وضع الله المنهج المنجى لنا أن اتبعناه وطبقنا منهجه في معاملتنا، فنجد في القرآن كيفية معاملة البشر بعضهم بعض باختلاف هذه العلاقات ما بين معاملة أهل الكتاب والكبير والصغير والزوج والزوجة والأب والابن والأخ وإخوته والمواريث، بالشعوب بعضها بعض، ولكن نجد في عصرنا الحالي غيابا تاما لحسن المعاملة وهو ترس أساسي في ديننا فدين المعاملة وقد وصانا نبينا أن يجد الآخرون في أخلاقنا أيه يحتذى بها، ولكن أين نحن من ديننا الآن.
فظاهره الطلاق المتفشية في مجتمعنا الحالي أكلت كل مشاعر الود والمودة والرحمة، وقد تكلم الكثير من شيوخنا هذه الأيام عن هذا الخطر الذي يهدد نواميس الكون، فنجد الرجل لا يريد تحمل مسؤوليات الأسرة والأبناء مفضلا التنحي للزوجة لتحمل أعباء البيت والعمل والأبناء، وهو شيء لا يتناسب مع طبيعتها التي خلقها الله لها.
ونجد بعض الأزواج يعوق أبناءه ويبخسهم حقوقهم والتي لا تسقط عنه حتى بعد الطلاق أو الخلع، فالأبناء لا يتحملون وزر فشل الحياة الزوجية، ولكن ذكور هذا العصر لا يعلمون واجبهم تجاه الأبناء، فما أكثر قضايا النفقة التي تطالب الآباء بالإنفاق على أبنائهم الذين يحملون أسماءهم، ولكن البعض يجدها وسيلة للانتقام من الزوجة بتحميلها أعباء ومشقة الأبناء وتكبيلها حتى بعد الانفصال متناسين قول الله عز ووجل “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” أي: إذا طلقتها، فأنت مخير ما دامت عدتها باقية، بين أن تردها إليك ناويا الإصلاح بها والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها، وتطلق سراحها محسنا إليها، لا تظلمها من حقها شيئا، ولا تضار بها.
ونجد أيضا ظاهرة غريبة وهي مطالبة بعض الأزواج بالخلع حتى لا يعطى الزوجة حقها ويحول بيته إلى جحيم حتى لا تجد الزوجة مفرا من هذا البيت غير بالخلع، وهو ما كان يعتبره الرجال إهانة، ولكن مدعى الرجولة هذه الأيام يطالبون به حتى لا يؤدوا ما شرع الله به في هذه الحالات متناسين قول الله “ولا تمسكونهن ضرارا لتعتدوا” وهنا نهى الله -عز وجل- إمساك المرأة ضرارا لها حتى يأخذ ما أعطاها أو للأضرار بها.
وبالمعاملة الحسنة وعدم نسيان الفضل يحفظ كل من الرجل والمرأة الأسرة من أمراض هذا العصر وأيضا يحفظ الأجيال القادمة من الضياع والإحساس بعدم الأمان، فلكم أن تتخيلوا كيف سيكون هذا الجيل بعد أن اختبر أحاسيس الفقد والخذلان من الأهل: مصدر الأمن والأمان للأبناء، فكما أمرنا الله ببر الوالدين في قوله “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربا ارحمهما كما ربياني صغيرا” فقد ربطنا البر بالوالدين في الكبر بتذكره الأبناء ببرهم في الصغر “كما” ربياني صغيرا، كرد الجميل لهم بعد مشقة التربية في الصغر فإن لم يقم الوالدان بتربية الأبناء في الصغر فكيف نطالبهم بالبر لنا في الكبر!؟
وقد جاء رجل إلى سيدنا عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: إن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (أي القرآن)، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك، أما أمي فإنها ونجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا (أي خنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟!
فلا تبخسه أبناءكم حقوقهم ورجعه إلى منهج الله ولا تسمعه إلى مدعي الأنانية في هذا العصر فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وكفي بالمرء إثم أن يضيع من يعول، فستقيمه -يرحمكم الله-.