“صُنِع فى الأزهر”.. ترجمة عملية لمشاركتنا المجتمعية محليًّا ودوليًّا
“بنوك المعرفة” ساهمت فى استعادة المرجعيّة الأزهريّة أوروبيًّا.. والتجديد له أهْلُه ولا يعنى هدم التراث
2% من العلماء المتميّزين عالميًّا أزاهرة.. وترتيبنا الأول بـ”الصينى”
“التَرَفُ والدِّعَّة” التعليمية تُخرِّج طالِبًا هَشًّا.. وهذا ليس منهجنا
حاوره فى بركان المغربية: مصطفى ياسين
أكد د. محمد عبدالمالك الخطيب، عقب تجديد الثقة له نائبا لرئيس جامعة الأزهر للوجه القبلى، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، والدولة المصرية بكامل أجهزتها، تقدر الأزهر الشريف وإمامه الأكبر وعلماءه، ولا يتأخرون فى دعم خطواته سواء فى التوسعات الإنشائية أو الخدمات التعليمية والدعوية، باعتبار أن الأزهر هو أحد أهم عناصر القوى الناعمة المصرية، مشيرا إلى الدعم غير المحدود لافتتاح كليات أزهرية جديدة خدمة لأبناء الشعب المصرى العظيم، وبما يحقق أهدافنا بإنشاء كلية أزهرية فى كل محافظة مصرية.
أوضح أن الأزهر وعلماءه قابلوا هذا التقدير بحفاوة وترجموه عمليا بتحقيقهم الريادة العلمية، طبقا لتصنيف “شنغهاى”، وأن 2% من الأزاهرة ضمن قائمة العلماء المتميّزين عالميا، واستعادوا المرجعية الدينية للأزهر فى العالم من خلال “بنوك المعرفة”، وأكدوا وجودهم المجتمعى من خلال “صنع فى الأزهر” بتقديم المنتجات الغذائية والمنزلية والطبية، تخفيفا عن كاهل المواطنين.
وأعلن افتتاح كلِّيَّتين للعلوم والدراسات للبنات بأسيوط والوادى الجديد هذا العام.
وحذَّر من دعاة هدم التراث تحت ستار “التجديد” الذى له أهله وشروطه، ومنبِّهًا لخطورة مطالبات “الترف والدعة” التعليمية التى تخرج طالبا هشًّا غير مؤهل لحمل صفة أزهرى.
وفيما يلى نص الحوار الذى أُجرى معه، على هامش ملتقى التصوف العالمى الـ 19 الذى نظمته مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بجهة بركان، بالمملكة المغربية.
- ونحن نستقبل عاما دراسيا جديدا، ما هو الجديد فيما يتعلق بالعملية التعليمية الأزهرية، خاصة فى الوجه القبلى؟
** ونحن نستقبل العام الجديد، نسعى لتهيئة الظروف المناسبة والملائمة لكل الطلاب، من حيث المكان والمنهج والجدول الدراسى وكل ما يمكن أن يجعله يتلَّقى العلم بطريقة سهلة مريحة.
ومعروف أن فرع الوجه القبلى لجامعة الأزهر يُعدُّ أقدم فرع، ومنصوص عليه فى قانون تنظيم الأزهر وهيئاته، وقد وصلنا لعدد 28 كلية، فهذا العام سنفتتح كلِّيتين جديدتين، كلية للعلوم بنات بأسيوط، وهذه للمرة الأولى فى صعيد مصر، وكلية الدراسات الأزهرية للبنين بالوادى الجديد.
وقد سبقهما افتتاح كلية هندسة البنات بقنا، وكلية دراسات للبنات بالوادى الجديد، فى العام الماضى.
فمن الأمور المهمة إضافة هذه الكليات الى الجامعة لخدمة أبنائنا وأهلنا فى الصعيد بأكمله، باعتبار المسافات المتباعدة بين قُرى ومدن ومحافظات الصعيد، ولذا فكثرة الكليات المتنوعة والمتخصصة تقدِّم خدمة طيبة، خاصة وأن بناتنا كنَّ يضطّررن للذهاب إلى القاهرة إذا أردن الالتحاق بكليات العلوم أو الهندسة أو الدراسات.
وطبعا نقدّم الشكر لله أولا، ثم للدولة المصرية التى لم تتأخر عن تلبية احتياجات الأزهر، ولفضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، الذى يلبِّى احتياجاتنا عندما نقدّم إليه طلباتنا لخدمة أبنائنا فى الصعيد، وكذا الشكر لفضيلة د. سلامة داوود، رئيس الجامعة، الذى يجتهد كثيرا ويسعى لإيجاد كلية فى كل محافظة مصرية.
أما على مستوى الناحية التعليمية، فلا يخفى على أحد أن الجامعة اتخذت قرارا بتوحيد الكتاب الجامعى، خاصة فى الكتب الشرعية، راجعها علماء أكفاء، متخصصون، واستطاعوا تنقيتها من كل دَخَلٍ، حفاظا على المنهج الأزهرى الوسطى الذى ضمن للأزهر، بفضل الله، البقاء والدوام، لأن الله سبحانه وتعالى وكأنه اختار الأزهر للحفاظ على الإسلام من خلال الوسطية التى فى الأصل هى من صفات الدين العظيم، حيث يقول تعالى: “وكذلك جعلناكم أُمًّة وسطا”.
ومن ثمَّ فإن كل مناهج الأزهر تُخرِّج الطالب الذى يحمل الفكر الوسطي الذى لا إفراط فيه ولا تفريط، وهذا ما نعمل عليه ليس فى الجامعة فقط بل حتى فى المقررات التعليمية قبل الجامعية، فلله الحمد لدينا أمور ثابتة ولا نأخذ بهذا أو ذاك، فالأزهر له منهجه المستقر، وهو المنهج الذى نحسبه صحيحا، ويسير عليه الأزهر فى كل مراحل التعليم لأبنائه، ولهذا نجد الإقبال العظيم على الالتحاق بالتعليم الأزهرى، لدرجة أن عدد الذين تحوَّلوا إلى التعليم الأزهرى من التعليم العام بلغ أكثر من 400 ألف طالب وطالبة.
وفى العام الماضى انتقل إلينا نحو 300 ألف طالب، ما يدل على أن الأزهر يسير بخطى ثابتة فى جميع قطاعاته التعليمية مما جعل الناس يثقون فى الأزهر ويرغبون فى التعلُّم وتعليم أبنائهم فيه.
ويكفى أن الطالب الملتحق بالأزهر يجمع بين العلوم الدينية والدنيوية، فلدينا قطاع طبّى كبير جدا يلتحق به عدد كبير من طلاب الطب والصيدلة والأسنان، وكذا الهندسة والعلوم، فهؤلاء جميعا يدرسون المواد العلمية المتخصصة المتعلّقة بتخصصاتهم الدقيقة ثم يضيفون إليها تخصصا شرعيا مثل القرآن والفقه والحديث والتفسير والعقيدة، فكل منهم يدرس دراسة شرعية تتعلق بتخصصه.
مثلا طالب الطب يُدَرَّس له الفقه المتعلق بتخصصه، آيات خلْق الإنسان والتشريح، وهكذا فى كل ميدان، مثل كلية الزراعة، نحاول أن يكون مقرره مرتبطا بتخصصه بعلوم الزراعة وكيف وردت فى القرآن والسنَّة الشريفة، إلى غير ذلك.
هيئة التدريس
- وماذا عن الضلع الآخر فى العملية التعليمية ألا وهو عضو هيئة التدريس بما يمكِّنه من تخريج وإعداد وتأهيل خريج أزهرى مُستَحِق لحمل هذه الشهادة والمكانة العريقة؟
** دعنى أقول دون تحيّز أو عصبية: أعضاء هيئة التدريس فى جامعة الأزهر فى كل التخصصات أكفاء، وهذا ليس أقوالا مُرْسَلة بل بالإحصاءات فإن 2% من علماء العالم الذين حققوا مراكز مرموقة عالميا فى مختلف التخصصات هم من جامعة الأزهر الشريف.
وترتيب الجامعة على مستوى جامعات العالم فى تصنيف شنغهاى وغيرها هى الأولى على مستوى مصر فى العام الماضى، وهذا العام هى الثانية بعد جامعة القاهرة.
وكل هذا بفضل الأبحاث العلمية التى يقدِّمها الأساتذة وتُنشر فى مجلات عالمية مُحكَّمة رفعت من تصنيف ومرتبة الجامعة بين نظيراتها، سواء كان هذا فى العلوم الطبية أو الإنسانية وكذا فى العلوم الشرعية فقد تُرجمت كثير من أبحاث الأساتذة الشرعيين، من خلال بنوك المعرفة، وأصبح الناس فى أوروبا وأمريكا يأخذون العلوم الشرعية من الأزهر الشريف، فصار الأزهر وأبحاث علمائه هو الأساس الذى يرجع إليه أولئك، بعد أن كانت هناك دول أخرى هى صاحبة السبق والريادة ومرجع أولئك الباحثين والسائلين، خاصة فى بعض الدول الأوربية ذات الأغلبية السكانية من تلك الدول الإسلامية.
وللحق، فإننا كنَّا فى غفلة، إلى حد ما، عن هذا الموضوع، فكانت تلك الدول تفرض منهجها وتخدم أهدافها ورؤيتها السياسية من خلال المذاهب التى تتبعها، فجاء الأزهر الآن ودخلنا “بنك المعرفة”، وكل هذا يدل على أنك لا يمكنك الوصول إلى هذه المراكز العالمية العلمية إلا بوجود أعضاء هيئة تدريس فى كل المجالات لديهم الكفاءة المتميزة.
وعلى المستوى المحلّى، فلدينا مستشفيات جامعة الأزهر بأسيوط، بجوار مستشفيات جامعة أسيوط العامة وهى الأقدم والأعرق بل صاحبة الفضل على طب جامعة الأزهر، وهذا أمر يجب ألا نغفله، ولكن قد يسبق التلميذُ أستاذهَ، فالآن أصبحت مستشفياتنا يُشار إليها بالبنان، فيها متخصصون أكفاء أصبحوا قِبْلَة الناس طلبًا للعلاج.
وأكثر من هذا، فإنه لا توجد كليات تعطى الماجستير فى طب الأسنان، فى الصعيد كلّه، إلا فى جامعة الأزهر بأسيوط. بل حتى إخوتنا من المسيحيين يطلبون العلاج والتداوى فى مستشفى طب الأزهر، لوجود الرعاية التامة والراحة الكاملة، فقد ارتقى مستوى الخدمة كثيرا جدا، بفضل الله تعالى.
السكن الجامعى
- وماذا عن الضلع الآخر فى العملية التعليمية، وهو السكن الجامعى، وخاصة للبنات؟
** لا أستطيع الادّعاء بأننا وصلنا إلى حَدٍّ مُرْضٍ تماما فى هذه المسألة، خاصة فى جانب البنات، لأننا نستقبل بناتنا من كل أنحاء الجمهورية وليس الصعيد فقط، فالقطاع الطبّى لدينا يأخذ أقلَّ من القاهرة بدرجتين أو ثلاث، بالتالى عددهن كبير من الوجه البحرى والقاهرة، وإمكاناتنا تستوعب 3 آلاف طالبة، ومثلهن من الطلاب، ودائما نأخذ الأبعد سكنًا ثم الذى يليه، فلتتخيَّل أننا أحيانا لا نقبل طلبة من سوهاج ولا المنيا وبالطبع ولا أسيوط، ونُقدِّم عليهم المغتربين من باقى المحافظات.
ونحن لم نتأخر، وقدّمنا مقترحا بإقامة مبانٍ جديدة لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة، وندعو الله أن تتم الموافقة على ذلك قريبا.
التوجّه للأزهر
- ألْمَحْتَ فى حديثك عن الإقبال الكبير نحو التعليم الأزهرى، وقد تناولنا هذا الموضوع فى أعداد سابقة من “عقيدتى”، لكن فى المقابل وجدنا نسبة النجاح فى الثانوية الأزهرية 50% تقريبا، فعلام يدل هذا؟
** لابد أن نعرف أن الـ 50% هذه هى نتيجة الدور الأول وليست نهائية، فهناك الدور الثانى، وبالتالى النتيجة ستكون أعلى ربما تكون 75%، مع ملاحظة حرصنا على أن يكون الخرِّيج مميّزا ولديه السِمَات التى تؤهّله لحمل اسم وشهادة الأزهر، وكما قال فضيلة الإمام من قبل “نهتم بالكَيْفِ وليس بالكَمِّ”، لذا تجد التشديد والمراقبة والتدقيق بحيث نمنع الغش تماما بأى طريقة. فالطالب المستحِّق للنجاح هو فقط من نريد، سواء كان هذا من الدور الأول أو بعد إعطائه الفرصة فى الدور الثانى. وبمقارنة بسيطة بين الخرّيج الأزهرى ونظيره تجد الفرق واضحا جليًّا فى الكفاءة العالية، وأضرب مثلا بحديث أحد طلبة كليات الحقوق قال لى: خرّيج الأزهر أعلى كفاءة منّا لأنه درس العلوم الشرعية كلها باستفاضة، ثم درس العلوم القانونية.
وهذا حقيقى لأن غير الأزهرى يدرسها بشكل عام وغير متعمِّق، فعندنا فى العلوم الشرعية هناك اجتهادات كثيرة جدا ومسائل تجعل المحامى أو القاضى يقف على كثير من المسائل التى تخدمه فى مجال عمله.
دسامة المناهج
- لكن البعض ينظر إلى هذا الجانب باعتباره تكبيل للطالب الأزهرى بمواد كثيرة، ويطالبون بالتخفيف وتنقية المناهج الأزهرية، خاصة فى ظل العصر التقنِى الذى يفرض نفسه على كل مناحى الحياة؟
** بالتأكيد فإن كل شخص يختار الطريق الذى يريد دراسته، فالأمور التكنولوجية لا ننكرها ولكن مثلا فرْض موضوع “التابليت” لم تكن نتيجته بالقدر المُرْضى، ولذا سيبقى الكتاب المدرسى والجامعى هو الأصل ولا غنى عنه.
أما مسألة تكبيل الطالب بمواد إضافية أو زائدة، فهذا فى الحقيقة أمر قد يحتمل الصواب أو الخطأ، وأنا أميل إلى أنه كلما فتَّحت ذهن الطالب بالدراسات المختلفة كان أفضل له، فنحن كنَّا فى الصغر نحفظ القرآن وندرس القراءات وألفيَّة ابن مالك، وهى مكوَّنة من ألف بيت، كل عام علينا حفظ 250 بيتًا طوال 4 سنوات الثانوية الأزهرية.
كنّا نذهب إلى شيخنا بُعيد الفجر لأخذ بعض القراءات ثم نعود للالتحاق بالمدرسة فى الساعة الثامنة، ثم نراجع الدروس بعد العصر وحفظ المطلوب. وكنا نقرأ من كتب التراث فى الفقه والتفسير للنَسَفِى والشرح الصغير للمالكية والشرح الكبير، فكان الطالب يخرج عالِما، وكان علينا كتاب “شرح متن العشماوية” فى أولى إعدادى، ومن قرأه يكون قد حفظ الفقه المالكى، وكما قيل: “من حفظ المتون حاز العلوم”.
وإن لم تكن الأمور كما كانت فى السابق، فقد خُفِّفَت المواد على الطلاب نوعا ما. بل هناك تَرَف فى تحصيل العلوم الآن وأصبح الطالب فى “دِعَّةٍ” من أمره، فلو تعود على القراءة والكتابة والمطالَعة والبحث سيخرج مؤهّلا وعالِما، أما إذا كان العكس وعوَّدته أن هذا كثير فتكون قد اخترت له الراحة و”الدِّعَّةَ” فأىُّ كَمٍّ سيكون بالنسبة له صعبا وثقيلا.
الانعكاس المجتمعى
- بعد هذا الاهتمام الكبير من الأزهر تجاه أضلاع وأركان العملية التعليمية، فأين انعكاس هذا على البيئة والمجتمع المحيط، محليًّا وإقليميًّا ودوليَّا؟
** من خلال كلِّيَّاتنا المختلفة نسعى لتقديم خدماتنا للمجتمع المحلّى، وما يمتد وينسحب بالتلقائية على الإقليمى والدولى، مثلا: الناحية الدعوية، فجامعة الأزهر بأساتذتها ووعَّاظها تشارك المجتمع كل مناسباته، فما من مناسبة اجتماعية أو وطنية إلا وترى رجال الأزهر.
ومن الناحية الطبية، هناك قوافل طبية متنوعة التخصصات، على مدار العام، إلى القُرى والمناطق النائية، بحيث يُقدِّم أطباؤنا خدماتهم بالتشخيص وتقديم الدواء مجَّانا، هذا على مستوى الجامعة ككل وليس فرع الوجه القبلى فقط.
والقوافل الطبية الأزهرية ملموسة فى عالمنا المحيط إفريقيا وإسلاميا، وأبرزها فى غزَّة، فأكبر قوافل المساعدات كانت من نصيب مصر، والأزهر فى القلب منها، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى. بل عندنا مجموعة كبيرة من مصابى ومتضرِّرى غزّة تمّ توزيعهم على مستشفيات جامعة الأزهر، ففى فرع أسيوط فقط ما يزيد عن 50 حالة توفَّر لهم كل سبل ووسائل الحياة الكريمة.
وعندنا مركز بحوث تابع لكلية الزراعة بأسيوط ننتج ونصنع المنظِّفات، وبرزت بوضوح خلال جائحة كورونا، وفرضت نفسها على السلع الأخرى فى السوق نظرا لجودتها وسعرها المنخفض. ولنا منافذ متعددة بأسيوط ومكتوب عليها “صنع فى الأزهر”.
وكذلك منتجاتنا من الدواجن سعرها أقلَّ من السوق بحوالى 6 جنيهات، ومنتجات الألبان والآيس كريم.
أما فيما يتعلق بالخدمة الدعوية بالخارج، فمعروف وجود طريقين، إما استقبال الوافدين ما يزيد عن 40 ألفًا يدرسون فى الأزهر على نفقته من خلال الإعانات أو المنح الدراسية، ونراعى فى هذا الأمر الدول الأكثر احتياجا، وهذه هى رسالة الأزهر لنشر الإسلام.
والطريق الثانى هو ابتعاث علماء الأزهر إلى دول العالم، وبمناسبة وجودنا فى ملتقى التصوف بالمغرب، التقيت أحد الألمان وكان فرحا مسرورا بإرسال الأزهر علمائه إلى بلده ألمانيا لتعليمهم الإسلام الصحيح، وهذه لأول مرة.
والحمد لله أن علماء الأزهر ينتشرون فى كل دول العالم، وصار اسم الأزهر معروفا، ولعلمائه قدْرُهم وقيمتهم، ولابد أن نذكر فى هذا الخصوص جهود فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، الذى جعل اللهُ له مكانة طيبة فى نفوس كل العالم مسلمين وغيرهم، وقد رأينا مؤخّرا الاستقبالات له فى جولته بجنوب شرق آسيا، أكثر من استقبال الملوك.
تحجيم الأزهر!
- هذا الوصف، لم يعجب البعض فثاروا مطالبين بضرورة تحجيم دور الأزهر؟
** أصحاب هذا الصوت نلفتهم إلى أن مقولتهم هذه خطأ كبير جدا وليس فى مصلحة مصر أيضا، وقد عُرف واشتُهِر أن الأزهر هو أحد أهم عناصر القوى الناعمة المصرية، وبالتالى فما يقدّمه من دور، سواء احتضان الوافدين أو ابتعاث العلماء، كل هذا يصبُّ فى مصلحة ومكانة ومنزلة مصر الأزهر، فهؤلاء الوافدون ومن يتعلَّمون على “يد الأزهريين” يصبحون سفراء مصر فى دولهم، ومنظّمة خرّيجى الأزهر العالمية مثال على ذلك، فعدد كبير منها هم من غير المصريين.
ومثل هذه الأصوات قليلة ولا يُسمع لها، ولا يمكن أن يؤثِّر هذا فى الأزهر أو رسالته، فالدولة المصرية تُقدِّر الأزهر وتعرف قيمته وفضل شيخه وإمامه الأكبر، وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى يعرف هذا ويُقدِّر العلماء.
أما أولئك فلهم أفكار وتوجّهات معينة، لكن هذا لا يُعبِّر عن الشعب ولا الدولة المصرية، فالدولة بكلِّ رموزها وأركانها والجميع يُقدِّر الأزهر ويُجِلُّ شيخه وعلماءه، ويشهد بهذا القاصى قبل الدانى.
الدعم الحكومى
- وماذا عن دعم الدولة لجهود ودور الأزهر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
** الجميع يقر ويعترف بأن الدولة المصرية لم تُقصِّر أبدا فى دعم الأزهر بكافة قطاعاته، ربما كنا فى فترات سابقة نتعطَّل حين افتتاح مبنى كلية أو خلافه، أما الآن ورغم الظروف الاقتصادية التى نعرفها ونعيشها جميعا فى العالم أجمع بسبب جائحة كورونا والتطورات السياسية العالمية، ومع ذلك نفتتح كلّيّتين فى الصعيد فقط للأزهر، فمن يبنيها؟ هى الدولة المصرية من خلال وزارة التخطيط والاعتمادات المالية، مما يدل أن الدولة المصرية تعطى أولوية قصوى للأزهر الشريف، وهذا يشهد له الجميع فى عهد فخامة الرئيس السيسى، الذى يعرف قيمة الأزهر ويقدرها تماما. وفى الجانب الآخر، فالأزهر بجميع قطاعاته وهيئاته وعلى رأسه فضيلة الإمام الأكبر يعرف جهود الرئيس السيسى ويُقدِّرها ويُثمِّنها فى كل مجالات الحياة للمصريين جميعا.
فكلُّنا أبناء وطن ونسيج واحد، والأزهر بطبيعة الحال جزء لا يتجزَّأ من مصرنا الحبيبة، باعتباره أحد مؤسسات الدولة.
التراث والتجديد
- كثيرا ما تُثار مسألة التجديد سواء فى المناهج الأزهرية أو الخطاب الدينى، فكيف ترى هذا التجديد؟
** نحن لدينا تراث عريق وعظيم جدا، ومن خلاله كانت للمسلمين السيادة والريادة فى العالم كلّه، وعلّموا الغرب فى عصوره الوسطى المظلمة عندما كانوا لا يعرفون شيئا عن العلم، فالمسلمون عرفوا العلوم المختلفة منذ نزول الوحى، فكانوا روّادا فى الطب والكيمياء والفيزياء والهندسة وغيرها، قامات مسلمة صدَّرت العلوم للإنسانية، وكانت طُلَيْطِلَة وقُرْطُبَة بمثابة البوَّابة العلمية لأوروبا.
فلا يصح ولا يُقبل أن يخرج علينا أحدٌ الآن ويدّعى أن تراثنا وتمسُّكنا بديننا هو سبب تأخّرنا! فنحن لدينا المرونة فى مختلف العلوم والتخصصات حتى الفتاوى الفقهية وباب الاجتهاد مفتوح، المهم: ألا نُهيل التراب على تراثنا، وفى ذات الوقت لا بأس من التجديد فيه طالما أن الأمر يحتمل أكثر من رأى بما يتناسب ويتوافق مع العصر الذى نعيشه، دون الجَوْرِ على التراث أو أن نكون “جامدين” دون إعمال فكْرِنا ورأينا فيه.
ولكن، إعمال الفكر ليس لكلِّ الناس “من هبَّ ودبَّ” بحيث يأتى من شخص يشرح آية أو حديثا وهو لا يملك الإمكانات والأدوات التى تؤهّله لذلك، فمن يريد الدخول فى مجال تفسير القرآن مثلا، فقد اشترط العلماء 20 شرطا لابد من توافرها فيه، من حيث اللغة وإدراك أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرها.
تقييم الخرِّيج
- وما تقييمك الموضوعى لخرّيج الأزهر؟
** لا يمكننا بالطبع القول بأن كل خرّيجى الأزهر وصلوا إلى الدرجة النهائية بالامتياز، فكل طالب حسب قدراته وإمكاناته واستعداداته، فقط علينا توفير المناخ والمنهج والمتابعة والتربية المناسبة، فهناك من يريد الحصول على شهادة وحسب بأى تقدير ليمحو أُمّيته وفقط، لكن هناك الأكفاء وهؤلاء حقيقة النسبة الأكبر، لدرجة أنك تجد عدد الملتحقين بالدراسات العليا، رغم عدم وجود وظائف، كبير جدا، بخلاف الفترة السابقة، ففى كل قسم وتخصص صارت الدراسات العليا أشبه بمرحلة البكالوريوس والليسانس فى نسبة الأعداد، وهؤلاء ممن حصلوا على تقدير جيد فما فوق، مما يدل على أن نسبة الفائقين عدد كبير جدا.
أصحاب رسالة
- ما هى الرسالة التى تريد توجيهها إلى زملائك من أعضاء هيئة التدريس أو طلابك والمجتمع؟
** نحن علينا أن نكون أصحاب رسالة، فنحن لسنا موظّفين، وصاحب الرسالة لابد وأن يؤدّيها بإخلاص على الوجه الأكمل الذى يرضى ربنا سبحانه، وأن نكون فى غاية الحرص على تخريج جيل يحمل هذا الفكر الإسلامى الوسطى العظيم، وهذا هو الأصل فى مهمتنا، وأن يكون تعليمنا وتعلُّمنا ابتغاء مرضاة الله تعالى، حتى قيل: طلبنا العلم لغير الله فأبَى العلمُ إلا أن يكون لله.
اما أبنائى الطلاب، فعليكم بالحرص على تعلُّم العلم، والإقبال على أساتذتكم، وحضور المحاضرات وتدوين المعلومات التى تُلقَى عليكم، فهى خلاصة فكرأستاذ قرأ وبحث ونقَّبَ واستخلص هذه المعلومات وقدّمها لأبنائه. ثم عليهم مراجعة دروسهم وتنمية أفكارهم بكل ما أُتوا.
وعلى الآباء أيضا مراقبة ومتابعة أبنائهم، فالمسألة ليست توفير المال فقط، بل العناية بهم منذ الصغر، وفترة شبابه وملاحظة مرافقيه وأصحابه، فـ”عن المرء لا تَسَلْ، وسَلْ عن قَرِيِنِه، فكلُّ قَرِيْنٍ بالمُقارَن يقتدى”، ولنحذر فـ”إن عدوى البليد إلى الجريد سريعة، كالجَمْرِ يُوضع فى الرماد فيُخمَد”، فإيّاك أن تجعل ابنك يسكن مع أو يصاحب “بليدا” أو مهمِلا، فلتختر له الصديق والجو والمكان المناسب والرعاية والتربية الصحيحة حتى يوفّقه الله.