وزير المالية: نُفكِّر فى مستقبل اقتصادي أكثر استدامة
رئيسة مصلحة الضرائب: نُقدِّم تيسيرات لتخفيف الأعباء ودعم الاستثمار
رجال الأعمال: تُعزِّز المناخ وتَخْلُقُ فرصَ العمل والإنتاج
د. علي جمعة: الزكاة والضريبة لا تُغْني إحداهما عن الأخرى
د. خيري فرجاني: الزكاة للفقراء.. والضرائب للدولة
د. صلاح شعير: مُعاقبة المُتهرِّبين.. لأنهم يُبدِّدون موارد الدولة
تقرير يكتبه: مصطفى ياسين
تسعى الدولة المصرية جاهدة لخلْق مناخ من التفاهم والتعاون فيما بين جميع فئات المجتمع وطبقاته، لما فيه صالح الوطن والمواطنين.
وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة المالية مبادرة التسهيلات الضريبية، الحِزْمة الأولى، لتحقيق الشراكة القائمة على اليقين، التبسيط، خفض الأعباء، بما يؤدِّي إلى: نوايا صادقة، وعزيمة نحو التغيير للأفضل، شراكة تتسم بالشفافية والوضوح والعدالة، شراكة تعكس روح الانتماء والمعرفة الحقيقية للدَّوْر الذي تلعبه الإيرادات الضريبية في دعم موارد الدولة.
مع ضرورة التفريق بين الزكوات بأنواعها المختلفة فهي حقُّ الله، وبين الضريبة باعتبارها حقَّ المجتمع. وهذا ما أكده علماء الدِّيْن من أن الزكاة والضريبة لا تُغْني إحداهما عن الأخرى، حال توافرت الشروط والأحكام.
الانطلاقة الأولى
كانت الانطلاقة الأولى للمبادرة والتي تم الإعلان عنها نحو فتح صفحة جديدة مع المموِّلين والمستثمرين بتاريخ 2024/9/11، وكانت بدايتها تحديد التحديات التي تواجهها المنظومة الضريبية، يتلو ذلك وضع خطة ممنهجة واستراتيجية تضمن استمرارية نهج الإصلاح وِفْق خطوات ثابتة وصولا إلي أفضل الممارسات الدولية والتي تنال رضا المُمَوِّلين والمستثمرين وتنعكس بلا شك على جذب الاستثمارات ونمو الاقتصاد ومساندة المستثمرين.
وفي هذا السياق فقد تمثَّلت الانطلاقة الأولى لمبادرة التسهيلات الضريبية في 20 إصلاحا تم الإعلان عن عناوينها الرئيسية، وتم إجراء حوار مجتمعي حولها مع العديد من ممثِّلي مجتمع الأعمال خلال أكثر من 20 لقاءً وتجمُّعًا في ثلاثة أسابيع.
الحوار المجتمعي
يقول أحمد كجوك، وزير المالية: نتطلّع دائمًا للحوار مع ممثِّلي القطاع الخاص والمؤسسات الدولية على مائدة واحدة، لنفكِّر معًا فى مستقبل اقتصادي أكثر استدامة، فسياساتنا المالية تستهدف إيجاد مسار اقتصادي أكثر تنافسية وتشجيعًا للإنتاج، من خلال ربط الأنشطة ذات الأولوية بحوافز تضمن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
أضاف: إننا نعمل على إدماج البُعد المُناخي في مبادرات دفع النشاط الاقتصادى سواءً الصناعة أو السياحة. وفى مجال تعزيز تنافسية الصادرات المصرية بالأسواق العالمية، ونتطلّع إلى أفكار مُبْتَكَرَة من جانب القطاع الخاص لإدراج قضايا الاستدامة في البرنامج الجديد لمساندة الصادرات. فضلاً عن أننا نعمل على خفض الدَّيْن لخلْق مساحة مالية تمكِّنُنا بشكل أكبر من مساندة النشاط الاقتصادي والإنفاق الاجتماعي والتنمية البشرية، ونسعى لاستمرار جهود تنويع مصادر التمويل بما فيها العمل على إصدار «سندات الاستدامة» و«السندات الاجتماعية».
الثِّقَة والشراكة
وأكد وزير المالية، أولوياتنا في الضرائب والجمارك تتمثَّل فى مدِّ جسور الثقة والشراكة مع المموِّلين بحِزَم متتالية من الحوافز والتيسيرات تعالج التحديات بحلول واقعية، موضحًا أننا ندرك أن التحدي الحقيقي هو التطبيق المُتْقَن، وسنعمل بكل جهد لتحفيز العاملين على نَيْل رضا المجتمع الضريبي والجُمركي، وقد بدأنا بأول حِزْمة من التسهيلات الضريبية، ونستهدف تحسين الخدمات بما يعكس انطباعًا إيجابيًا لدى صغار ومتوَسِّطي وكبار المموِّلين.
الشراكة في النمو
من جانبها، أكدت رشا عبدالعال، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، أن وزير المالية يدعم بقوّة تنفيذ التسهيلات الضريبية، مشيرة إلى حرصه الشديد على تقديم حِزْمة الحوافز والإجراءات المَرِنَة التي تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المجتمع الضريبي، وتعزيز الثقة بين المموِّلين ومصلحة الضرائب، وتأكيده الدائم على أهمية تطوير النظام الضريبي ليكون محفِّزًا للاستثمار وشريكًا في تحقيق النمو الاقتصادي.
أشارت إلى أن موافقة مجلس النواب على قوانين «الحوافز والتسهيلات الضريبية» تُعدُّ خطوة رئيسية لعودة الثقة والمساندة والشراكة مع مجتمع الأعمال، في إطار مسار وزارة المالية ومصلحة الضرائب المصرية لتقديم خدمات ضريبية ميسَّرة وأكثر مرونة تدعم شركاءنا المموِّلين للنمو والتوسُّع، قائلة: (إننا حريصون على تطبيق حِزْمة التسهيلات الضريبية فور صدور القوانين والقرارات التنفيذية اللازمة)، موضّحة أن التسهيلات تتضمن عدم توقيع أيّة غرامات على تقديم أو تعديل الإقرارات والنماذج الضريبية عن الفترة من 2020 حتى 2024، مع السماح للمموِّلين بتسوية المنازعات الناتجة عن الفحْص التقديري خلال الفترات الضريبية المنتهية قبل ٢٠٢٠ مقابل أداء نسبة من الضريبة للحالات التي تم محاسبتها تقديريا، أما الحالات الدفترية فيتم تسوية المنازعة من خلال سداد أصل الضريبة ويتم التجاوز عن ١٠٠٪ من مقابل التأخير والضريبة الإضافية والمبالغ الإضافية، ويتم سداد الضريبة والمستحقات الضريبية خلال سنة من تاريخ الإخطار بنموذج السداد، وذلك علي أربع فترات تبدأ الفترة الأولي خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإخطار بنموذج السداد، ولا يتم احتساب مقابل تأخير علي الضريبة الأصلية خلال فترة التقسيط.
تابعت: الحزمة الأولى للتسهيلات الضريبية تركِّز على تخفيف الأعباء عن المجتمع الضريبي، حيث تشتمل على ألا يتجاوز «مقابل التأخير والضريبة الإضافية» أصل الضريبة، علاوة على توسيع نطاق العمل بنظام الفحْص بالعيِّنة؛ ليشمل كافة المموِّلين بالمراكز والمناطق والمأموريات الضريبية بدءًا من الموسم الضريبي الحالي، مشيرة إلى أننا نعمل على سرعة الانتهاء من كافة المنازعات القديمة، جنبًا إلى جنب مع العمل على دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية وتوسيع القاعدة الضريبية بجذب مموِّلين جُدُد، وتشجيع الالتزام الطوْعي.
وأعلنت أنه للمرَّة الأولى يتم وضع نظام ضريبي متكامل مبسَّط ومُحفِّز للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة وأنشطة ريادة الأعمال والمهنيين الذين لم تتجاوز إيراداتهم 20 مليون جنيه سنويا، يتضمن حوافز وإعفاءات وتيسيرات جديدة تشمل كل الأوعية الضريبية «الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة»، وسيتم إثبات المحاسبة الضريبية بسعر ضريبي نسبي يبدأ من0.4% وينتهي عند 1.5% لهم، موضِّحةً أنه سيتم إعفاء المنضمّين لهذا النظام من ضرائب «الأرباح الرأسمالية» و«توزيعات الأرباح» و«الدمغة» ورسوم الشهر والتوثيق، مع الإعفاء من تطبيق نظام الخَصْم أو الدفعات المقدَّمة، وتسهيل تقديم الإقرارات الضريبية بحيث تكون ربع سنوية وليست شهرية للقيمة المضافة.
أضافت: أول فحص ضريبي يكون بعد خمس سنوات، تأكيدًا على ثقتنا فى شركائنا صغار المموِّلين، فلدينا ثقة تامة فيما يقدِّمه المموِّل من إقرارات، ونفتح أيدينا لأصحاب الأعمال في الاقتصاد غير الرسمي؛ تحفيزًا لهم على الدخول ضمن المنظومة الرسمية والاستفادة من الدعم والمزايا المقدَّمة، حيث إنه لن تكون هناك مطالَبات ضريبية عن السنوات قبل الانضمام للمنظومة الرسمية، ليكون تاريخ انضمامهم للمنظومة بمثابة شهادة ميلاد لمشروعاتهم.
نهج إيجابي
من جانبه وصف المهندس أحمد السويدي رئيس المجموعة، والرئيس التنفيذي، والعضو المنتدب لشركة السويدي إليكتريك، ومؤسِّس ورئيس مجلس إدارة «شابتر زيرو إيجيبت»، سياسات وزير المالية بقوله: إنه يتبنَّى نهْجًا إيجابيًا في التعاون مع مجتمع الأعمال بالسعى الجاد لحل المشكلات التي تواجه القطاع الصناعي بشكل فورى، على نحو يعزِّز مَناخ الأعمال، ويعطي أملًا كبيرًا في مستقبل مليء بالفُرَص.
صداقة البيئة
وأشاد حلمي أبو العيش، رئيس مجموعة شركات «سيكم»، الأمين العام وعضو مؤسِّس لـ«شابتر زيرو إيجيبت»، بالتسهيلات الضريبية الجديدة، داعياً لضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي يخدم نصف سكان مصر، ويتأثّر بشكل كبير بتغيُّر المُناخ من خلال التحوّل نحو الزراعة المستدامة لحلّ مشكلات نُدْرَة المياه، مشيرًا إلى أنه لابد من العمل للوصول إلى الانبعاثات الصِفْرية من خلال خَفْض الانبعاثات الكربونية، مع ضرورة تبنِّى حوافز ضريبية للشركات التي تعمل على خفض انبعاثاتها الكربونية.
بيئة مستقرَّة
ويقول خالد اسماعيل- المستشار الاقتصادي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع-: فى هذه الآونة يتم إصدار حِزْمة من التسهيلات الضريبية من قِبل وزارة المالية، والتى تهدف فى المقام الأول لدعم الاستثمار من خلال جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية وخلْق بيئة ضريبية مستقرِّة ومحفِّزة.
أيضا العمل على تخفيف الأعباء المالية، خاصة للشركات المتوسّطة والصغيرة، وتبسيط النظام الضريبي من خلال العمل على تقليل المعاملات البيروقراطية التى تواجهها الشركات.
وفى هذا الصدد نجد التسهيلات الضريبية الجديدة مقدَّمة للمستثمرين الذين لا يتجاوز حجم أعمالهم الـ 20 مليون جنيه، وتأتي في إطار عدد 20 إجراءً ضريبيا، نذكر منها دعم الأوعية الضريبية مثل القيمة المضافة، الدمغة، توزيعات الأرباح، وكسب العمل، وأهم الخطوات فى تلك الإجراءات هى: العمل على ضمِّ الاقتصاد غير الرسمي والمتمثِّلة فى تشجيع غير المسجَّلِين ضريبيا، بالتسجيل في المنظومة الضريبية، مع عدم مطالبتهم بأي مستحقّات ضريبية عن الفترات السابقة.
ومما لاشك فيه أن هذه كانت من القضايا الهامة التي كانت تؤرِّق منظومة الاقتصاد المصري وهى بذلك تحقِّق التوسُّع الأُفقي لقاعدة المسجَّلِين ضريبيا، وتحقق أيضا فوائد من حيث: ضم صاحب المشروع من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي من خلال استطاعته التعامل مع الجهات الرسمية مثل البنوك والمناقصات المركزية، فهذه الإجراءات تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة وروَّاد الأعمال والمموِّلين غير المسجَّلِين.
وهنا نشير كذلك لتفعيل دور وحدة دعم المستثمرين لإزالة أي مشكلات تواجههم والمموِّلين. والجدير بالذكر أن الضرائب هي دخل المجتمع وهو ما ننشده.
التنمية الاقتصادية
يقول د. خيري فرجاني، استاذ الاقتصاد السياسي، الأكاديمية العربية للعلوم السياسية والاقتصادية: لا شك أن للفقراء حقًّا في أموال الأغنياء، وأول هذه الحقوق هو الزكاة، فالزكاة حقُّ أوجبه الله تعالى للفقراء على الأغنياء، وإذا كانت الزكاة هي حقّ للفقراء فإن الضرائب حقّ للدولة، وهي عبارة عن مبلغ من المال يتم دفعه للحكومة وفقاً للدخل الخاص بالفرد، أو تكلفة السلع، أو الخدمات التي يشتريها؛ وعليه، فإنّ الضريبة تعني دفع الفرد مبلغٍ من المال للدولة، ومن المهم معرفة أن الضرائب لا تُفْرَض فقط على الأفراد، بل تتم أيضاً على الشركات والمؤسّسات والمنظّمات الأخرى، كما يتعيَّن على الأشخاص المقيمين في البلد دفعها أيضاً.
ولا شك أيضا ان الفهم الصحيح لكل جانب من جوانب منظومة الضرائب أمر مهم للغاية، فهو يساعد الأفراد والشركات على تحديد التزاماتهم الضريبية بشكل صحيح، وبالتالي يمكنهم اتخاذ القرارات المالية المناسبة، وأيضا الاستفادة من الفُرَص الضريبية المتاحة بشكل كامل. ومن ثمَّ تأتي أهمية تلك الخطوة نحو إصلاح المنظومة الضريبية في مصر؛ حيث أعلن د. أحمد كجوك وزير المالية، حِزْمة من التسهيلات الضريبية التي تستهدف خلْق نظام ضريبي مُحفِّز، وقد تتضَمَّنت التسهيلات وضع نظام تحفيز للمموِّلين الملتزمين من خلال وضع نظام متكامل لهؤلاء المموِّلين؛ من أجل التسهيل عليهم وتحفيزهم للانضمام للمنظومة الرسمية.
وهذه الحزمة من التسهيلات الضريبية التي تم الإعلان عنها، تساهم بشكل أساسي في رفع كفاءة المنظومة الضريبية، وتوسيع قاعدة المجتمع الضريبي، واختصار الكثير من الوقت والجهد المهدور خلال المعاملات الضريبية.
هذا إلى جانب إنهاء جزء كبير من المنازعات الضريبية المتراكِمة، كما تساهم في ترسيخ فلسفة جديدة للحكومة المصرية في بناء جدار من الثقة بين الحكومة والمموِّلين، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على ما تطمح إليه الدولة المصرية من تحقيق مستهدَفات السياسة الاقتصادية الكلِّيَّة، فيما يتعلّق بزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية في زيادة حجم الناتج المحلى الإجمالي؛ وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي مُستدام، إلى جانب تحقيق زيادة في حجم الإيرادات الضريبية؛ مما يُساهم بشكل مباشر في زيادة الإيرادات العامة بالموازنة العامة للدولة، ما يعطى إمكانيات مالية أكبر للحكومة في زيادة مخصَّصات الصِّحَّة والتعليم والبرامج الاجتماعية، وبما ينعكس إيجابا على خطة الحكومة في تحقيق مستهدَفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الصادرات المصرية. هذا التوسُّع يسهم بدَوْرِه في زيادة فُرص العمل وتعزيز الإيرادات العامة للدولة من خلال رفع معدلات الحصيلة الضريبية، وهو ما يدعم الجهود الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة.
وضوح الرؤية
يضيف د. فرجاني: وقد تم وضع هذه الحوافز والإعفاءات والتسهيلات من أجل وضوح الرؤية وتحديد الحقوق والالتزامـات وتشجيع الجميع علي الانضمام لهذا النظام المتكامل، ومن أهم ملامح هذا النظام المتكامل: الإعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم الشهر والتوثيق، والإعفاء من ضريبة الأرباح الرأسمالية، والإعفاء من ضريبة توزيعات الأرباح، والإعفاء من تطبيق نظام الخَصْم أو الدُفْعَات المُقدَّمة، بالإضافة إلى معاملة ضريبة مبسَّطة للضريبة على الدَخْل، كما أن أول فحْص ضريبي بعد خمس سنوات، مع عــدم المطالبة بأي مستحقّات ضريبية عن الفترات السابقة لمن يبادر بالتسجيل بالمصلحة.
وتأتي الحِزمة الأولى كخطوة أولى ضمن خطة شاملة تستهدف تحسين العلاقة بين المصلحة والمموِّلين وتعزيز العدالة الضريبية، حيث توْلِي مصلحة الضرائب اهتمامًا كبيرًا لخلْق بيئة من الثقة المتبادلة مع المجتمع الضريبي، وضمان استفادة الجميع من التسهيلات التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات، وتحسين كفاءة النظام الضريبي، وتقديم الدعم الكامل للمموّلين، وذلك من خلال تنظيم العديد من الحوارات المجتمعية بعد الإعلان عن الحزمة الأولى، بهدف الاستماع إلى آرائهم واستفساراتهم، وهذه الحوارات تمثِّل جزءًا أساسيًا من استراتيجية المصلحة في بناء علاقة شراكة حقيقية مع المموّلين، حيث تُساهم في توضيح أهمية الامتثال الضريبي وأثره الإيجابي على الاقتصاد الوطني.
تحقيق التنمية
ويؤكد د. فرجاني: للضرائب أهمية بالغة في تحقيق التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات الاجتماعية في الدول، إذ يمكن القول إنّ الهدف العام من الضريبة هو جمع الإيرادات للدولة؛ حتى يتم استخدامها لتمويل النفقات العامة للحكومة، مثل: الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، والأمن، وغيرها من الخدمات العامة التي تعود بالفائدة على المجتمع وعلى كلّ فرد فيه. إلا أن هذا الأمر ليس هو الهدف الوحيد للسياسة الضريبية، بل إنّ هناك أهدافاً أخرى، لعل أهمها ما يلي: الضريبة تُعزِّز اقتصاد الدولة: حيث ان الضرائب أداة فعّالة في تنمية اقتصاد الدول، وتعزيز نشاطها الاقتصادي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لها، وذلك من خلال استخدام الحكومة للإيرادات الضريبية واستغلالها في تحفيز الاستثمارات المختلفة، مثل: البنية التحتية من طُرُق وموانئ ومطارات، والتكنولوجيا الحديثة والابتكار، أو الطاقة المُتجدِّدة، أو البحث والتَّطوير.. إلخ. وبالتالي الوصول إلى اقتصاد أفضل.
تُساهم الضريبة في استقرار الأسعار: حيث تساهم في الحفاظ على استقرار الأسعار، فعندما ترتفع الضريبة على السِّلع، يصبح سعرها الإجمالي أعلى من السابق، وبالتالي فإنّ الإقبال عليها سيقلّ، وإنفاق الفرد للحصول على مثل هذه السِّلَع سينخفض، وكنتيجة لذلك سيقلّ الضغط على أسواق السِّلع، وهنا يأتي دور الضريبة في التحكُّم باستهلاك الأفراد للسِّلَع، وسيصبح الطلب على السِّلَع أكثر انضباطاً، ممّا يمنع التضخُّم المفْرِط، ويؤدّي بالتالي إلى استقرار الأسعار.
كما تساهم الضريبة في خفض معدلات البطالة وتحقيق معدلات أعلى للتوظيف: حيث تساهم في ارتفاع معدلات التوظيف أو التشغيل، أي أن توفِّر الدولة عددا أكبر من الوظائف للأفراد المُستَعِدِّين للعمل، وهو ما تسعى إليه معظم الدول؛ لتحسين اقتصادها، ومن السياسات التي يمكن للحكومات اتِّخاذها لتحقيق ذلك خفْض مُعدَّلات الضرائب؛ إذ يؤدي ذلك إلى زيادة الدخل المُتاح لدى الأفراد، ممّا يزيد من قدْرتهم على الشراء، وبالتالي، يرتفع الطلب على السِّلَع والخدمات، كما يُشجِّع على زيادة الاستثمارات من قبل الشركات، وكنتيجة نهائية لذلك يتمّ إنشاء فرص عمل جديدة، مما يحقِّق معدلات توظيف أعلى.
فالضريبة تعمل على التوزيع العادل للثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية: حيث ان الضرائب لا تعمل فقط كآليَّة لجمع الإيرادات، بل تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث تقوم الحكومات بجمع الضرائب من الأفراد والشركات، ثمّ توزيعها في أشكال مختلفة؛ للحَدّ من الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ من خلال تمويل الخدمات العامة، مثل: التعليم، والصحة، والإسكان، وتنفيذ برامج تحفيز الاقتصاد، ودعم الفئات الضعيفة في المجتمع.
مصالح الدولة والمجتمع
يوضح د. أحمد سمير أبو الفتوح- أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة- أن الضريبة هي مبلغ نقدي تفرضه الدولة على الأفراد والشركات، بهدف تمويل النفقات التي تترتّب على الدولة لتأمين الخدمات الاجتماعية، ودفع رواتب الموظّفين في الدوائر الحكومية والوزارات، ولإنشاء وتأهيل البُنَىَ التحتيّة، ولدعم السلع الأساسية من أجل تأمينها للمواطن بسعر أقل. كما يُعتبر استثمار الدولة للضرائب في تحسين البنيّة التحتيّة من طُرُق وموانئ ومطارات، سبباً رئيساً في زيادة كفاءة النقل، وتقليل التكاليف، وتحفيز النشاط التجاري، وبالتالي الوصول إلى اقتصاد أفضل.
ويُعدُّ الفهم الكامل لكل جانب من جوانب الضرائب مهمّاً جداً فهو يساعد الأفراد والشركات على تحديد التزاماتهم الضريبية بشكل صحيح، ويُمكِّنهم من اتخاذ القرارات المالية المناسبة بناءً على تلك الالتزامات، والاستفادة من الفُرَص الضريبية المتاحة بشكل كامل ودون مخاطر قانونية.
يضيف د. أبو الفتوح: والضريبة “مبلغ من المال يتم دفعه للحكومة وفقاً للدخل الخاص بالفرد، أو تكلفة السلع، أو الخدمات التي يشتريها”؛ وعليه، فإنّ الضريبة تعني دفع الفرد بشكل مُلزِم مبلغاً من المال للسُّلُطات الحكومية الخاصة ببلده، وقد تكون طريقة حساب هذا المبلغ بتطبيق نسبة مئوية من دخله، أو بناءً على نسبة مئوية من قيمة العملية الشرائية التي قام بها سواء كانت سلعة أو خدمة.
ومن المهم معرفة أنّ الضرائب لا تُفرض فقط على الأفراد، بل تتم أيضاً على الشركات والمؤسسات والمنظّمات الأخرى، كما يتعيّن على الأشخاص المقيمين في البلد دفعها أيضاً، وتختلف نسب الضريبة بأنواعها باختلاف النظام الضريبي في كل بلد.
والضرائب هي “الثمن الذي ندفعه مقابل مجتمع متحضِّر”، وعلى الرغم من أنّ الدول قد تختلف في مدى ونوعية التحضّر الحاصل مقابل دفع الضرائب، إلّا أنّه لا يمكن إنكار دور الضرائب وأهمّيّتها.
والهدف العام من الضريبة هو جمع الإيرادات للدولة؛ حتى يتم استخدامها لتمويل النفقات العامة للحكومة، مثل: الصحة، التعليم، البنية التحتية، الأمن، وغيرها من الخدمات العامة التي تعود بالفائدة على المجتمع وكلّ فرد فيه.
ولا يقتصر الهدف من وجود الضريبة على تمويل نفقات الدولة، وأنّ وجود الضريبة لا يعني جمع الأموال من المواطنين وإنفاقها من قِبل الدولة على الخدمات، إلّا أنّ هذا الأمر ليس الهدف الوحيد لسياسة الضريبة، بل إنّ لديها أهدافاً أخرى، حيث إن الضريبة تُعزِّز اقتصاد الدولة وقد تكون الضرائب أداة فعّالة في تنمية اقتصاد الدولة، وتعزيز نشاطها الاقتصادي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لها، ويكمن الأمر في كيفية استخدام الحكومة للإيرادات الضريبية؛ كاستغلالها في تحفيز الاستثمارات في كافَّة المجالات، مثل: البنية التحتية، التكنولوجيا، الابتكار، وغيرها.
واستثمار الدولة للضرائب في تحسين البنية التحتية من طُرق وموانئ ومطارات، سبباً رئيساً في زيادة كفاءة النقل، وتقليل التكاليف، وتحفيز النشاط التجاري، وبالتالي الوصول إلى اقتصاد أفضل.
كما قد تستخدم الحكومة الضرائب وسيلة لتحفيز الاستثمار والإنتاجية في قطاعات معينة كتخفيض الضرائب، أو الإعفاءات الضريبية للشركات التي تُستثمر في مجالات مُعيَّنة، مثل: التكنولوجيا الحديثة، أو الطاقة المُتجدِّدة، أو البحث والتَّطوير، ممّا يُسهِم في تطوير تقنيات جديدة ومُنتَجات مُبتَكَرة، وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الاقتصاديّ، أو أن تُوجِّه الدولة أموال الضرائب لرَفْد قطاعات اقتصادية مُعيَّنة أكثر حيوية وفائدة، ممّا يحقّق فوائد اقتصادية أعلى، كما تساهم في استقرار الأسعار.
وعلى الرغم من أنّ هذه الفائدة قد تكون قصيرة المدى في الحقيقة، إلّا أنّ وجود الضريبة قد يُساهم في الحفاظ على استقرار الأسعار، حيث عندما ترتفع الضريبة على السِّلع، يصبح سعرها الإجمالي أعلى من السابق، وبالتالي فإنّ الإقبال عليها سيقلّ، وإنفاق الفرد للحصول على مثل هذه السِّلَع سينخفض، وكنتيجة لذلك سيقلّ الضغط على أسواق السِّلع، وهنا تحديداً يأتي دور الضريبة في التحكُّم باستهلاك الأفراد للسِّلَع، وسيصبح الطلب على السِّلَع أكثر انضباطاً، ممّا سيمنع التضخُّم المفْرِط، ويؤدّي بالتالي إلى استقرار الأسعار.
العدالة والشفافية
أشار د. أبو الفتوح، إلى أن التعديلات الضريبية الجديدة التى أقرَّتها الدولة تهدف إلى التيسير على المشروعات المُسَجَّلة لدى مصلحة الضرائب المصرية التي لا يتجاوز رقم أعمالها خمسة عشر مليون جنيه، وكذلك العمل على توسيع قاعدة المجتمع الضريبي من خلال ضمّ مشروعات الاقتصاد غير الرسمي إلى منظومة الاقتصاد الرسمي، تحقيقاً لمبادئ العدالة والشفافية ومساندة جهاز تنمية المشروعات المتوسّطة والصغيرة ومتناهية الصِغَر لما يقابله من تحديات عند تطبيقه لأحكام القانون رقم 152 لسنة 2020، مما ترتّب عليه عدم استفادة هذه المشروعات من المزايا الضريبية التى يقرّرها، فضلاً عن أنه لم يضع مُعاملات ضريبية لكافّة الأوعية الضريبية، ولم تَسِرْ أحكامه على المهنيين.
وتعمل مصلحة الضرائب على الانتهاء من إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الحوافز والتيسيرات الضريبية الجديد وهو نظام ضريبي متكامل للشركات الصغيرة وأنشطة ريادة الأعمال والمهنيين يشمل حوافز وإعفاءات وتيسيرات لكل أنواع الضرائب «الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسم التنمية”.
والقانون يتضمن الإعفاء من «ضريبة الدمغة» و«رسم التنمية» و«رسوم الشهر والتوثيق»، و«ضريبة الأرباح الرأسمالية» و«توزيعات الأرباح»، وإقرار ضريبة نسبية مبسَّطة على الإيرادات السنوية، حسب حجم الأعمال دون الحاجة لحساب صافي الأرباح وتسهيل الإجراءات لتخفيف الالتزامات الضريبية عن صغار المموِّلين، من خلال إقرار مبسّط لضريبة الدخل سنويًا، وآخر لضريبة المرتّبات والأجور، وإقرارات ربع سنوية وليست شهرية للقيمة المضافة لمن حجم إيراداته لا يتجاوز 20 مليون جنيه سنويًا، ونظم مبسَّطة للسجلات والدفاتر والمستندات، وكذلك الإعفاء من نظام الخصم تحت حساب الضريبة أو الدفعات المقدّمة، وسيكون أول فحص ضريبي بعد 5 سنوات وتيسيرات في التحصيل والسداد وقياس رضاء المموّيلين>
خطوات تيسيرية
ويشيد الخبير الاقتصادي د. صلاح شعير، بتلك الخطوات التي اتخذتها الحكومة وتؤدّي إلى تبسيط الإجراءات وتشجيع المموّلين على التسجيل والسداد فكلّها أمور جيدة ومفيدة، كما أن اقتصار الالتزام بتقديم إقرارات القيمة المضافة على أربعة إقرارات في العام، والاكتفاء بتقديم إقرارات ضريبة المرتّبات والأجور على إقرار التسوية السنوية، لأن ذلك سوف يخفِّف بعض الأعباء المهنية على المموّلين ومصلحة الضرائب معًا.
أضف إلى ذلك كل ما يتعلّق بتطوير قُدْرات العاملين في هذا المجال، والتدرُّج في التصالح وغيرها.
يستدرك: ولكن توجد بعد الملاحظات على بعض الإعفاءات، لأنه لا يجب أن تتنازل الدولة عن بعض مواردها وهي تعاني من مشاكل في تدبير النفقات الحتْمِيَّة، وخاصة في المجال الصحّي وغيره، فعلى سبيل المثال لا يوجد مبرِّر للإعفاء من ضريبة الدمغة، لأنها تحقّق عائدا يقدَّر بنحو 35.989 مليار حسب موازنة 23/24م.
كذلك ضريبة الأرباح الرأسمالية، والتي قُدِّرت حسب موازنة 23/24 بنحو 2.675 مليار جنيه، وسند ذلك أن هذه الضريبة تُفْرَض على أرباح بيع الأصول المستهلَكَة بالمؤسسات الإنتاجية، وأن بعض الأشخاص بهذه المؤسسات يحصلون على نسب منها كمكافآت على جَهْد ليس لهم علاقة به، ومن باب أولى أن تُلْغَى هذه النسب لصالح زيادة عائد المؤسسات، وتبقَى الضريبة كما هي.
أما بالنسبة للإعفاء من ضريبة توزيعات الأرباح، يجب التفرّقة بين الضرائب التي يدفعها صغار العاملين وهذه الأرباح من الأفضل إلغائها، كنوع من زيادة في دخل القوى العاملة، أما أعضاء مجالس الإدارات الذين يحصلون على نحو 5% من صافي الربح بعد الضريبة لا يجب إعفاؤهم منها، لأن رواتبهم الشهرية كبيرة، تتراوح ما بين 50: 200 ألف تقريبًا، هذا بخلاف بَدَل حضور الجلسات.
كذلك يجب مراجعة كافة الإعفاءات، لضمان جدواها في تسريع معدلات التنمية، فعلى سبيل المثال كل أنشطة التنمية العقارية، والسلع الترفيهية لا يجب أن تخضعان لأي إعفاء، وأن يقتصر الإعفاء على الإنتاج الزراعي، أما الأنشطة الصناعية التي تُسهم في توطين التكنولوجيا فيجب دعمها لفترات محدودة، لأن الصناعة التي لا تستطيع تحقيق نتائج جيدة خلال ثلاث سنوات من بدء النشاط، من الصعب استمرارها.
وعلى الدولة وضع ضوابط حاسمة لمواجهة التهرُّب الضريبي لزيادة مواردها، وخاصة أن هذه المشكلة هي مسئولية مشتركة بين كل من: المموِّل والمحاسب القانوني، ومأمور الضرائب، ومعاقبة كل من يثبت قيامه بالاشتراك في تبديد موارد الدولة.
الزكاة والضريبة
على جانب آخر، يوضح د. علي جمعة، المفتي الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن “الزكاة هي حقُّ الله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن التهاون فيه، أما الضرائب فهي حقُّ الدولة لأنها تجمع الضرائب لتستفيد بها في تسليح الجيش وتطويره، وكذلك الإنفاق على أشياء أخرى في الدولة كالطُرُق وحفْر الترع، والزكاة من أبواب التكافل الاجتماعي، أقرَّها الله حتى لا يكون بيننا فقير أو محروم، وأيضا الزكاة دَفْعٌ لعَجَلَةِ الإنتاج وزيادتها أكثر”، مؤكِّداً أن الإنفاق في الزكاة وإخراج حقّ الله علينا تزيد البَرَكَة وترفع البلايا، فالزكاة حائط الصدّ الأول، فهي تجلِب الأمن وضمان أكبر لدوران الحياة داخل المجتمع، لأن الفقير إذا ظلَّ جائعا والمسكين لا يجد قُوْتَ يومِه فسيحدث ما لا يُحْمد عقباه.
وقال: حينما كنت مفتيا للجمهورية سُئِلْت عن حُكْم الاكتفاء بدفع الضرائب عن أداء الزكاة؟ فأكَّدْتُ أن الزكاة رُكن من أركان الإسلام، وهي تشريع إلهي مستمر، وعبادة مالية فرضها الله تعالى في مالِ المسلم، بشروط ومقادير مخصوصة، وعيَّن مصارفها في كتابه الكريم؛ فلا يصح إنفاقها في غير ذلك.
أما الضريبة فالأصل أنها مشروع تكافلي يخضع للسياسة الشرعية؛ حيث أجاز الشرْع الشريف للحاكم تقييد المُباح، وأَخَذَ العلماء من ذلك أنه يجوز لولِيِّ الأمر أن يفرض على الناس جباية دورية حسب ما تُمليه المصلحة العامة، بشرط العدالة في أخذها والأمانة في صرفها.
وبناءً على ذلك: فإنَّ دفع الضرائب لا يُبْرِئُ ذمة المسلم من الزكاة، بل عليه إخراج الضريبة وتكون بمثابة الدَّيْن الواجب في المال، فإن بلغ الباقي نصاب الزكاة -بعد حاجاته الأصلية- ومرَّ عليه الحول وجب عليه إخراج الزكاة.