تنوعت وسائل الإعلام في وقتنا الحالي فمنها الوسائل المقروءة، السمعية، البصرية، وتتمثل هذه الوسائل في الصحف، والانترنت، والراديو، والتلفاز وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في التأثير على فكر وثقافة المجتمع فضلا عن دور الإعلام الهام في ترسيخ مبادئ الحضارة ومكوناتها، ولكن يمكننا القول أن الإعلام سلاح ذو حدين، حيث أنه بالإضافة إلى إيجابياته هناك سلبيات تصل إلى أننا يمكننا وصفها بالجرائم.
فالإعلام وسيلة يمكن من خلالها ارتكاب الجرائم، حيث أن الجرائم لا ترتكب بواسطة سلاح ناري أو غيره فقط ولكن يمكن أيضا أن ترتكب عبر وسائل الإعلام (القلم، البث المسموع أو المرئي). وتترتب المسئولية على مرتكبيها مثلها مثل كافة الجرائم.
وفي الحقيقة أن الجرائم التي ترتكب عبر وسائل الإعلام يمكن ارتكابها بوسائل أخري، ولكن الجرائم الإعلامية، يكون لها أثر في المسئولية الجنائية بمعنى أن الجريمة الإعلامية يشترط لنشوئها توافر عنصرين أولهما (صفة العلانية) التي تشكل جانبا رئيسيا في الركن المادي للجريمة الإعلامية وهو الفعل الذي تستمد منه الجريمة وجودها أو الامتناع عن فعل كان يجب القيام به والذي يتكون من السلوك والنتيجة وعلاقة السببية التي تربط بينهما.
أما العنصر الثاني فهو (القصد الجنائي) أي الركن المعنوي وهو اتجاه إرادة الجاني وعقده النية على ارتكاب الجريمة، وينقسم إلى عنصرى العلم والإرادة، أي العلم بمضمون ما يتم عرضه على الجمهور والعلم بفعل البث وإرادة آثمة حرة لا يشوبها عيب كالإكراه، ولا يعاقب القانون على النوايا السيئة إلا إذا أصبحت أفعالا تمثل مخالفات يعاقب عليها القانون أي جرائم.
ولكن التساؤل الذي مازال يطرح نفسه: هل هناك جريمة إعلامية بطريق الامتناع؟
وللإجابة على هذا التساؤل، نجد أننا أولا يجب أن نوضح معنى الامتناع وهو إعراض الشخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان يجب القيام به طبقا للقانون مع العلم أنه كان باستطاعته القيام به، ومثال ذلك علم صاحب المحطة أو شركة الإنتاج ببث برنامج ينطوي على الإساءة والتشهير بسُمعة البلاد وامتناعه عن وقف البث مما أدى إلى تحقق ركن الامتناع لتتحقق النتيجة وتقرر المسئولية.
ويمكننا أن نقرر ثلاثة شروط تتحقق في الجريمة بطريق الامتناع، وهى: الإحجام عن إتيان فعل إيجابي، ووجود واجب يحتمه القانون والصفة الإرادية للامتناع، وألا يكون الفعل المطلوب القيام به مصدر خطر للشخص المفروض عليه. وفي هذه الحالة تكون العقوبة غرامية مالية تتراوح بين عشرة إلى ثلاثين ألف جنيه طبقا لنص المادة ( ۱۷۸ مکرر من قانون العقوبات)، وبما أن العمل الإعلامي لا يمكن نسبته لشخص واحد لأنه جهد أشخاص عديدة وهذا ما يحدث غالبا في مجال الإعلام والأعمال التليفزيونية.
فإذا تحدثنا عن الاعمال الدرامية مثلا، إذا تم العرض للجمهور في هذه الحالة يُسأل جنائيا كل من المؤلف، إذا كان لديه علم بالبث والعرض، ويُسأل أصحاب المحطة، بالإضافة إلى مسئولية شركة الإنتاج.
واعتبر المشرِّع المصرى الكاتب فاعلا أصليا في تلك الجريمة في كل الأحوال، ولكن المشرع الفرنسي يعتبر المؤلف شريكا إذا نشأت مسئولية للمحطة أو لشركة الإنتاج، وإذا لم تنشا لأي منهم المسئولية فإن المؤلف يصبح فاعلا أصليا، وهناك نوع آخر من الجرائم ترتكبه المحطات الفضائية مثل إجراء مسابقات احتيالية، فعند تدقيق النظر في مضمون هذه المسابقات نجد أنها تتم بهدف النصب والاحتيال على المشاهدين الذين يعتقدون أنهم سوف يربحون المال في مقابل الإجابة على السؤال المطروح، ويتم إيهام المشاهدين بإمكانية الفوز بهذا المبلغ، ولكن من الملحوظ أن الأسئلة المعروضة تتسم بالسهولة، وأما بالنسبة للمتّصِلين المتسابقين فنلاحظ أن الصوت موحَّد ومنخفض ويصعب الاستماع إليه وذلك خلاف المألوف، إضافة إلى ذلك أن م(۲) من القانون رقم (1) لسنة ۱۹۷۱ الخاص باتحاد الإذاعة والتليفزيون وتنص على الآتي (أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون تهدف إلى تحقيق رسالة الإعلام الإذاعي المسموع والمرئی سیاسة وتخطيطا وتنفيذا). حيث أن هذه الاتصالات الهاتفية يجب أن تتمتع بدرجة من النقاء والوضوح، ولكن ما لا يعرفه البعض أن هذه الاتصالات تتم من داخل الاستوديوهات وليس من متسابقين حقيقيين؛ وذلك لإيهام الآخرين من الجمهور لكى يحاولوا الاتصال ولكن ما يحدث أنه يتم الاستيلاء على نقودهم. وهذا يناقض تماما الهدف الأساسي من وسائل الإعلام، لذلك فإنه وبلاشك تتقرر المسئولية الجنائية لبعض هذه القنوات لما تقوم بعرضها على شاشاتها وذلك تطبيقا لنص المادة (336 من قانون العقوبات المصرى الخاصة بجرائم النصب وخيانة الأمانة وتنص تلك المادة على أنه يعاقب بالحبس كل من استعمل طرقا احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث أمل عند الجمهور بالحصول على ربح وهمي أو إيهام المتسابقين بوجود سند غير صحيح أو مزور أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، أما في حالة الشروع في النصب غير التام فإن العقوبة تكون الحبس لمدة لا تتجاوز السنة ويمكن جعل الجاني تحت الملاحظة من الشرطة لمدة سنة كحد أدنى وسنتين كحد أقصى، وعلى الرغم من كل تلك الضوابط إلا أن هناك عوامل تؤثر على تلك المسئولية الناتجة عن أعمال وسائل الإعلام منها عوامل تتعلق بحرية الرأي والإعلام مثل حرية الرأي والصحافة التي لا يوجد عليها قيود مثال ذلك م (۷۰) من الدستور المصرى لسنة ۲۰۱۹ وتنص على حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي و المرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي، وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية، والمادة (۷۱) من دستور مصر لسنة ۲۰۱۹ وتنص على يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.
لذلك فإنني أرى أن اللازم أن يحقق الإعلام الهدف المنشود منه عن طريق وضع تقنينات لتسد الثغرات والعجز الوارد في الدستور وقوانين الإعلام ووضع قيود على حرية الصحافة والإعلام وذلك بصدور تعديل دستوری يتم باستفتاء على تعديل المادتين (۷۰) و(۷۱) من الدستور، ضرورة تعديل المادة (۷۲) من الدستور المصري لعام ۲۰۱۹ التي تكفل حرية واستقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الاعلام ويكون التعديل باضافة جملة (مع ضرورة احترام حرمة الحياة الخاصة وعدم المساس بها بأي حال من الأحوال) ووضع عقاب رادع لكل من يثبت أنه قام بذلك، ودعوة الجامعات المصرية للمشاركة بالتعديل التشريعي ومناقشة آراء أساتذة جامعات حقوق جمهورية مصر العربية في المواد والتقنينات المخالفة وسد كل الفجوات الموجودة أولا بأول وذلك بسبب الطبيعة الديناميكية لوسائل الإعلام التي تتطور بتطور العلم.