للأسـف تنتشر ظاهـرة سيئة، وآفـة من أشد الآفات خطراً على المجتمعات، وهذه الآفة الخطيرة والتي بيَّنها ربنا عـزَّ وجلَّ في كتابه المحكم، ووجَّـه إلى الحذر منها.
كمـا أمـر باجتنابهـا رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- ونبَّه إلى خطرها، وأشار إلى لعن صاحبها، وهي آفة “الرشوة” وضررها وسوء عاقبتها.
فالـرشوة متى فشت في مجتمع من المجتمعات حُكم عليه أنه مجتمع فاسد، ينحدر إلى الدمـار والهـلاك المحقـق، إن الرشوة بجميع صورهـا عدَّهـا العلماء مـن كبائر الذنـوب، ويـدل على ذلك مــا رواه الترمذي عـن عبدالله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: (لعـن رسـول الله- صلى الله عليه وسلـم- الراشي والمرتشي).
ومعلوم أن اللعن لا يكون إلا على ذنب عظيم ومنكر كبير.
كمـا أن للرشوة آثاراً خطيرة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع في إضعاف وازع الإيمان عند المسلم، فالذي يتعامل بالرشـوة تضعف فـي قلبه رقابة الله وإطلاعه عليه، وأنه محاسبه ومجازيه عن كل صغيرة وكبيرة، وقـد يستهين البعض بتلك المعصية غافلاً عن قوله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
وأيضـاً الرشـوة تكون سبباً رئيس في تدمير المبادئ والأخلاقيات الكريمة للمجتمع، فانتشار ظاهرة الرشـوة في المجتمع المسلم تكـون سبباً فـي تدمير أخلاقه وفقـدان الثقة بين طبقاته.
وكذلك انتشار التسيب واللامبالاة وفقـدان الشعـور بالولاء والانتماء وسيطرة حب النفس وانتشار أمراض القلوب من الحسد والضغينة والبغضاء والغِل إلى غير ذلك، وإسنـاد الأمـر لغير أهله، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: (بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحدِّث إذ جـاء أعرابـي فقال: متى الساعـة؟ قال: إذا ضُيِّعَت الأمانـة فانتظر السـاعـة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّـد الأمـر إلى غـير أهله فانتـظر الساعة).
فالإنسان حينما يدفـع رشـوة للحصـول على وظيفـة معينـة ليس أهـلاً لهـا ولا تتـوافـر فيـه مقـومـاتها وشـروطها، يترتب على ذلك القصور والإخـلال فـي العمـل وعـدم الإنتـاج وإهـدار الموارد وظلـم مستحقي هـذه الوظائف، هذا يكون إهدارا للأموال وتعريضا للأنفس للخطر، فالذين يحصلون بالرشاوى على المشاريـع الخاصة عرضة لتقصيرهم فيما يقومون به، فهنا يقع المحظور وتحدث الأخطار التي تضر بالأموال والأنفس.