كمبالا من محمد الأبنودي
وإيهاب نافع:
أطلق الدكتور محمد البشاري، أمين عام المجلس الإسلامي العالمي للمجتمعات المسلمة استراتيجية عالمية وخطة محددة لمواجهة التطرف وعلاج آثاره في كل ربوع الدنيا جاءت تحت عنوان:”الشباب في مواجه التطرف.. خطة مواجهة وعلاج” .
وأكد البشاري في كلمته بالجلسة الرئيسية لمؤتمر دور الشباب المسلم في بناء أفريقيا الغد” أنه تشتد الحاجة كل يوم لطرح خطة عملية وواقعية لمواجهة وعلاج ظاهرة التطرف، حتى لا تقتصر جهود الباحثين والمفكرين والمختصين بالظاهرة، على ردود الأفعال المترتبة على الأحداث والتحولات التي تغير من عالمنا، وتقوده نحو طريق مجهول.. مشيرا إلى أن هذا المؤتمر الإقليمي الثاني إنفاذاً لتوصيات المؤتمر التأسيسي للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الذي انعقد يومي 8-9 مايو 2018، في أبو ظبي، وبخاصة ما ذكر في ميثاقه في الباب الثالث، من فصله الأول، في بنده 12 والذي ينص على: “أن نكون دعاة للخير والأعمال المفيدة لديننا وللمجتمع والبلاد التي نعيش في كنفهما، ونشارك بإيجابية وفعالية في تنميتها “. وفصله الثاني، في البند 12و 13، والذي ينص على:” دعم الأنشطة التوعوية التي تستهدف الشباب المسلم للحد من إمكانية استقطابهم من طرف المتطرفين سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي” و ” إنشاء قنوات آمنة للشباب لمناقشة مخاوفهم من التطرف أو الآراء المتعلقة بالمسائل الدينية أو السياسية”. وفي فصله الثالث، بنده 22، والذي ينص على: “تفعيل مراكز الطفولة والشباب وتحصينهما من جماعات التطرف والإرهاب والفساد الأخلاقي”.
وذكر البشاري بأن الدراسات العلمية تشير إلى تزايد انضمام الشباب إلى الخلايا الإرهابية صغيرة العدد، والتي تعمل أحيانًا تحت اسم حركات الإسلام السياسي، أو الدواعش المحلية، ولا تقتصر خطورة انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب على انضمامهم كمقاتلين عاديين لتنظيم داعش أو عملهم كدواعش محليين، وإنما على استخدام داعش بعض هؤلاء “الشباب” للعمل كمنظرين فقهيين للتنظيم، وتقديم الإسلام السياسي لهم كفقهاء، وأنه تنبع خطورة ما سبق من اتساع حجم شريحة الشباب من إجمالي عدد السكان، وتزايد استخدامهم لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة وتعرضهم إلى الرسائل السياسية والإعلامية التي تبثها التنظيمات المتطرفة، والتي تستخدم الانترنت كـ “جامعة” لتدريب الشباب وتجنيدهم على القيام بأعمال إرهابية. فمن ناحية أولي، يمثل الشباب شريحة واسعة من أغلب المجتمعات.
أضاف: من ناحية ثانية، فإن هذه الفئة ناشطة بتميز على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وفي استخدام الهواتف المحمولة، وهو ما يزيد من تعرضهم لخطر التجنيد الالكتروني.. مبرزا أن التعامل مع موضوع التطرف يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار العوامل المحلية والخارجية التي ساهمت في تأجيجه، والتي لا تزال تعتبر مغذي أساسي لها، ومن ذلك يترتب علينا كعلماء ومتبصرين ومثقفين أن نضع خطة محكمة رصينة و شاملة.
وقدم البشاري في بحثه مقترح خطة للمواجهة تقوم على الأسس ومجالات خمسة أساسية أولها إستعادة دور المرجعيات الدينية، والتي تعتبر دور المرجعيات الدينية حاسما في مواجهة خطاب التطرف والإهاب، وتحصين الشباب منه، وذلك لأن المنصات التي تستقطب وتجند الشباب توظف حجج دينية مغلوطة لتمرير أفكارها وبرامجها، ويعتبر تفيعل المرجعيات الدينية أمراً شديد الأهمية بخاصة في أوساط غنية بالتعددية كدول شرق إفريقيا، منوها أن التعددية بحد ذاتها لا تسبب ولا يمكن ان تسبب أي خلل في البنية والمنظومة الفكرية لدى المجتمعات ، ولكن طريقة وأسلوب إدارة التعدديات هو الذي يشكل عامل نهوض بأجيال المجتمعات أو يُستخدم ويستغل في نشر الفتن و تحقيق المآرب المبطنة .
وعرض إلى أنه مما يعظم من ضرورة إنعاش وتكثيف دور المرجعيات الدينية، ما توصلت له مراكز الابحاث من نتائج مؤكدة عن دور المواقع الالكترونية في استقطاب الشباب لزقاق التطرف والتأثير عليهم، وما يواجهه شباب العالم كافةً من تلقف المعلومات الدينية دون أدنى تدقيق أو مراجعة وهذا سيتلزم ان يكون هناك مزيد من التعاون فيما بين مؤسسات المرجعيات الدينية، وأبرز ميادين ضخ القنوات الإعلامية. مع التركيز على المنصات الإعلامية التي تمارس الخطاب الديني بلا ضابط أو حد أو منهاج واضح، أنه وبالنظر لما سبق فيتحتم علينا لجم مفرزات ظاهرة “الدعاة الجدد” الذين اتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي، حيزاً لزيادة الشعبويات لهم،رغم أن الكثير منهم يندفع لبث ثقافة أجيال كاملة، دون مؤهل شرعي معتمد أو مرجعية ثابتة صائبة.
وبين أن صناعة الخطاب الديني عبر الاعلام ، حول باستغلال البعض من رسالة قائمة دائمة مطلوبة في كل وقت وكل مكان إلى صناعة موسمية حيث يعيش بعض الدعاة طوال العام على ذمة برنامج رمضاني بإنتاج مليوني ضخم وكأنهم يصنعون سينما ويروجون لفيلم ، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل : لماذا حول البعض (الدعوة ) إلى صناعة و (شو اعلامي)؟ وهل أفاد ذلك الشباب المسلم و تحدي التحصين من تيارات الغلوأم أضر بها ؟ وكيف يمكننا أن نعود بالدعوة لجادة الطريق لتحقق هدف نشر الخير و المحبة؟ وهل الفضائيات بإنتاجها الضخم والراعيات الإعلانية الكبيرة وعقود الاحتكارات واشكاليات تملق بعض (الدعاة الجدد) لتوجهات فضائية بعينها .. هل أضر كل ذلك برسالة الاعلام و معه رسالة(الدين) أم أفادها؟
وأقل ما يمكننا عرضه من مخاطر هذه ال”ظاهرة”، اعتماد بعض مقدمي البرامج للاسلوب المستفز، نيلاً من رواة الحديث ، والتشكيك في صحيح البخاري ومسلم ، ولو كان جادا في طرح علم ، و تبني لمنهج مصادم مع ثوابت الامة ، يخلق حالة الشك عند المتلقي الذي بدوره سيبحث عن صحيح المعلومة الدينية في الفضاء الأزرق الدي أصبح منصة المتطرفين و المتعصبين، ولنا حرية التصور كم من الضبابية ستحيط بمنظمة أبنائنا الفكرية.
وطرح الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة في استراتيجية مواجهة التطرف عناصر أخرى رئيسية هي التنشئة “التربية و التعليم”
داعيا لتخصيص دورات مكثفة تأهيلية للمدرسين، حول قضايا التطرف، والعمل على إيجاد بيئة تعليمية مشجعة ومحفزة للأجيال، للسمو بأهدافهم ومنحهم الثقة بقدراتهم لبناء الأفضل، والحرص على توفير عوامل وإجراءات صون الأجيال من التأثيرات الإيدولوجية العابرة للقارات، وإشراك مؤسسات الأسرة والمجتمع المدني في العملية التربوية، وإيلاء الجامعات عناية مكثفة، وخطوات منظمة لأفواجها منذ دخولها وحتى التخرج، لصناعة مشروع ناجح لإفريقيا يحمله كل خريج في منظومته الفكرية الواعية والناضجة.
كما صمن استراتيجته المواجهة القانونية وذلك أن التوفيق بين حقوق الإنسان وبين حريته في الرأي والتعبير، وبين المحافظة على الحرية الدينية، ومواجهة خطاب الكراهية والتمييز أمر صعب جدا، ويحتاج بنية قانونية صارمة من أجل تحقيقه والحفاظ عليه. وفي الوقت ذاته برزت بعض المظاهر التي لا يختلف عليها عاقل، بأنها خارجة عن نطاق الحرية في التعبير أو الديانة، ولذا لزم مواجهة تلك المظاهر بالجانب القانوني الذي يعتبر ركيزة لكافة المجالات التي ذكرت سابقاً، وإن لم يوضع المجال القانوني في سياقه فسيتم خرق الحريات بحجة التمتع بالحريات، واخراجها عن سياقها. وانتهاكها بشكل فوضوي، ولذا لزمت المواجهة القانونية، وبخاصة من خلال تجريم إزدراء الأديان، تفعيلاً لقرار الأمم المتحدة رقم 65/224 الصادر في أبريل 2011 الذي يقضي بتجريم ازدراء الأديان، و نزولاً عند التوصية الصادرة من الامم المتحدة عامي 2005/2008م، والتي منعت ازدراء الأديان، إضافة للقرار رقم 16/18الصادر عن مجلس حقوق الإنسان، والذي ينص على مكافحة التعصب و القولية النمطية السلبية و الوصم و التمييز والتحريض على العنف وممارسته ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقدهم”، وكذلك تجريم الإرهاب الالكتروني، إنفاذاً لإعلان أبو ظبي لتجريم الإرهاب الالكتروني، الصادر في العاصمة الإماراتية أبو ظبي خلال «المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الإلكتروني» يومي 15 و16 مايو 2017، والذي دعى المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة لضرورة تفعيله مؤخراً في استراليا في ابريل – 2019، خلال اجتماع الأمين العام للمجتمعات المسلمة، مع دار الإفتاء الأسترالية، ونخبة من نواب استراليا والذي ضم ما يلي:
– أولاً: اعتماد اتفاقية دولية ملزمة تحظر الإرهاب الإلكتروني بكافة أشكاله بما في ذلك محاولات التجنيد والتحريض على الإرهاب والدعوة إليه والإشادة به وتمويله وعدم التبليغ عنه بالإضافة إلى الدعوة إلى العنف والكراهية والتمييز العرقي والديني والإساءة إلى الآخرين وإلى الأديان.
– ثانياً: دعوة الدول الى تبني مقتضيات هذا الاتفاق الملزم وتفاصيل مبادئه وتوضيحها أكثر في قوانينها الداخلية ووضع قانون خاص يتعلق بالجرائم الإلكترونية.
– ثالثاً: إنشاء هيئات وطنية للمعلوماتية والحريات والأمن الإلكتروني تتولى وضع سياسات واستراتيجيات في إطار سيادة القانون لرصد ومجابهة المحتوى الرقمي الذي ينطوي على مخاطر إرهابية.
تجريم الغلو في التكفير، وملاحقة مروجيه على المنصات الإعلامية، ومنصات التواصل الاجتماعي، تنفيذاً لقرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في الكويت، مارس – 2015. والتي جاءت ب:
– التأكيد على قرار المجمع رقم: 125(1/17) الصادر في الدورة السابعة عشرة، بشأن الإسلام والأمة الواحدة والمذاهب العقدية والفقهية والتربوية، والمتضمن عدم جواز تكفير أي فئة من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وأركان الأيمان وأركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
– التأكيد على قرار المجمع رقم: 175(1/19) بشأن الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية: أبعادها وضوابطها، والمتضمن الحكم بأن الفتوى بالردة أو التكفير مردها إلى أهل العلم المعتبرين مع تولي القضاء ما اشترطه الفقهاء وإزالة الشبهات…، ويحذر من خطورة المحاولات التي تتجه إلى نسبة التكفير إلى طائفة من طوائف المسلمين وإلصاقه بها، فضلاً عن تكفير الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين أو التقليل من مكانتهم وتقديرهم.
وافرد البشاري في استراتيجته مساحة خاصة للتعاطي الإعلامي مع ظاهرة التطرف داعيا لضرورة مراعاة ما جاء مع التشديد عليه من قبل المختصين في هذا المجال، والتي طرحت في ورشة تناولت الموضوع ذاته مختومة باقتراح عدد من الإجراءات العملية لتطوير التعاطي الإعلامي العربي مع ظاهرة التطرّف والإرهاب، إذ يعتبر الإعلام أحد أنجع وأبرز وسائل أسلحة التصدي والعلاج للتطرف وأفكاره. مما يفضي لجيل محمي ومسلح ضد الإرهاب والتطرف، إذ أن أفضل وسيلة لمحاربة الفكر المتطرف داخلياً محاصرة منابعها وبؤر بثها وترعرعها، وتشتمل على الآتي وداعيا لإنشاء وحدة إعلامية متخصّصة، من شأنها التعامل مع قضايا التطرّف، والتركيز على فئة الشباب. – وضع استراتيجية إعلامية واضحة المعالم للتصدي للتطرف. – إثراء القنوات الإعلامية، بحضور قوي لدعاة السلم والتسامح. – إنتاج محتويات إعلامية تساهم في مكافحة التطـرّف والارتقاء بالوعي المجتمعي من خلال: (الدراما، الموسيقى، برامج الأطفال، برامج وثائقية، ومضات توعوية…). – إنشاء وحدة رصد لدراسة التغطيات الإعلامية المختلفة لقضايا التطرّف والإرهاب. – التخلي عن خطاب العنف والكراهية والتحـريض فـي الخطاب الإعلامي الذي يعالج قضايا التطرّف والإرهاب. – إصدار مدوّنة سلوك وميثاق أخلاقيات يتمّ فيه ضبط قواعد التعامل مع الأحداث الإرهابية، وتنظيم دورات تدريبية دورية ومستمرّة لتنمية مهارات الصحافيين المتخصّصين في تغطية التطرّف والإرهاب والأزمات، وتطوير أشكال وأساليب التفاعل مع الجمهور والجهات ذات الصلة،و إدخال أهم الكتب الورقية “المعتدلة”، للمنصة الرقمية، وتوفير ترجمتها للغات كافة، و إنشاء مراصد مراقبة منصات النشر الالكتروني في اللغات كافة.
كما أفرد البشاري مساحات أخرى لكل من المجال الإلكتروني والمواجهات الاجتماعية والامنية للتطرف والإرهاب.
وخلص البشاري في طرحه المطول لاستراتيجية م اجهة الإرهاب قدمت بعض الدول العديد من البرامج التي هدفت إلى وقاية الشباب من الأفكار المتطرفة، وأثبتت سعيها الجاد ومحاولتها تطبيق هذه البرامج على أبرز المجالات، وبخاصة بعد صدى أحداث 11 سبتمبر 2001، فشملت تعديل المناهج التعليمية، وإتباع عدد من السياسات لضبط الخطاب الديني، وإعادة تأهيل المتطرفين، والتوقيع على الاتفاقيات. وبالرغم من اتباع هذه البرامج، إلا أن فعاليتها لا تزال محدودة سواء في مجال وقف انضمام الشباب إلى التنظيمات المتطرفة أو الحد من قيامهم بتنفيذ أعمال إرهابية ذات بعد طائفي، وهو ما يستدعى بكل جلاء إعادة تقييم هذه البرامج، بالتزامن مع تكثيف التعاون الإقليمي والدولي من أجل المواجهة الشاملة للتطرف العنيف.
وأضاف: من أبرز الأمثلة على ذلك، ماقدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ لم تغفل الجوانب العملية بل وزامنتها مع التعاون والتشبيك الأمثل بين الطاقات، مفرزة نموذج “قوة ناعمة”، وإدارة تحولات يحتذى به. ولنا أن نعرف بأن هنالك أكثر من 65% من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة من السيدات، وخمسة وزراء من الشباب، إدراكًا من القيادة الحكومية لأهمية دور المرأة والشباب كقوة ناعمة في المجتمع، إضافة لما تعمل عليه الحكومة، من ترجمة أعمال وقيم وتحديات الشباب إلى سياسات ومبادرات مثل مركز “هداية”، و”صواب”، و”المعهد الدولي للتسامح”.