يقول الله عز وجل: “فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لَا تُبْصِرُونَ”. يداهم العالم كل ساعة من نهار أو ليل العديد من الكائنات الدقيقة مثل البكتريا والفيروسات والفطريات والركتسيا.
وهذه الكائنات الدقيقة لا تُرى بالعين المجردة وإنما ترى إما تحت الميكروسكوب الضوئى بقوة تكبير تصل من 1000 إلى 10000 مرة مثل البكتريا والفطريات والركتسيا. بينما الفيروسات ترى من تحت الميكروسكوب الآلكترونى بقوة تكبير تصل من 500000 إلى مليون مرة وذلك لصغر حجمها. وكون هذه الكائنات الدقيقة لا ترى بالعين المجردة فهذه رحمة من الله تعالى بالبشر والكائنات التى تصيبها من حيوان أو طير لأننا لو رأينا هذه الكائنات الممرضة والمهلكة للصحة من حولنا وهى تسبح فى الهواء أو الماء أو الغذاء لهلكنا من شدة الخوف والرعب منها.
بالمثال يتضح المقال فلما بدا فيروس مثل أنفلونزا الخنازير منذ أبريل 2009 وكان انتشاره سريعا مما أدى إلى ظهور الخوف والرعب بين الأوساط العلمية والمنظمات الدولية قاطبة خصوصا بعد معرفة التركيب الجينى لهذا الفيروس والذى يعتبر فريدا من نوعه بهذا التركيب العجيب إذ يحتوى الفيروس على جينات متداخلة من فيروس أنفلونزا الخنازير فى أمريكا والمكسيك، وفيروس أنفلونزا الخنازير فى أوراسيا، وفيروس أنفلونزا الإنسان وفيروس أنفلونزا الطيور بالإضافة إلى قدرته على التحور من وقت لآخر، وقدرته على إحداث وفيات بين المصابين به أثار الرعب والخوف والفزع والهلع بين شعوب العالم قاطبة، وكذلك الحال فى وباء كورونا المستجد 2019 أو فيروس كورونا يوهان أو كما سمته منظمة الصحة العالمية (كوفيد 19).
الموضوع أهمية بالغة فى ذاته، وفى زمنه، ولغيره، ولاحقا، وفى أوجه الاعجاز العلمى فى قول الله ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ.وَمَا لَا تُبْصِرُونَ﴾.
فمن حيث أهميته لذاته فهو يتعلق ببيان خطورة الكائنات الدقيقة التى لا ترى بالعين المجردة مع أنها تحيط بنا من كل جانب والتى أقسم الله، ومن أهميته لذاته أيضا بيان أن فيروسا صغيرا لا يرى إلا بعد تكبيره أكثر من 500000 مرة تحت الميكروسكوب الإلكترونى يستطيع أن يحدث كل هذه الخسائر فى الأرواح والاقتصاد العالمى ما لا تستطيع أن تحدثه آلات الحرب الحديثة ولو استخدمت جميعها على مستوى العالم.
من أهمية الموضوع لذاته بيان الخوف والرعب الذى يسود دول العالم واستنفار منظماته وهيئاته الدولية والساسة فى جميع دول العالم لمواجهة جائحة تخيم بظلالها على رؤوس البشر، وأما عن أهمية الموضوع لغيره هو بيان ما يتعلق بنتيجة تفشى هذه الجائحة على الاقتصاد العالمى وبيان حجم الخسائر المادية الناجمة عن تفشى الجائحة، وأما عن أهمية الموضوع فى زمنه فهو ما يتعلق ببيان قصور وعجز العلماء فى التشخيص المبكر قبل ظهور الأعراض فى زمن تقدمت وسائل التشخيص إلى الكشف المبكر عن وجود مسببات الأمراض، والسرطانات بدرجة غير معهودة من قبل ،وأما عن أهمية الموضوع لاحقا فهو ما يتعلق ببيان أثر المعصية فى حياة البشر ومردود التوبة منها عليهم وصدق رسول الله ﷺ إذ يقول: “ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة”.
تنجلى أهمية هذا الموضوع فى بيان أوجه الإعجاز العلمي فى آيتين قرآنيتين، وفى بيان أن النبي الأمِّي ﷺ جاء منذ أكثر من 1441 سنة بما ظهر لاحقا من علوم حديثة غير معروفة من قبل، ولا يكون هذا إلا وحيا من الله ودليلا على صدق رسالته.
بفضل الله جمعت المادة العلمية من مصادرها الموثوق بها (كتب التفاسير والحديث والبحوث العلمية المنشورة فى مجلات علمية عالمية أو مجلات عامة عالمية) لتخدم الهدف الرئيسى وهو التحذير من التهاون بأى وباء أو جائحة، وقمت بمناقشة علمية لهذة المعلومات ابتغاء الحق والصواب، وبيانه فى أبسط صورة مع عدم التكلف والإستطراد حتى تنجلى الفائدة ببيان أن النبى ﷺ ما كان عالما فى الطب ولا البيولوجى ولا مسببات الأمراض ولا فى الصحة العامة حتى يقول هذا الكلام المعجز من خبرته العلمية بينما هو وحى من الله العليم الخبير وهذا يدل على صدق رسالته، ويكون عونا لفهم الإسلام فهما صحيحا لأنه دين العلم والمعرفة ودستور حياة لتنظيم حياة البشر وما خلقه الله فى هذا الكون الواسع الفسيح.
الدلالة اللغوية: “تبصرون”: أبصَر الشَّخصُ نظر بعينه فرأى وأدرك بحاسّة البصر:” لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا” ورأى ببصيرته فاهتدى، علم وأدرك{ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا”.
أقوال المفسرين: قال ابن عاشور: {بما تبصرون وما لا تبصرون}، فمما يبصرون:الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب، وما لا يبصرون: الأرواح والملائكة وأمور الآخرة. وقال ابن كثير: يقول تعالى مقسما لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم: إن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، وقال الطبرى: قال ابن عباس:في قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لا تُبْصِرُونَ) يقول: بما ترون وبما لا ترون.
الحقائق العلمية: الكون وما فيه مليء بأشياء عظام من الذرة إلى المجرة، ومليارات المجرات مليئة بمليارات الكواكب والنجوم ومنها مارآه العلماء ومنها ما لم يروه حتى الآن رغم عظم حجمها ولكن بسبب بعدها. وهذه المجرات وما فيها من بلايين النجوم والكواكب قد أبهرت بحق عقول علماء الفلك والفضاء، ويوجد فى الأرض وفى قيعان البحار والمحيطات كائنات عملاقة أو متوسطة أوصغيرة الحجم ومنها ما هو دقيق جدا وما رآها العلماء حتى الآن ويكشف عنها العلم تباعا وهذا مما لا يبصره الناس مع تواجدها تحت الماء الغزير الوفير، وللحديث بقية.