د.ياسر غياتي: فرصة عظيمة لتكفير الذنوب ورفع الدرجات والفوز بالجنة
الشيخ عبدالعليم عبد الله: فضائل رمضان تفوق غيره تكرمًا من الله علينا
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد ناصر بمدينة بنها – محافظة القليوبية بالتعاون بين جريدة عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تحت عنوان:” فضائل شهر رمضان” أن للشهر الفضيل فضائل يتميز بها عن غيره من الشهور لأن من حكمة الله تفضيل بعض الأيام والشهور والأماكن على بعض لحكمة يعلمها الله وحتى نتسابق في العبادات وفعل الخيرات طاعة لله.. وأوضحوا أن خيرات وفضائل رمضان كثيرة جدًا ، وطوبى لمن استثمرها ليصل إلى أعلى الدرجات في الجنة ، والخيبة والخسران على من فرط فيها واتبع هوى نفسه وتمنى على الله الأماني ..بدأت الندوة بتلاوة قرآنية للشيخ عبد المرضي علي، واختتمت بابتهالات للشيخ حجازي السعيد، حضر الندوة الشيخ علي المليجي، مسئول الدعوة الالكترونية بالمديرية، والشيخ أنور السيد غنايم، إمام وخطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتى، أننا الآن في شهر عظيم مبارك، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تُفتح فيه أبواب الجنات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، وتُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه ﷺ وأمر الناس بصيامه، فهو “أوكازيون” إلهي بكل ما تعني الكلمة من معانٍ، ولهذا أخبرنا أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم، ومن جميل أقوال الإمام ابن الجوزي” تاللّهِ لو قيل لأهلِ القبور تمنَّوا، لتمنوا يومًا من رمضان”.
ضوابط شرعية
أكد الدكتور ياسر غاياتي، مدير أوقاف القليوبية، أن من حكمة الله سبحانه أن فضل بين خلقه زمانًا ومكانًا، ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال الله تعالى:” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان”، وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، وجعله شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”، وفيه ليلة عظيمة تعد مكافأة للمسلمين حيث جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، فقال الله تعالى:” لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ”، وقال صلى الله عليه وسلم:” من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”. ومن أدركه فلم يُغفر له فقد رغم أنفه وأبعده الله، بذلك دعا عليه جبريل عليه السلام، وأمَّن على تلك الدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بدعوة من أفضل ملائكة الله، يؤمّن عليها خير خلق الله، وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال الله تعالى:” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام:” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، وقال صلى الله عليه وسلم:” ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم”، وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان.
وأوضح الدكتور غياتي أن علينا حمد الله على نعمة الإيجاد والخلق من العدم، وأن جعلنا من أمة الاسلام، وأن بلغنا شهر رمضان، فقد كان الصحابة يدعون الله نصف العام بقبول شهر رمضان ونصفه أن يبلغهم شهر رمضان، فشهر رمضان شهر الخيرات والبركات والنفحات والأنوار، وعلينا أن نستعد لاستثمار تلك النفحات، ويكون محل استقبال تلك النفحات القلب، لأن القلب المملوء لا يقبل، وكما قال العلماء مشغول لا يشغل، فعلينا تخلية القلب لاستقبال الرحمات والسكينة، كما أن الانوار لا تنزل في قلب محشو بصور الأغيار، فترتحل الأنوار من حيث أتت، فلا يخرج العبد من رمضان بشيء، فقد روى الصحابي الجليل أبو هريرة ” أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رقِيَ الـمِنْبرَ، فقال: آمينَ، آمينَ، آمينَ، قيل له: يا رسولَ اللهِ، ما كُنتَ تَصْنَعُ هذا؟! فقال: قال لـي جِبريلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أدرَكَ أَبَوَيْه أو أَحَدَهما لَـمْ يُدْخِلْه الجنةَ، قلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عليه رَمضانُ لَـمْ يُغْفَرْ له، فقلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَه فلَمْ يُصَلِّ عَليْك، فقُلتُ: آمينَ.” ففرغ قلبك من الاغيار، إنك بشهر الصيام، ولنحذر أمراض القلب التي قال عنها الله تعالى “كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ “.
وأوضح أنه يجب على العبد الصائم التوبة من الزلات والغفلات والشهوات، وجنابات القلب من كره وبغض وحقد وأنانية والغيبة والنميمة والكذب وأكل أموال اليتامي ظلمًا وغيرها من الموبقات المهلكة للحسنات وتجعل صاحبها من المفلسين الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ”، وعلى الصائم ان يتجنب كل مفسدات الصيام من أقوال وأفعال وأن يسارع في إصلاح ذات البين:” أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ.لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ”، فمن أراد ركوب سفينة رمضان ويغنم الثواب العظيم الذي يوصله لرضا الله في الدنيا، ويدخله الجنة في الآخرة فليطهر قلبه من جميع الأغيار.
ودعا الدكتور الغياتي الصائمين إلى الفوز بدرجات الإسلام الثلاث وهي الإسلام والإيمان والإحسان، وهذا ما وضحه الحديث الذي رواه الفاروق عمر بن الخطاب:” بينما نحن عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ، لا نرَى عليه أثرَ السفرِ ولا نعرفُه، حتَّى جلس إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فأسند ركبتَه إلى ركبتِه ووضع كفَّيهِ على فخذِه ثمَّ قال: يا محمدُ أخبرْني عن الإسلامِ، ما الإسلامُ ؟ قال: أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ وتقيمَ الصلاةِ وتؤتيَ الزكاةَ وتصومَ رمضانَ وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سبيلًا. قال: صدقتَ: قال عمرُ: فعجِبنا له يسألهُ ويصدقُه.فقال: يا محمدُ أخبرني عن الإيمانِ ما الإيمانُ ؟ قال: الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ كلِّه خيرِه وشرِّه. قال: صدقتَ.قال: فأخبرني عن الإحسانِ ما الإحسانُ؟ قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ…” ففي رمضان جميع العبادات حيث يرتقي بالعبد من درجة الإسلام إلى درجة الإيمان، بما يحويه من أركان، ولا يتوقف الصيام بالعبد عند درجة الإيمان وانما يرتقي به إلى مقام الإحسان، عبادة لله كأنه يراه، فلا يقدم على التعدي على صومه ليقينه أن الله مطلع عليه ويراه، فيرتقي إلى أعلى درجات المراقبة، قال الله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”، فتتحول “المراقبة” إلى “قرب” لذلك جاءت آيات الدعاء بعد آيات الصوم قال الله تعالى:”إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، والرشاد الأكبر أن يترقى الإنسان من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان.
فضائل عظيمة
أكد الشيخ عبد العليم عبد الله عبد العليم، عضو المركز الإعلامي بوزارة الأوقاف، أن هناك فضائل ومواصفات خاصة لشهر رمضان دون غيره من الشهور فقال ﷺ:” إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة”، ويجب على الصائم أن يخلص نيته لله حتى ينال عظيم الثواب، فقال ﷺ:” من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه”، ويجب الطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة، وعدم العجلة، لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب، قال سبحانه:” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ” وقال النبي ﷺ:” وجعلت قرة عيني في الصلاة” وقال للذي أساء في صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها”
أشار الشيخ عبد العليم إلى أنه عند تعرضنا لفضائل شهر رمضان لا بد من الوقوف على قضية أساسية وهي أن هذه الفضائل ليست مقابل جهد للعبد في الطاعة والعبادة، وإنما هي محض فضل وكرم ومنة من الله تبارك وتعالى الذي يمنُّ بالخير، ويثيب عليه الجزيل، فالله هو الذي أعطى العبد الخير من توفيق للطاعة، وإعانة عليها، وقبول لها، ثم مَنَّ على الطائع بعد ذلك بالفضل الجزيل، مع التأكيد أن علينا أن نتعرض لفضل الله تبارك وتعالى بافتقار إلى المزيد، وإنكار ما قدم العبد من خير لئلا يمن على الله تعالى بطاعته، فحين يُقبِل العبد على ربه مُعلِنًا افتقاره لرضاه ولتوفيقه للطاعة ثم قبولها منه، فإن الله تبارك وتعالى يتقبل منه مع مضاعفة الأجر، وقد اختص الله تبارك وتعالى شهر رمضان بأن جعل صومه له عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”، وعلينا الوقوف بيقين على حقيقة الدين وأن كل صغير أو كبير في هذا الكون، وكذلك من التشريعات الإلهية إنما هو بحكمة الحكيم الخبير رب العالمين، وأن أحاديث فضائل شهر رمضان التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاءت إلا بأمر إلهي، ولحكمة إلهية، وفي الوقت الذي أراد الله إظهارها لخلقه، فكل شيء في هذا الكون بقدر معلوم ووقت محدود قال اله تعالى:” وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ”، فما من شيء إلا والله قادر على إيجاده بقدر معلوم، وتخصيص من مُخَصِّصْ حكيم، وقال الله تعالى” وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ”، وقال سبحانه وتعالى” كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ”، والنبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى عنه:” وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى”، فكل أمر إلهي في القرآن الكريم أو في السنة النبوية إنما هو لحكمة وبحكمة أرادها الله سواء علمها العبد أو جهلها.
وقال الشيخ عبد العليم: حين نتأمل حكمة الأمر الإلهي ندرك أولًا: أن الله تعالى غني عن طاعة الطائع، فلا تنفعه طاعة طائع ولا تضره معصية عاصٍ، ولكنه يرضى الطاعة من الطائع قال الله تعالى:” إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ”، وأن المستفيد الأول من التزام الأمر الإلهي إنما هو العبد. ثانيًا: أنه لا عبرة بأعيان الأفعال سواء كانت بدنية محضة، أو مالية صرفة، أو بما له تعلّق بالوجهين، ولكن العبرة باقترانها بالإخلاص، فإذا انضاف إلى إكساب الجوارح إخلاص القصود، وتجرّدت عن ملاحظة أصحابها للأغيار صلحت للقبول، وذلك قول الله تعالى:” لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ”، وحينئذ يصل العبد إلى الغاية القصوى فيتحقق بالتقوى والتي هي شهود الحقّ بنعت التفرّد فلا يشاب تقرّبك بملاحظة أحد، ولا تأخذ عوضا على عمل من بشر.
واستطرد قائلًا: العبد حين يتعرض لفضل ربه، فإنه يُقابل بإكرام من الله تبارك تعالى حيث بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يبلغ للناس ما يتفضل الله به عليهم في شهر رمضان، ليزداد العبد حُبا لربه حين يدرك لطفه وإنعامه عليه، ومن الفضائل التي بلغها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من ربه: أولًا: أن من قام رَمَضَانَ، اسْتحق اسْمَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ إِذَا جَمَعَ مَعَ قِيَامِهِ رَمَضَانَ صِيَامَ نَهَارِهِ، وَكَانَ مُقِيمًا لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، مُؤَدِّيًا لِلزَّكَاةِ، شَاهِدًا لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، مُقِرًّا لِلنَبِيّ – صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالرِّسَالَةِ، روى ابن خزيمة في صحيحه عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَصُمْتُ الشَّهْرَ، وَقُمْتُ رَمَضَانَ، وَآتَيْتُ الزَّكَاةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”.
ثانيًا:أن من تقبل أمر الله بصيام رمضان إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، واحتسابًا لأجره عند الله كان جزاؤه أعظم بكثير من طاعته، فيغفر الله تبارك وتعالى له ما تقدم من ذنبه عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ثالثًا:من فضائل الشهر الكريم أن خص الله الصائمين بدخول الجنة من باب «الريان»؛ قال سيدنا ﷺ:«إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»، وجعل خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ قال سيدنا رسول الله ﷺ:«والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
وأنهى الشيخ عبد العليم كلامه مؤكدًا أن الله كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه لأن الصيام وسيلة للتقوى التي هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقى العبد عذاب الله وغضبه، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربى إلى الله، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا.