لخص النبي الأعظم الموقف للأمة قبل التحاقه بالرفيق الأعلى ، و لإضفاء الأهمية على هذا التلخيص أعلن الرسول في أكبر تجمع شهدته الجزيرة في حجة الوداع أنه يوشك أن يدعى فيجيب ، بمعنى أنه موشك على الموت ، و قد أراد أن يلقي هذا القول معذرة إلى الأمة ، حتى لا تؤخذ على حين غرة ، فلا نجد من تفزع إليه بعد موت النبي .
لقد بين الرسول في هذا التلخيص و بكل وسائل البيان بأن الإسلام يقوم على ثقلين و هما كتاب الله و عترة النبي أهل بيته ، و أن الهدى لن يدرك إلا بالتمسك بالثقلين حقا و أن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا .
فهما تأمين للهدى و تأمين ضد الضلالة ، و بعد أن كشف الفوائد العظيمة للتمسك بالثقلين تشوق الناس لمعرفة هذين الثقلين و أضفى على الأمر أهمية خاصة عندما أعلن ذلك بعد عودته من الحج ، و قبل أن تتفرق الوفود المشاركة بالحج و عندما أعلن بأن حجته تلك هي آخر حجة له و هي حجة الوداع .
فحشد النبي الأعظم كل وسائل التشويق ، و كل مقومات التذكر لتعي الأمة الإسلامية و ليعي العالم كله ” تلخيص النبي الموقف ” و بعد ذلك حدد النبي و بين من هما الثقلان فقال:
الثقل الأكبر كتاب الله عز و جل ، فاستمسكوا به و لا تضلوا و لا تبدلوا ،
أما الثقل الثاني فهو عترتي أهل بيتي ، فإنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .
….في صحيح الترمذي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى ، يخطب فسمعته يقول : ( يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) .
قال الترمذي – بعد إيراده الحديث – : وفي الباب عن أبي ذر ، وأبي سعيد ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة بن أسيد . وفيه أيضا : عن زيد بن أرقم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .
وقد عرف هذه المكانة الصحابة الكرام وسيدهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث كان يقرر:(لصلة رسول الله أحب إلى من صلة قرابتي)!
وكان يقول أيضا:(ارقبوا محمدا في آل بيته)!
وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر الحسنين بالعطاء مع الجند أضعاف ما يعطي لغيرهما وحينما سأله ابنه سيدنا عبدالله عن ذلك أجاب:
وهل لك جد كجدهما رسول الله؟وأم كأمهما فاطمة الزهراء؟وأب أبيهما الإمام علي؟وجدة كجدتهما خديجة بنت خويلد؟
يقول الإمام النبهاني رضي الله تعالى عنه في مؤلفه الشرف المؤبد لآل محمد :
(إنَّ من أهم الأمور الدينية،وآكد العقائد الإسلامية،اعتقاد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من كل ملك ورسول،وأصوله وفروعه أشرف فروع وأصول.
كيف لا وقد اتصلت بنسبه أنسابهم،وارتبطت بحسبه أحسابهم،فهم منه وإليه،وأقرب الناس لديه،ولا ريب في أن محبته صلى الله عليه وآله وسلم فرض على كل موحد،مجتهد أو مقلد،وبحسب زيادتها ونقصانها تكون زيادة الإيمان ونقصانه،ومن ادعى الإيمان بدونها فقد عظم نفاقه وبهتانه،ومن محبته عليه الصلاة والسلام محبة من اتصلوا به،ورجعت أنسابهم كآبائه وأبنائه إلى نسبه.
أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم،وبقيت أخبارهم ،فمن ادعى محبتهم لأجله فلا تثريب عليه،وتسلم دعواه إليه،إذ لا دليل على بطلان دعواه،ويوكل أمر باطنه إلى الله.
وأما أبناؤه فهم بركة هذه الأمة،الكاشفون عنها من غياهب الكون كل غمة،فلابد وان يوجد في كل عصر طائفة منهم يدفع الله بها عن الناس البلاء،فإنهم أمان لأهل الأرض كما النجوم أمان لأهل السماء.
فمن عاصرهم وادعى محبتهم بزخارف أقواله،ولم يقم على دعواه البراهين من محاسن أفعاله،فدعواه فاسدة باطلة،ومن حلي الصحة عاطلة.
هذا إذا لم يؤذهم بقلم ولا لسان،ولم يشر إلى تنقيصهم بعين ولا بنان،أما من فعل ذلك وادعى محبتهم فلا أحسبه إلا مجنوناً،وبدينه مفتوناً).
كانت مصر على مر التاريخ ملتقى أهل بيت رسول الله الكرام ومحطا لرحالهم ومكثهم الأبدي.
فقد قدمت إلى مصر عقيلة بني هاشم السيدة زينب رضي الله عنها بعد فاجعة كربلاء وقالت قولتها الشهيرة حين سئلت عن سبب اختيارها مصر:(كي أكون وأنا في برزخي في شرف استقبال رأس أخي الحسين)!
كما دعت إلى أهل مصر قائلة:
(نصرتمونا يا أهل مصر نصركم الله ……….)
ومن أبهى الروضات الشريفة لأهل البيت في مصر هناك حي زين العابدين
يفوح شذا مقام الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين عليه السلام،
وهو جد الأشراف وحامل لواء النسب النبوي الشريف إلى قيام الساعة.
وقد وفد إلى مصر مع عمته السيدة زينب عليها السلام. وفي هذه الروضة المحمدية يرقد أيضاَ الرأس الشريف لابنه زيد بن علي رضوان الله عليهم.
كما قدم إلى مصر كوكبة أخرى كبيرة من آل بيت النبوة كسيدتنا السيدة نفيسة رضي الله عنها والتي اشتهرت بكريمة الدارين ونفيسة العلوم فكانت محطا لرحال العلماء وهي من دعت الإمام الشافعي بالمجئ إلى مصر فأقام بجوارها وبمصر كان مذهبه الجديد وكان يرسل إليها في المهمات فتستدفع بفضل دعواتها البلوى وقالت فيه قولتها الشهيرة بعد أن صلت عليه الجنازة تنفيذا لوصية الإمام :
لله درك يا شافعي لقد كنت تحسن الوضوء!
وحين أراد زوجها اسحاق المؤتمن نقل جسدها الشريف بعد انتقالها إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجمع له أهل مصر الهدايا لتدفن النفيسة بينهم رأي جده رسول الله في منامه يأمره قائلا:
رد على الناس هداياهم ولا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تتنزل عليهم ببركاتها
فاترك لأهل مصر نفيسة!