بقلم أد.علي إبراهيم محمد
أستاذ أصول اللغة المتفرغ في كلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر
مولانا فضيلة الأستاذ الشيخ علي محمود، 1880- 1946م، صاحب الموهبة الفذَّة والمدرسة العريقة في التلاوة والإنشاد التي تتلمذ فيها كل من جاءوا بعده من القراء والمنشدين، واشتهر بأنه سيد القراء، وإمام المنشدين.
قال فيه الأديب الراحل الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف: “كان الشّيخ علي محمود سيّدَ المنشدين على الذكر، والمغنين للموالد والمدائح النبوية، وكأني بهذا الرجل كان يجمع في أوتار صوته كل آلات الطّرب.. فإذا شاء جرى به في نغمة العود أو الكمان، أو شدا به شدو الكروان.. وقد حباه الله ليناً في الصوت، وامتداداً في النَّفَس.”
ووصف الشاعر عبد الرحمن صدقي الشيخ على محمود وأداءه فقال فيما نقله عنه الدكتور محمد رجب البيومي: “… إن نوابغ المقرئين لعهده كثيرون، وهم يختلفون بعضهم عن بعض أشد الاختلاف في جوهر الصوت، وطبقته، وطريقة القراءة، وموضع الإجادة، وسر التأثير، فمنهم مَنْ كان إلى التضخيم أميل، ومنهم مَنْ كان إلى الترقيق، ومنهم مَنْ لم يُرزق حلاوة الصوت لكنه أوتي مقدرة على التصوير، ومنهم مَنْ يعمد إلى التطريب، ومنهم مَنْ يظهر في تلاوته شجي التخشع، وبحّة البكاء، وما إلى ذلك من الألوان». «… أصبح (أي الشيخ على محمود) بعد قليل إمام طريقة في القراءة لا ينافسه فيها منافس، ذلك أن الشيخ على محمود يجمع في فنه معظم محاسن هؤلاء القراء المحسنين، فهو إذا رفع بالقراءة صوته رائع الجهارة والتفخيم، وإذا رققه كاد يذوب من فرط النعومة واللين، ويخافت به فإذا هو همس المتناجين، ثم يغاير فيه على مقتضي المعني، فيبلغ ما لا يبلغه أحد في قوة الأداء، وصدق التصوير”.
وُلد مولانا فضيلة الشيخ علي محمود في درب الحجازي بكفر الزغاري التابع للجمالية التابع لقسم الجمالية بالقاهرة في عام 1298هـ 1880هـ، وترجع أصوله إلى عائلة جنيد المتفرعة من عائلة العارف بالله – تعالى – فضيلة الشيخ عبد الجواد المحسن العمري العدوي بقرية بني عدي الوسطانية التابعة لمركز منفلوط محافظة أسيوط.
فقد الشيخ بصره في طفولته بعد إصابته بالرمد، وحفظ القرآن الكريم على يد فضيلة الشيخ أبي هاشم الشبراوي في كُتاب مسجد السيدة فاطمة أم الغلام بحي الجمالية بالقاهرة، وتعلم أحكام التجويد برواية حفص عن عاصم على يد فضيلة الشيخ مبروك حسين في الجامع الأزهر، وتعلم مبادئ الفقه على يد فضيلة الشيخ عبد القادر المزني.
اشتغل بترتيل القرآن الكريم في مسجد مولانا الإمام الحسين – رضي الله عنه – بالقاهرة فاشتهر بين الناس فأُعجب الناس بصوته الرخيم، ودقة أدائه فاشتهر، وصار بقراءة القرآن في مآتم المشاهير بالقاهرة، وأعراسهم.
في الثالث من شهر يوليو عام 1939م جاءت التلاوة الأولى للشيخ على محمود بصفته قارئًا معتمدًا ببرامج الإذاعة المصرية في السابعة وخمس عشرة دقيقة، حسبما ذكرت جريدة الأهرام في نفس اليوم، وتضمنت التلاوة التي جاءت من بداية المصحف «فاتحة الكتاب» والربعين الأول والثاني من سورة «البقرة»، وبلغ زمن تلك التلاوة أربعين دقيقة، واعتمدت الإذاعة منذ ذلك اليوم الشيخ علي محمود قارئاً للقرآن مساء يوم الإثنين من كل أسبوع، لتتوالى بعد ذلك وبانتظام لم تقطعه مشاركات الشيخ في الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية، ومنها حفل أقيم بدار الأوبرا الملكية بالقاهرة في ذكرى عقد قران الملك فاروق والملكة فريدة، وافتتح الشيخ ‹‹علي›› وقائع الحفل بعد عزف السلام الملكي بتلاوة قرآنية بلغ زمنها ربع الساعة، وهو الذي أنشد عقد قران ولي عهد إيران وشقيقة الملك فاروق.
وبلغ من عبقريته أنه كان يؤذن للجمعة في الحسين كل أسبوع أذانًا على مقام موسيقي لا يكرره إلا بعد سنة، كما صار منشد مصر الأول الذي لا يُعلى عليه في تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات.
درس الشيخ الموسيقى، وضروب التلحين، والموشحات الأندلسية على يد الشيخ إبراهيم المغربي، والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، كما أخذ تطورات الموسيقى على الشيخ عثمان الموصلي التركي، وغيرهم، وكان يستمع ويحفظ لكثير من المغنيين في عصره مثل عبده الحمولي، ومحمد العجوز، وتلميذه الملحن الكبير الشيخ زكريا أحمد.
من أبرز تلاميذه:
فضيلة القارئ الشيخ محمد رفعت.
فضيلة القارئ المنشد الشيخ طه الفشني، الذي كان عضوًا في بطانة الشيخ في فرقته للإنشاد الديني.
فضيلة القارئ الشيخ كامل يوسف البهتيمي.
فضيلة الشيخ محمد الفيومي وهو من بطانته في فرقته للابتهال الديني.
الملحن الكبير الأستاذ محمد عبد الوهاب.
الملحن الكبير الشيخ زكريا أحمد الذي كان عضوًا في بطانته.
الفنانة الراحلة أم كلثوم، والفنانة الراحلة أسمهان.
كان الشيخ علي محمود شيخ القراء في زمنه في مصر وفي الشرق كله، واشتهر بقراءة القرآن الكريم في الاحتفال بذكرى مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – والمناسبات الدينية.
آثاره في التلاوة والتواشيح:
التسجيلات القرآنية الموجودة في مكتبة الإذاعة المصرية منها:
تلاوة من فاتحة الكتاب وسورة البقرة، وهي أول تلاوة له في إذاعة القرآن الكريم.
تلاوة من سورة الأنفال.
تلاوة من سورة يوسف.
تلاوة من سورة الكهف.
تلاوة من سورة مريم.
تلاوة من سورة الأنبياء.
تلاوة من سورة القيامة وقصار السور.
كان مولانا فضيلة الشيخ علي محمود كريم الأخلاق محسنًا إلى الفقراء
من الأناشيد والموشحات والأغاني:
أشرق فيومُك ساطع بسام، من المقام البياتي.
أدخل على قلبي المسرة والفرح، مقام بياتي.
السعد أقبل، مقام رست.
هتف الطير، مقام حجازي.
يا نسيم الصبا، مقام حجازي.
أهلا بغزال، مقام صبا.
أنعم بوصلك، مقام بياتي.
سل يا أخا البدر، مقام عجم.
فيا جيرة الشعب اليماني، مقام سيكا.
تُوفي فضيلة الشيخ علي محمود إلى رحمة الله – تعالى – بالقاهرة في الثامن من ذي القعدة عام 1366هـ – العشرين من شهر ديسمبر عام 1946م.
كتب عنه:
فضيلة الشيخ محمد علي مخلوف في كتابه تاريخ بني عدي.
الأستاذ أسامة الشاذلي الذي كتب عنه مقالا في جريدة المصري اليوم عدد 22/7/2013م بعنوان: “الشيخ علي محمود إمام المنشدين وقارئ الأسرة الملكية.
الأستاذ الدكتور محمد الجوادي الذي كتب عنه مقالا على مدونة الجزيرة بتاريخ 9/6/2020م بعنوان: “الشيخ علي محمود الذي جمع السلطتين إمامًا للمنشدين، ومرجعًا وللملحنين”.