والفرح بهذه الذكرى العطرة واجب على كل مسلم غيور لدينه ومحب لنبيه صلى الله عليه وسلم.
أشاروا إلى أن ميلاد الرسول يعد أهم حدث في تاريخ البشرية لأنه أخرجها من عبادة العباد والأصنام إلى التوحيد، ومن الظلمات إلى النور.
وطالبوا بأن يكون الفرح بالمولد النبوي بكثرة الطاعات والصلاة عليه، بدأت الندوة بتلاوة قرآنية مباركة من الشيخ طارق عبدالقوي، وحضرها: الشيخ اسماعيل زايد، الشيخ عصام نفادى، د. عادل شكرى.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، أن مولد الرسل والأنبياء وخاصة رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت رسالة خير وسلام للبشرية، ولهذا فإن الإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة، لأنه لا يمكن للبشر عبادة ربهم وتعمير الكون إلا في ظل السلام والبعد عن التدمير والإفساد كما يفعل أعداء الله والبشرية الآن، فالسلام من أسماء الله الحُسني، قال تعالى:” الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ” والسلام اسم من أسماء الجنة، قال تعالى:” لهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ”، والسلام تحية أهل الجنة، قال الله تعالى:” تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ”، والمسلم الحق يرفع راية السلام في كل زمان ومكان، للمسلمين وغيرهم من البشر، فهو ضد العنصرية والتمييز، كما أنه يعيش في سلام مع نفسه ومجتمعه وبيئته فيحافظ عليها من التدمير والتلوث، بل هو مسالم كل ما في الكون من كائنات وجمادات وغيرها ويشكر ربه على أن سخر له ما في الكون.
مكارم الأخلاق
أكد د. عمرو الكمار، مدير عام الإرشاد وبحوث الدعوة بديوان عام وزارة الأوقاف، أن المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة تفيض بالنور والبركات، يحتفل بها المسلمون في مختلف أنحاء العالم، تعبيرًا عن حبهم وتقديرهم لسيد الخلق والمرسلين، وفي هذه المناسبة المباركة، يتبادل الناس رسائل التهنئة والتبريكات، متمنين لبعضهم الخير والبركة والهدى، وتعكس هذه الرسائل أسمى معاني المحبة والتآخي، وتشكل فرصة لتذكير المسلمين بأخلاق النبي وتعاليمه السامية، وإحياء روح الإيمان والتقوى في القلوب، ومن مواضع الاتفاق في ميلاد الرسول تحديد العام فكان عام الفيل، وأما اليوم فهو يوم الاثنين. أما موضع الخلاف فقد كان في تحديد الشهر واليوم منه وفيه أقوال كثيرة ومنها أن ميلاده كان لليلتين خلتا من ربيع الأول. وقيل في ثامن ربيع الأول. وقيل: في عاشر ربيع الأول. وقيل: في ثاني عشر ربيع الأول. أما يوم انتقال نبينا، فلا خلاف في أنها كانت يوم الاثنين، وأما سنة الانتقال: فلا خلاف في أنها كانت في العام الحادي عشر من الهجرة. وأما شهره: فليس ثمة خلاف أنها كانت في شهر ربيع أول.
أوضح د. الكمار أن رسول الله نشأ من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظاته متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس، وأفصحهم لساناً، وأقواهم بياناً، وأكثرهم حياءً، يُضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف، أدبه الله فأحسن تأديبه، فكان أرجح الناس عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعة، وأصدقهم حديثاً، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة، ويكفيه شهادة ربه له بقوله:” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، وبالجملة فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله صلى الله عليه وسلم منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق بمكارم الأخلاق وهي سمة بارزة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وسيرته.
وأشار إلى أنه أخلاقه صلى الله عليه وسلم كانت من أهم وسائل دعوته للناس، وخاصة قريش الذين عايشوه صبيا وشابا قبل بعثته، وكانوا يسمونه” محمد الأمين”، ومن ثم أعلنها صلى الله عليه وسلم واضحة:” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وكيف لا يشهد له العدو والصديق بمكارم الأخلاق، وقد هذبه القرآن وربَّاه، ولما سأل سعد بن هشام، أم المؤمنين عائشة عن خلق النبي؟ قالت له:” ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كان القرآن”.
أضاف د. الكمار: كان النبي مع أصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم، ويتفقدهم ويعودهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، حتى يظن جليسه أنه ليس أحدٌ أكرم منه، وكان لا يواجه أحداً منهم بما يكره، كما كان مع كثرة أعبائه ومسئولياته، يداعب طفلا ويسأله عن عصفور لديه، فعن أنس قال:” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، كان يقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير(طائر صغير يشبه العصفور)، بل شمل عطفه ووده وحسن خلقه الحيوان، فكان يقرب للهرة(القطة) الإناء لتشرب ،ومن حياته وسيرته نرى حسن أخلاقه حتى مع أعدائه، فعن عائشةـ رضي الله عنها:” أن يهود أتوا النبي، فقالوا السام (الموت) عليكم، فقالت عائشة:” عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم، فقال: مهلا يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلتُ؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في”.
وأنهى د. الكمار كلامه مستشهدا بقول القاضي عياض:” وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا”.
نبي الرحمة والسلام
أكد د. عبدالرحمن رضوان، مدير الدعوة بمديرية أوقاف القليوبية، أن ذكرى مولد خاتم النبيين تؤكد أنه رسول السلام، الذي جاء برسالة السلام إلى العالم، وأول من يجب السلام بيهم المسلمين مع بعضهم فقال:” حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعِيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنازةِ، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ وتشميتُ العاطسِ”، وقال:” إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ، وَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ”، وكان من هديه السلام قبل الكلام، فقال:” السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ “، ولهذا فإم أعظم ما يحسدنا عليه اليهود” السلامُ والتأمينُ في الصلاة” لما فيهما من الفضل العظيم والثواب الجزيل، عن أم المؤمنين عائشة أنه قال:” مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ”.
أوضح أن السلام يعد الهدف الأسمى لكل الأنبياء عليهم السلام فلحياة بلا سلام خراب وتدمير، فهذا سيدنا نوح عليه السلام يخاطبه ربه بقوله تعالى:” يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ”، وهذا إبراهيم عليه السلام لمَّا وصل مع أبيه إلى نقطة لا يمكن معها الاتفاق، وأصر أبوه على طرده، قابل كل ذلك بسلام وسجل الله تعالى بقوله:” قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا”. ورغم كل الوعيد والتهديد من والد إبراهيم عليه السلام، لم يقابله إبراهيم إلا بما يليق بما عليه الأديان من سلام مع النفس، وسلام مع الآخر، وسلامٍ مع الكونِ كله، ومقابلة السيئة بالحسنة، فقال تعالى:” قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا”. وهذا عيسى عليه السلام في أحلك الظروف التي مرت بها أمه مريم عليها السلام، وما رُمِيتْ به، يلقِى السلام على نفسه، فيقول:” وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”. فالسلام هو الأصل في العلاقات بين الناس جميعًا على اختلافهم، فالله سبحانه وتعالى عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضًا، وليعيش الناس في ظله سالمين آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
وأشار د. رضوان إلى أن المسلم الحق يحرص على السلام الدائم مع أفراد المجتمع بحسن معاملتهم الجميع، وعدم التعرض لهم بأذى، فقال صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». وفي رواية “من سلم الناس”، بل إن رسول الإسلام دعا إلى السلام مع غير المسلمين الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتال، فقال الله تعالى:” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” اللهَ يحبُّ المنصفينَ الذين ينصفونَ الناسَ ويعطونَهُم الحقَّ والعدلَ مِن أنفسِهِم، فيبرونَ مِن برهِم، ويحسنونَ إلى مَن أحسنَ إليهِم”، ولا يوجد دين يجعل من الطاعات وكذلك أن يكف الانسان أذاه عن الناس له ثواب، فقال الصحابي أبو ذر:” قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّك عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْك عَلَى نَفْسِك”، ويدعو الإسلام إلى السلام مع كل الكائنات حتى مع الدواب والطيور وعدمِ إيذائها عن عبداللَّهِ بن مسعود قال:” كُنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ؛ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ، فأخذنا فَرخَيها، فجاءتِ الحُمَّرةُ فجعلت تفرِشُ، فجاءَ النَّبيُّ فقالَ: من فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها فقالَ: مَن حرَّقَ هذِهِ؟ قُلنا: نحنُ. قالَ: إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ”، كما حث الإسلام على نظافة وطهارة البيوت والبدن والثياب والمكان والمياه، للوقاية من الأمراض والأوبئة، وفوق هذا كله حث الإسلام على السلام مع الوطن والحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة، ومياهه وعدم الإفساد بكل صوره.
وأنهي د. رضوان كلامه مؤكدا أن المتأمل للسيرة النبوية الشريفة سيجد الرسول يعمل على نشر المودة والمحبة بين البشر جميعا وخاصة المسلمين فيما بينهم، فقال:” لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا؛ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ”. وقال الفاروق عمر بن الخطاب:” ثلاثٌ يصفينَ لكَ ودَّ أخيكً: أنْ تُسلّمَ عليهِ إذا لقيتَهُ، وتوسّعَ له في المجلسِ، وتدعُوه بأحبَّ أسمائهِ إليهِ”، إذا فعل المسلمون ذلك يكونوا قد فهموا وطبقوا العبرة والدروس المستفادة من ذكري لمولد النبي الذي وصفه ربه بقوله:” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” وقوله سبحانه:” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.