من المهم أن نفرق بين وظيفتي الدعوة و الإفتاء
لأن هناك فرق كبير بين الدعوة و الإفتاء.
فالأولي تقوم علي الموعظة الحسنة و مخاطبة القلوب لحمل الإنسان على الفعل و الترك كما قال تعالي : “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ( النحل : ١٢٥)
الواعظ
و في سبيل ذلك قد يلجأ الواعظ لشئ من المبالغة يتحقق به ميل المدعو إلي الفعل و القيام به أو زجره عنه و تركه إياه.
الإفتاء
أما الإفتاء فإنه يقوم على توضيح الحكم توضيحا دقيقا من حيث الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة و لا يلجأ القائم به للتهويل أو التهوين.
الدعوة
و من هنا فليس كل من يصلح للدعوة أو الوعظ أو ليس كل من يقوم خطيبا في الناس و داعيا إياهم إلي مكارم الأخلاق و الإلتزام بما أمر الله تعالي و الإنتهاء عنا نهي عنه يصلح للقيام بمهمة الإفتاء.
وذلك لأن المفتي موقع عن الله و لذا شبه القرافي رحمه الله رحمة واسعة المفتي بالترجمان عن مراد الله تعالي و جعله ابن القيم رحمه الله بمنزلة الوزير الموقع عن الملك و أيضا لأنها مهمة جليلة القدر عظيمة الخطر لأنها بيان عن الله تعالي فيما اختص به نفسه من حيث التحليل و التحريم و لذا توعد الله القائلين عليه بغير علم
فقال _ تعالي : ” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” ( النحل : ١١٦ _ ١١٧).
علوم الدعوة
فالدعوة لها علومها المؤهلة للقيام بها و لها أساليبها المعينة على أدائها؛ من معرفة أحوال النفس و كيفية مخاطبتها و حملها على الفعل أو الترك و الإلمام بفضائل الأعمال و عواقبها ما يختلف إختلافا كبيرا عما يلزم الفتوي من علوم و من أساليب من معرفة الأحكام و أدلتها بدقة و انضباط دون تفخيف أو ترقيق و من الإلمام باختلاف الفقهاء و طرائق نظرهم و اجتهادهم و من ثم لا يجوز الخلط بين مقام الدعوة و مقام الإفتاء.
رجال الفتوى
فالفتوى لها رجالها فالمفتي لا بد أن يكون عالما بكتاب الله عالما بالعام و الخاص و عالما بالناسخ و المنسوخ فلا ينبغي لمن قرأ كتابا أو اثنين أو ثلاثة في العلوم الشرعية أن يفتي في الحلال و الحرام أو يتوهم أنه أصبح مفتيا ويصدر نفسه للإفتاء فهذه كارثة كبري تهدد الدين و المجتمعات المسلمة الذي أصبح يعيش حالة من السيولة في الفتوي بسبب عدم التفريق بين الدعوة و الإفتاء.
و للأسف كثيرا ما نري عدم التفريق بين مقام الدعوة و مقام الإفتاء؛ ما يوقع المتصدرين في عدم الدقة العلمية و يوقع المستفتين في المشقة و الحرج.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلي دينه و إلي الحق ردا جميلا.