طارق عبدالله
من المعروف أن شهر رمضان المبارك، هو شهر الانتصارات العظيمة التى هزت أركان العالم بأسره، بل أسست لحضارات ودول كبرى، وخلَّصت بلادا من سطوة الاحتلال، وأنهت أسطورة عديدٍ من الجيوش التى زعمت أنها لا تُقهر.
وكانت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، على موعد مع الفتوحات والانتصارات في هذا الشهر الكريم، ففي هذا الشهر المبارك وقعت أهم أحداث التاريخ الإسلامي الظافر وأروع الانتصارات، ومن صفحات الماضي الزاخر بالأمجاد الخالدة، ففيه حقق المسلمون أول انتصار حاسم للإسلام على قوى الشرك والباطل، في “غزوة بدر” التي أطلق عليها القرآن الكريم “يوم الفرقان”، وفيه فتح المسلمون مكة ليشهد تحولا تاريخيا كبيرا في بناء الدولة الاسلامية، وفيه أيضا توقف الزحف التتاري على العالم الإسلامي عند عين جالوت على يد القوات المصرية التي قهرت هذا الجيش الذي قضى على عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد، وفيه فتح القائد المسلم طارق بن زياد الأندلس، كما فتح فيه الظاهر بيبرس أنطاكية في الرابع عشر من شهر رمضان سنة 666 هـ، وفيه فتح المسلمون أيضا مدينة بلغراد عام 927 هـ على يد السلطان سليمان القانوني، إضافة إلى العديد من الانتصارات والفتوحات التاريخية التي نسردها في هذا التقرير:
بدر.. ومكة
بدأت انتصارات المسلمين منذ ظهور الإسلام بغزوة بدر الكبرى في 17 رمضان 2هـ، حيث تعد أول غزوة للمسلمين بقيادة رسول الله، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة بدر التي وقعت فيها المعركة، وأسفرت عن انتصار ساحق للمسلمين رغم قلة عددهم الذي لا يزيد عن ثلاثمائة مجاهد، مقارنة بتعداد جيش قريش الذي زاد عن الألف.
وكان من نتائجها أن دفعت القليل من الظلم عن المسلمين الذين هجّرتهم قريش، ونهبت أموالهم وتجارتهم، وشكّل بعدها المسلمون رقماً صعباً في موازين القوى بالجزيرة العربية، كما أنها أفادت الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة المنورة اقتصادياً وقوّتها عسكرياً، وباتت شرايين اقتصاد قريش المعتمد على القوافل بين أيدي المسلمين.
وفي العشرين من شهر رمضان 8 هـ، كان فتح مكة الذي دخل الناس في أعقابه في دين الله أفواجا، ويعتبر فتح مكة هو أعظم الفتوحات الإسلامية ويسمى بالفعل بـ”الفتح الأعظم” بعد أن نصر الله، عبده ورسوله الكريم، والمؤمنين ورزقهم نصراً مبيناً من عنده لفتح أغلى المدن «مكة» البلد الحرام.
وقع فتح مكة في 20 رمضان 8 هـ، وكان رسول الله، قد جهز لفتحها جيشاً كبيراً قوامه 10 آلاف مقاتل، إلا أنه أوصى أصحابه وجنوده بعدم قتال المسالمين من أهلها والنساء والأطفال والعجائز، ودخلها بدون قتال يُذكر.
الأندلس وعمورية
تم فتح الأندلس في رمضان عام 92هـ تحت راية الدولة الأموية، وعلى يد القائد طارق بن زياد، الذي نزل بجيشه في المنطقة التي تُعرف حالياً بجبل طارق، ثم توجه شمالاً حيث هزم ملك القوط لذريق هزيمة ساحقة في معركة وادي لكة، وفتح مناطق واسعة من إسبانيا، والبرتغال، وجنوب فرنسا المعاصرة. وبقي سلطان المسلمين في الأندلس لمدة ثمانية قرون من الزمان، وأقاموا حضارةً لم تعرفها البشرية حتى إن هذه اعتبرت «منارة أوروبا» خلال العصور الوسطى.
أما فتح عمورية، فقد قادَه الخليفة العباسي المعتصم بالله في رمضان من عام 223هـ، والذي انتصر فيه على توفيل بن ميخائيل ملك الروم بعد أن سوَّلت له نفسه الطمع في بلاد المسلمين؛ حيث خرج قائداً على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، وهاجم مدناً في حدود الدولة الإسلامية، وقتل الأطفال والشيوخ، وخرب البلاد وأسر النساء وسباهن، وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت، وقالت: “وامعتصماه!”، فلما وصل الخبر إلى “المعتصم” خليفة المسلمين استشاط غضباً، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: “لبيك”، وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، ووصل إلى المدن التي خربها الروم وكانوا قد رحلوا عنها، ولكن المعتصم أصرّ على تتبع الروم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمَّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة.
المعركة الفاصلة
تعتبر معركة عين جالوت إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وقعت في 25 رمضان من عام 658هـ، وخلالها استطاع جيش المماليك بقيادة “سيف الدين قطز” إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول، ودارت المعركة في سهل عين جالوت، بين بيسان ونابلس في فلسطين، وكانت الغلبة للمسلمين، واستطاع الآلاف من المغول الهرب من المعركة واتجهوا قرب بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة، وأبيد جيش المغول بأكمله.
وكان لمعركة عين جالوت أثر عظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول في تحجيم قوتهم، فلم يستطع القائد المغولي “هولاكو” الذي كان مستقراً في تبريز من التفكير في إعادة احتلال الشام مرة أخرى.
وفي شهر رمضان أيضا فتح المسلمون مدينة أنطاكية التي كان الصليبيون يحتلونها، وذلك في 14 رمضان سنة 666 هـ على يد الظاهر بيبرس، حيث حاصرها في مستهل رمضان وفتحها يوم السبت (الرابع عشر) وغنم منها أشياء كثيرة، ووجد عدداً كبيراً من أسرى المسلمين، وكان حاكم أنطاكية من أشد الحكام أذى للمسلمين حين احتل التتار حلب، وتعتبر أنطاكية من مراكز الصليبيين الرئيسة.
فتح بلجراد
في 26 رمضان 927 هـ تم فتح مدينة بلجراد، حيث قام السلطان سليمان القانوني بمحاصرة بلجراد انتقاماً من ملك المجر الذي قتل السفير العثماني، وأرسل السلطان قائده المشهور “بيري” لمحاصرة بلغراد، ثم تبعه هو حيث اشتد الحصار وفتحت المدينة بعد دفاع أهلها عنها، وأخلى الجنود قلعتها ودخلها العثمانيون بعد ذلك، حيث أدوا أول صلاة جمعة فيها.
10 رمضان
وفى العصر الحديث، وتحديدا في العاشر من رمضان 1993هـ/ 6 أكتوبر عام 1973م، كتب الله النصر للمصريين على أعدائهم الصهاينة المغتصبين الذين جاروا على بقعة مباركة من أرض مصر، وهى “سيناء”، على مدار 6 سنوات عجاف، حيث علت كلمة “الله أكبر” إلى عنان السماء، وزُلزلت الأرض من تحت أقدام الأعداء الغاشمين، وألقت الرعب فى قلوبهم، حتى كتب الله النصر لأبناء أرض الكنانة، وعادت إلى أحضانها فلذة كبدها سيناء الحبيبة، وفي هذه المعركة تحطمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، بعدما قدم المصريون أروع البطولات في الانتصار على الجيش الإسرائيلي وتحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس.
ومما سبق من هذه الفتوحات والانتصارات نتعلم أموراً كثيرة منها:
– إنّ رمضان المبارك هو شهر البطولات والانتصارات، إذ شهد أكبر 5 معارك وغزوات أثرت على التاريخ الإنساني كله، وليس على العالم الإسلامي فقط، وعلى المسلمين أن يدرسوا تاريخهم المجيد، لالتقاط العبر والعظات، وصدق الله العظيم: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، {الحج- 40}.
– كان الرسول، حريصاً على أن تكون أغلب الغزوات التي قادها في شهر رمضان، حيث أراد تعليم أمته احتمال الشدائد، واجتماع المجاهدتين، مجاهدة النفس ومجاهدة الأعداء؛ لتكلل كل الغزوات والمعارك في شهر رمضان بالانتصار والفوز بنصر مبين من الخالق سبحانه وتعالى.