جاء الدين الإسلامي الحنيف حاثاً أتباعه على النشّاطِ والجدِّ وعدم الركون، وأقر لهم قاعدة هامة ومميزة ألا وهي قاعدة (التغيير) في حياة كل منا، وجعلها مبنية على قدرة الأفراد على تغييرهم لأنفسهم، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى من سورة الرعد آية رقم 11: ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” وفي ذلك حكمة إلهية سامية جعلت مسألة التغيير للمجتمعات راجعة إلى تغيير ما في أنفس أفراده، وهنا نرى أن مسألة التغيير بيد الإنسان، وأمر راجع إلى خياره وقراره لأنه صانع التغيير، وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويحققه ويدلل على ذلك قول الله تعالى من سورة الأنفال آية رقم 53 : ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”
ويؤكد هذا المعنى ما أورده الدكتور/ محمد بن أحمد الرشيد في كتابه إعداد الشباب لتحديات المُستقبل بقوله:” فالتغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أمرٌ يقع في نطاق البشر ، وعليهم تقع مسؤولية اختيار أحد النجدين : نجد الهُدى والخير والصلاح، أو نجد الضلال والشر والإفساد”. ثم يُضيف قوله: ” إن تغيير ما بالأنفُس من أفكارٍ ومفاهيم واتجاهاتٍ وميول، أمرٌ موكولٌ للبشر بقدَّر الله ، وذلك هو ما تُشير إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى من سورة الشمس: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”.
دواعي التغيير كما يصورها العلماء:
1. أن التغيير سُنةٌ كونيةٌ، وأمرٌ فطريٌ في هذه الحياة الدنيا؛ إذ إن حياة الإنسان قائمةٌ على مبدأ التغيير .
2. أن في التغيير اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسنته الشريفة التي تُخبرنا أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم غيّر كثيراً من شؤون حياته وحياة أصحابه القولية والفعلية.
3. أن التغيير سبيلٌ لبلوغ الكمال البشري المأمول ، وتحقيق الأهداف والغايات المنشودة، وما دمنا لم نبلغ هذه الدرجة -ولن نبلغها- ؛ فإن علينا أن نحرص على التغيير الإيجابي المطلوب لنقترب قدر المستطاع منها .
4. أن التغيير دليلٌ على الطموح والتطلع والرغبة في تحقيق الأفضل والأجمل والأكمل.
وتختلف مبررات التغيير باختلاف الزمان والمكان واختلاف الأحوال والظروف، فكم من أوقات مهدرة في حياتنا جميعاً لم نستفد منها بشيء، وهذا يدل على الجُهد الضائع والعقول المعطلة دون جدوى، والقدرات الغير مفعلة، أضف لذلك الاستسلام المطلق لمختلف العادات والتقاليد الخاطئة في المجتمع، وعدم بذل اي محاولة إيجابية للتغيير أو التعديل أو التصحيح.
وختاماً : يأتي بناء الفكر والعقل الرصين بمتطلبات كثيرة أهمها تعزيز المهارات الإدراكية والعقلية، وتمكين الاشخاص من اتّخاذ قراراتٍ سليمة في المواقف الصعبة، ومن ثمّ تدريبهم على بناء العقل بمبدأ الاختلاف، حيث أن الإيمان بهذا المبدأ يجعل العقل قادراً على الإبداع والحركة، وفيه يتمكّن الإنسان من قبول الآخر، وقبول الأفكار المضادّة دون تشدد أو تحزب وبه نحصل على التغيير المنشود نحو الأفضل.