د. جمال فاروق: تجديد النية يحقق الارتقاء والنقاء الروحي
الشيخ عبدالعزيز النجار: تحري الصالحات والاجتهاد للفوز بالثواب
د. أحمد عشماوي: الاقتداء بالرسول طريق الوصول
تحقيق: خلود حسن
شهر رمضان فرصة عظيمة لمراجعة النفس وتجديد العزيمة والإقبال على العبادة، وبعض الناس يستقبل الشهر الفضيل بحماس ونشاط ويُقبلون على الصلاة في وقتها بالمساجد والحرص على التراويح والقيام والصدقات والتحلي بالفضائل، ولكن سرعان ما يخفت هذا الشعور وربما يبدأ في التكاسل والفتور!
سألنا العلماء عن كيفية الاستفادة من الشهر الفضيل واستثماره في الارتقاء الأخلاقي والتوبة وغرس القيم الإسلامية في النفوس.
يقول الشيخ عبدالعزيز النجار، رئيس المنطقة الأزهرية بالمنوفية, الشهر المعظم فرصة للإنسان للتغيير الشامل والاقتراب من الله بالعبادة والطاعات والابتعاد عن الذنوب والمعاصي، موضحاً أن بعض الأفراد لا يحسن استثمار الشهر جيدا فنجده بعد أيام لا يحرص على الصلاة في المساجد ولا يلتزم بقراءة القرآن، وينشغل في الاستعداد للعيد بالتسوق وشراء الجديد من الملابس وإخراج الشهر عن الحكمة من صيامه وهى التقوى وعدم الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الذي كان يجتهد في الشهر الكريم، وكان أكثر اجتهادا في الثلث الأخير منه، فيشمر عن ساعد الطاعة والعبادة ويجد ويزيد من العبادة ويبدأ في التفرغ لعبادة ربه والاعتكاف بالمسجد.
ويضيف: السيدة عائشة- رضي الله عنها- روت أن النبي “كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره” والمعنى هو الاستعداد الجاد للعبادة والطاعات والاجتهاد فيها أكثر من المعتاد وقضاء بالسهر في الصلاة وتلاوة القرآن والتوبة والاستغفار وغير ذلك، وكان-عليه الصلاة والسلام- حريص على أيقظ أزواجه لقيام الليل ومن الثابت انه كان يوقظ أهله في كل العام، ولكنه كان يوقظ أهله لقيام بعض الليل فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي والجد والاجتهاد في عبادة الله وألا يضيع هذه الأيام المباركة، فالمرء لا يدرى هل يدرك رمضان آخر أم هذا هو حسن الخاتمة.
شهر النفحات
ويؤكد الشيخ النجار، أن المسلم الحصيف يغتنم أيام الشهر ونفحاته فربما تكون ليلة القدر من حظه ويُكتب من السعداء، ففي هذه الأيام الباقية تتصاعد الحسنات فقد جعل الله فيها ليلة هي خير من ألف شهر، فالنبي قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه”، فالاعتكاف يحقق صفاء القلب والروح، فمدار الأعمال على القلب كما في الحديث، “إلا وأن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب”, وعلى الإنسان الحرص على تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وتأمل معانيه وامتثال أمره واجتناب نهيه لقوله: “يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما”، فعلينا أن نستشعر حلاوة الصيام والقيام والصدقة وتلاوة القرآن ونتذوق طعم الأنس بالله والقرب منه سبحانه والصبر على الطاعة والعبادة.
الالتزام والطاعة
أشار د. جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية، إلى أن الأصل في الطاعة النشاط لها وشدة الرغبة في أدائها، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه دائمًا “اللهم بلغنا رمضان”، ففي رمضان أنه كان ينتقل في عبادته تدريجًا من الأيسر إلى الأشد، حيث ثبت عنه أنه إذا جاء العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وهجر أهله ولزم معتكفه، ففي هذا دلالة على أن الأصل في الطاعات أن تنتقل بك من التدرج الروحي والسمو الأخلاقي والارتفاع عن الماديات وطغيانها إلى درجة الصفاء والنقاء، فإذا ما وصل إلى العشر الأواخر من رمضان, وأيضا سبب هذا هو التعود على الطاعة ولكن لم يكن نابع من الداخل لذلك لم يستطيع استكمال شهر رمضان بنفس الحماس والنشاط.
مضاعفة الأجر
ووصف د. أحمد عشماوي، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر, شهر رمضان المبارك بأنه ضيف كريم يزورنا في كل عام مرة، وخصه الله سبحانه وتعالى بنفحات مباركة لكونه شهر القرآن، فيقول الله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه”، وجعله الله بمثابة فرصة عظيمة فقد بسط يد النجاة لمن أراد النجاة، ففي حديث نبي الرحمة: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ألا فتعرّضوا لها، وإن لربكم في أيام صومكم نفحات ألا فتعرّضوا لها ألا فتعرّضوا لها “، ويتميز الشهر الكريم بمضاعفة الأجور وهدوء الخواطر والأنفس وتغير البرنامج اليومي الروتيني في حياة الناس.
ويوضح د.العشماوي، أن المسلم يثاب على عبادة الصوم، التي يشوبها نوع من المشقة والتعب حتى تظهر الحكمة من هذه العبادة ويراها المسلم في نفسه لكي يتذكر إخوانه الفقراء والمحتاجين والمرابطين الذين يعانون من كثير من معوقات الدهر والتي لا يعيشها سواهم ولا يحس بها المسلم في حياته العادية، بل إن إحساسه يأتي عندما يعاني من بعض المتاعب أثناء صيامه وهي الحرمان من الطعام والشراب ونحوهما.
أضاف: البعض يُخطئ فيقضي كل أو أغلب ساعات صيامه في النوم حتى ولو كان يؤدي الصلوات في أوقاتها؛ لأن طول مدة النوم خلال الصيام تفقده واحدة من أهم حِكَم الصيام، وهي كما ذكرنا الإحساس بالمشقة والتعب، وبالتالي عدم الإحساس بما يعانيه إخوانه المسلمون المعوزون فقد ورد في السنة الشريفة: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه البخاري ومسلم، وخصوصا الناس المقربين من الشخص من ذوي الأرحام ونحوهم الذين ربما في غير شهر رمضان لا يكون لدى الشخص فرصة للالتقاء بهم أو الإحساس بمعاناة البعض منهم ولكن بفضل حكمة الصوم يتذكر الإنسان أولئك الأقارب فيقوم بزيارتهم والإحسان للمحتاجين منهم.
أهداف تربوية
وأشار د. عشماوى، إلي أن الصيام لا يتعارض مع الإنتاج وأداء الواجبات والأعمال، مؤكداً أن البعض يخطئ بالتكاسل وخفض إنتاجه في عمله وعدم الانضباط في أوقات العمل بحجة أنهم صائمون! لاعتقادهم بأن الصيام يتطلب منهم الراحة أو التفرغ للعبادة وهو اعتقاد يتعارض مع أهداف رمضان والحكمة من صيامه، ذلك أن وفاء المسلم بالتزاماته تجاه الغير أو القيام بواجباته تجاه عمله يعتبر في حكم العبادة لكون الإسلام دينا ودنيا جاء لينظم شئون المسلمين الدينية والدنيوية.
ويتساءل د.العشماوي: هل صيام رمضان وهو من أهم العبادات يستدعي التهاون في العبادات الأخرى؟ إن رمضان شهر الخير ولذا فإنه لا يأمر إلا بخير ومن الخير قيام الموظف بأداء واجباته الوظيفية كالمعتاد، كما كان حاله قبل رمضان، بل ينبغي مضاعفة إنتاجه وجهده في رمضان حتى تتحقق حكمة الصوم في بذل الجهد والعمل وهو صائم وبالتالي يتحقق له إن شاء الله المزيد من الأجر والثواب، فالثواب على قدر المشقة وفي حديث نبي الرحمة: “خير العمل أدومه وإن قل”، فعلى الإنسان أن يوقظ همته طول الشهر الكريم متأسيا بفعل سيد المرسلين الذي كان “إذا دخل عليه العشر الأواخر من رمضان شد مئزره” أي ربط ظهره استعدادا لمزيد من الصلاة والقيام، وأيقظ أهله واجتهد في عبادة ربه، ذلك لأنه شهر مغنم ولاشك أن الذين يجتهدون بالعبادة في أوله ويتكاسلون في آخره محرومون من خير كثير وأهم هذا أنه كما جاء في الحديث الشريف “لله عتقاء في كل ليلة من رمضان”.
ويضيف د. عشماوى: المسلم يتخذ أمر العبادة بلذة وفرح لا يفعلها بفعل الأداء فقط فكلما فرح المؤمن بعبادة الله ورضي بها وسارع إليها نالته مغفرة الله، وفي القرآن الكريم: “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين”.