د. بسيم سلام: بيئة إيمانية روحانية.. ما أحوجنا إليها
تحقيق: هالة السيد موسى
ما إن يحل شهر رمضان حتى تتبدل السلوكيات المرفوضة التى نعانى منها فى المجتمع فى أيامنا العادية، الى سلوكيات طيبة، حتى أننا نتمنى أن تصبح السنة كلها “رمضان” من حيث الأخلاق والسلوكيات والمعاملات فيما بين الناس، وجميعنا يتسائل: لماذا لا تصبح معاملاتنا وأخلاقياتنا الرمضانية هى السائدة طوال العام؟
يشير د. بسيم سلام- دكتوراة فى علم الاجتماع بجامعة حلوان- الى ان الشهر الكريم يحظى على مدار التاريخ باهتمام بالغ من الناس، إعدادا وتجهيزا واستقبالا، ويتميز شهر رمضان بابتعاد كثير من الأشخاص عن المحرمّات وتجنّب ارتكاب المعاصي، وفي مجتمعناـ كما في الكثير من المجتمعات الإسلامية الأخرىـ توجد بعض العادات والسلوكيات الحسنة التي يجب أن تُنَمَّى وتُقَوَّى، كما توجد في المقابل بعض العادات والسلوكيات الخاطئة التي يرفضها المجتمع والتي ينبغي التخلص منها، وإحلال السلوكيات الحسنة مكانها، وشهر رمضان يعالج بالروحانيات والطاعات وتسود فيه رغبة جماعية في التقرب الى الله بالأعمال الصالحة من صوم وصلاة وزكاة، فهذا شاب قادته قدماه لأبواب المساجد وهذا شيخ كبير استعد للشهر الكريم بمصحفه وعزم على ترتيب ورد يومي من قراءة القرآن والذكر بمختلف صوره وأشكاله، وما بين الطاعات والأجواء الروحانية لابد من منع الأفعال والسلوكيات السلبية التي تخرجنا من هذه الحالة الروحانية، أفعال وظواهر اعتدنا أن نراها يوميا في مجتمعنا لابد وأن تختفي في رمضان، وفى كل شهور العام وفى شهر الخير هناك انخفاض ولو بسيط في سلوكيات السرقة والقتل والتحرش والسطو وقطع الارحام وعدم الانفاق علي الفقراء والسرقة والتحرش، ولأننا مجتمع متدين بالفطرة نلاحظ ان شهر رمضان يؤثر في سلوكيات الكثير من الناس والبيئة نفسها بيئة رمضان بيئة ايمانية روحانية، يكثر بها الطاعات والتقرب الي الله والاحسان الي الفقراء وانتشار الاجواء الايمانية من موائد رمضان وتعدد صور الاحسان المختلفة التي نراها في مجتمعنا المصري من التصدق علي الفقراء صلة الارحام الانفاق علي الفقراء، اما في رمضان تعود صلة الأرحام، والصدقات والزكاة ونجد تكافل وترابط المجتمع وتقوي اواصر المجتمع ورعاية المحتاجين ومساعدة وكفالة الايتام.
بيئة الصلاح
يستطرد د. بسيم: فالبيئة كلها توحي بالصلاح، الكل يسعي الي رضاء الله حيث ان كل انسان بداخلة جانب مضئ وهذا الجانب تحركه النزعة الدينية وشهر رمضان كله نفحات ايمانية، وان كان يوجد في المقابل اعمال سلبية ولكن يغلب عليها الحياء والاستحياء.
ايضا نجد في شهور السنة ترتدي البنات والنساء ما تشاء، اما في رمضان فإنها تحرص علي الحشمة فلا نجد متحرشا، حيث أن السارق او القاتل او المتحرش او المغتصب او قاطع الرحم او غير المنفق لا يعيش منعزلا عن المجتمع، ولكنه إنسان يصيب ويخطئ، وبالرغم من أفعاله السلبية إلا أن بداخله جانب مضيء، وهنا نقول أن كل شاب مجرم او مخطئ بالطبع لديه نزعة دينية رغم قيامه بتلك السلوكيات، وتلك النزعة تزيد في شهر رمضان تؤثر عليه وتجعله يمتنع أو يبتعد عن تلك السلوكيات السيئة والسلوكيات السلبية المرفوضة.
يؤكد د. بسيم، انه اذا التزم المجتمع ببعض اخلاق شهر رمضان لقلَّت الجريمة تدريجيا، وإذا أردت تغيير سلوكٍ ما، عليك بتغيير الفكرة وراء هذا السلوك؛ وإذا أردت زراعة سلوكٍ ما، ازرع أولًا فكرة تولّد هذا السلوك وتحركه، وازرع الفكرة الطيبة الايجابية، فالأفكار تتحول إلى قيم، والقيم تتحول إلى معتقدات، والمعتقدات تتَرجم في نفس الإنسان إلى مشاعر، والمشاعر تصنع وتولّد السلوك ومن هنا يتغير السلوك وتتغير أي عادة مهما كانت بتغير الفكر وزراعة فكر ايجابي جديد.
وايضا نبذ المجتمع لاي سلوك مشين ورفض هذا السلوك له اثره في تغيير الشعوب، فمثلا عند رؤية الناس شاب يقوم باي عمل مرفوض في رمضان ينهونه ويصفونه بشخص غير ملتزم دينيًا فيؤثر ذلك فيه، لكن في الأوقات الاخرى لا يهتم المجتمع بما يقوم به الأفراد من سلوكيات سلبية، وقبول المجتمع لظواهر السلبية وعدم التحرك امامها بدعوى “وانا مالي وانا هعدل الكون” ونتاج هذه السلبية دمار المجتمع ودمار الشعوب، لذا نجد الرفض الذي يصدره المجتمع في شهر رمضان كفيل بالتأثير فيه ويجعله يكف عن مثل تلك السلوكيات التي يقوم بها في مثل هذا الوقت من العام.
في النهاية ما يفعله شهر رمضان في تغيير المجتمع وبناء المجتمع وكمالة المجتمع تعجز باقي الشهور علي مدار العام علي القيام به علي اتمني مع نهاية الشهر الكريم ان نشعر بالتغيير، وان نتسمك جميعا بالسلوك القويم.
سلوكيات ايجابية
وعن تغير السلوكيات خلال الشهر الكريم يرصد د. محمد حسن غانم- أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة حلوان- عددا من الاسباب اهمها ان شهر رمضان له خصوصية حضارية ثقافية دينية لدي الشخصية المصرية تحديدا، فما ان تهل بشائره حتي نجد المتخاصمين وقد تصالحوا بل يسعي كل منهم الي الصلح وفقا للحديث الشريف (وخيرهم الذي يبدأ بالسلام)، ثم تتواصل الأرحام وقد يحدث قبل شهر رمضان ألا يرفع الاخ سماعة التليفون لشقيقه او عمه او غيره، كما ان شهر رمضان به العديد من السلوكيات الايجابية حيث يظهر الورع والتدين وازدحام المساجد خاصة صلاة التراويح والفجر وجلوس الناس الي شروق الشمس وحساب الزكاة وتوزيعها وكذلك الصدقات، ايضا نجد التواد والتراحم بين أبناء الأسرة الواحدة والجيران، اضافة الي ان إحصائيات الأمن العام تؤكد انخفاض الجريمة في كافة المجالات، ايضا من السلوكيات الجميلة ان جميع الكازينوهات وعلب الليل تغلق ابوابها ولابد ان تكف الراقصة والمنحرفة عن أداء عملها، لكن ما ان يعلن المفتي عن اول ايام العيد حتي تعود الامور الي ما كانت عليه قبل الشهر الكريم! وتعود العصبية لأتفه الاسباب وقد تصل للتشابك بالايدي، الإحجام عن مساعدة الفقراء المتعففين وغيرهم، قطع صلة الأرحام الا قليلا والمبرر الانشغال والجري وراء لقمة العيش، العودة لعدم اتقان العمل والتكاسل والمقاهي وهو سلوك مرفوض لان اتقان العمل هو من صميم الدين وفقا للحديث الشريف (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).
الوقاية الكبرى
ويؤكد د. أحمد عشماوى- الأستاذ بجامعة الأزهر- أن العبادات سبيل قوي في فطام الإنسان عن العادات السيئة في السلوكيات، فقد وجدنا قول الله تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وإذا نظرنا بعين التأمل في فريضة الصيام سنجدها من أقوى التدريبات النفسية والبدنية لمن أراد أن يقتلع من أعماق نفسه حب كل محرم وفعل كل قبيح، ومن أجل ذلك كانت الغاية من فرض الصيام واضحة فقال (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ففي الآية خطاب ونداء للمؤمنين خاصة لأنه لن يهتم ولن ينفذ إلا المؤمنون حقا. ثم جعل الله الغاية في قوله “لعلكم تتقون” دلالة على أن الصيام عامل قوي في وقاية الإنسان فهو يقي نفسه من ذل المعاصي ويقي نفسه من ذل إدمان العادات السيئة. وقالوا قديما: خير عادة ألا تكون للإنسان عادة. وذلك كله ينتهي إلى الوقاية الكبرى من عذاب الله يوم القيامة.
وعلى هذا فالصيام طبيب معالج وحكيم ناصح ومربي فاضل ومصحة نفسية وبدنية لا مثيل لها. من أجل ذلك يحتاج الصيام إلى رجال بمعنى الكلمة لا يرضون بالدنية ومن أجل عزتهم وكرامتهم يقهرون بإرادتهم القوية كل عادة سيئة وكل ذنب ومعصية. لكن آفة الناس أنهم يملكون قواهم في رمضان وحده ويتركون بقية الشهور من السنة! فحينما ينتهي رمضان تخور قواهم وتضعف عزيمتهم وتستعبدهم الأشياء وهؤلاء كانوا عبادا مؤقتين يعبدون وقتا بعينه! ونسوا أن الله هو رب رمضان ورب غير رمضان! ونسوا أن الله قد جعل رمضان بمثابة تخزين للطاقة الإيمانية التي تخدم المسلم على مدار العام. وعلى هذا فمن أخلص لله فهم أن الله أراد أن يخلصه في رمضان من عناء ذنوبه ومن شر نفسه ومن سيئات أعماله ومن فهم ذلك وعمل بذلك استخلصه الله في معية عباده المخلصين وفي القرآن الكريم (إنه من عبادنا المخلصين) وفيها قراءة بفتح اللام لتفيد أن الله تعالى استخلصه ومن استخلصه الله جعله عبدا له وحده لا عبدا لغير الله ولا أسيرا للشهوات والسيئات.
يستطرد د. عشماوى قائلا: من هنا نوجه النداء إلى أنفسنا بأن التغلب ليس بالفوز في جولة ولكنه بالاخلاص والصدق يستمر في كل جولة. وفي القرآن الكريم (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها) فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.