في أيام معدودات، وبعد إعلان انسحاب أمريكي فاضح، عادت حركة طالبان المتطرفة من جديدة للمشهد العالمي بعد نحو 20 عاما من طي صفحتها، بعد مفاوضات في الدوحة مهدت لتلك العودة الغريبة والمريبة، وكانت أول دولة تفتح مكتبا تمثيليا لطالبان تخاطب من خلاله العالم من جديد، فيما أحكم مقاتلو طالبان قبضتهم على أفغانستان في الأشهر القليلة الماضية وكثفوا وتيرة هجومهم في الأسبوع الماضي حتى دخلوا، مساء الأحد، كابول دون مقاومة، واحتلوا قصر الرئيس أشرف غني، الذي هرب وأسرته إلى مكان مجهول، فيما تجلت مظاهر الأزمة الأفغانية بوضوح في مطار كابول الذي شهد همجية وزحاما كبيرا هروبا من جحيم طالبان المنتظر، بينما عملت أمريكا على إجلاء نحو 200 ألف يمثلون أسر نحو 50 ألف مترجم تعاونوا معهم على مدار 20 عاما في أفغانستان، كما أمَّنت سفارة أمريكا باتفاق مع طالبان يشمل بقاء 5 آلاف من أفراد المارينز، بالمقابل تعلن موسكو أن سفارتها لن تغلق ولن تمس، وأن يجري حمايتها وحراستها من قبل قوات طالبان، وأن ممثلا لطالبان سيلتقي- اليوم الثلاثاء- بمسئول دبلوماسي روسي رفيع مما يوشي بالشكل المرتقب لطبيعة علاقات طالبان مع عدوها القديم روسيا، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
نزوح المدنيين
من جهتها أعربت الأمم المتحدة عن الآثار الكارثية على المدنيين جراء سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، مشددة على أن الوكالات الإنسانية تواصل العمل في أفغانستان وتجري تقييما للميدان، وتركز على النزوح والصراع والفيضانات والقضايا الاجتماعية ومراقبة الحماية، لتحديد الاحتياجات الإنسانية ومتطلبات الاستجابة الفورية، وأشار إلى أن نحو 390 ألف شخص نزحوا بسبب النزاع هذا العام وحده.
بينما غادرت القوات الأجنبية المتبقية في البلاد تاركة قوات الحكومة الأفغانية تحارب وحدها، وكان حلف الأطلسي تدخل عسكريا لدعم الولايات المتحدة إثر الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الـ11 من سبتمبر 2001، حيث لجأ الحلفاء في 12 سبتمبر 2001 لتفعيل بند الدفاع المشترك للمرة الأولى في تاريخ التحالف الغربي لخوض الحرب في أفغانستان، ولا تزال هذه هي الحالة الوحيدة التي استعمل فيها الحلف هذا البند منذ تأسيسه قبل سبعة عقود.
زعيم طالبان والحكومة الإسلامية
في المقابل تعهد هبة الله أخوند زاده، زعيم حركة طالبان، بتشكيل حكومة إسلامية خالصة، وهو الزعيم الحالي لحركة طالبان الأفغانية ومنذ 26 مايو 2016 بعد أن تم تعيينه في هذا المنصب من قبل مجلس شورى الحركة خلفاً لزعيم الحركة السابق أختر محمد منصور الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في 22 مايو 2016.
ويقال إن أخوند زاده قاتل ضد القوات السوفيتية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان، وعمل رئيساً لمحكمة عسكرية في كابل تحت حكم مؤسس طالبان وزعيمها الروحي الراحل الملا عمر، وتحت قيادة أخوند زاده وقَّعت طالبان اتفاق سلام تاريخي مع الولايات المتحدة في قطر في 29 فبراير 2020 ووصف أخوندزاده الإتفاق بأنه “انتصار كبير” للجماعة.
ومنذ 1 مايو 2021 صعدت طالبان عملياتها العسكرية ضد القوات الحكومية وسيطرت على مساحات شاسعة من أفغانستان. وفي 15 أغسطس 2021 فرضت الحركة سيطرة كاملة على العاصمة كابل بعد نحو 20 عاما من دحر القوات الأمريكية لها، وبعد أن ألحقت القوات التي تقودها الولايات المتحدة الهزيمة بزعماء حركة طالبان الذين كانوا يوفرون المأوى لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، والعقل المدبر للهجمات على الولايات المتحدة، تولى الأطلسي قيادة تحالف دولي في 2003.
وفي 2015 تم تغيير المهمة التي كانت تعرف بـ”قوة المعاونة الأمنية الدولية في أفغانستان” (إيساف) وحلت محلها عملية التدريب الحالية “الدعم الحازم” وحتى أبريل الماضي كان قوامها حوالي 10000 جندي من 36 دولة، وتكبد التحالف العسكري الدولي ما يزيد عن 3500 قتيل منذ 2001 بينهم حوالي 2400 أمريكي حسب بيانات الكونغرس، فيما أصيب أكثر من 20 ألف جندي أمريكي.
جدير بالذكر أن قوام قوات الأطلسي بلغ الذروة في أفغانستان في 2011 عندما زاد عدد الجنود الأجانب عن 130 ألفا من 51 دولة حليفة وشريكة، علما أن الحلف ومنذ 2003 يدرب مئات الألوف من الجنود الأفغان وضباط الشرطة، وشكّل قوة جوية أفغانية.
الجيش الأمريكي ومطار كابول
سيطرت القوات الأمريكية على مطار كابول الدولي، بينما يحاول سكان يائسون الفرار من المدينة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وأمّن الجيش الأمريكي الموقع، ويسيطر حاليا على الحركة الجوية لإجلاء الموظفين الأمريكيين ودول حليفة، لكن الرحلات التجارية على الأغلب علقت، مما أدى إلى قطع السبل أمام مئات الأفغان وغيرهم من الرعايا الأجانب.
وكانت كابول آخر مدينة رئيسية في أفغانستان تصمد أمام هجوم طالبان الذي بدأ قبل أشهر، لكنه تسارع في الأيام الأخيرة مع سيطرتهم على الأراضي مما صدم العديد من المراقبين، وتمكنت الجماعة الإسلامية من السيطرة بعد انسحاب معظم القوات الأجنبية، ودافع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في نهاية الأسبوع عن انسحاب القوات الأمريكية قائلا إنه لا يستطيع تبرير “وجود أمريكي لا نهاية له وسط صراع أهلي في بلد آخر”.
وبعد سيطرة طالبان على كابول توجه كثير من الناس إلى المطار، وأظهر مقطع فيديو التقطه صحفي أفغاني- الاثنين- حشودا تهرع إلى صالة المطار ومعها أطفال وأمتعة، وقالت الولايات المتحدة إنها نقلت جميع موظفي سفارتها إلى المطار في انتظار الإجلاء، وكانت قد أرسلت ما يقرب من 6000 جندي للمساعدة في ذلك، وقال بيان رسمي للحكومة إن آلاف المواطنين الأمريكيين وموظفي السفارة المحليين وعائلاتهم، بالإضافة إلى “المواطنين الأفغان المعرضين للخطر”، سينقلون جوا في الأيام المقبلة، وغيرت العديد من شركات الطيران التجارية مسارها حول كابول أو علقت رحلاتها.
أنفقت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 140 مليار دولار على شكل مساعدات لأفغانستان منذ 2002 حسب الكونغرس، وقدر “البنتاغون” كلفة العمليات القتالية الأمريكية بما في ذلك دعم القوات الأفغانية بما يزيد عن 820 مليار دولار في المدة الزمنية نفسها.
من المهم الإشارة إلى أن ألمانيا ثاني أكبر قوة عسكرية في أفغانستان بعد الولايات المتحدة فقدت عددا من الجنود في المعارك يفوق أي مكان آخر في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولا تزال أفغانستان واحدة من أشد دول العالم فقرا، حيث تحتل المرتبة 169 بين 189 دولة على مؤشر التنمية البشرية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمتوسط عمر متوقع 64 عاما ونصيب للفرد من الدخل القومي 2200 دولار سنويا.
على جانب متصل أعاد الأزهر- فجر الإثنين، بالتنسيق مع وزارة الخارجية- البعثة الأزهرية بالعاصمة الأفغانية كابول والبالغ عددهم 23 فردا، بعد الأحداث الأخيرة التى شهدتها البلاد.
وكشف د. نظير عياد، أمين مجمع البحوث الاسلامية، أن البعثة الأزهرية بكابول تقوم بالتدريس بالمعهد الأزهري حيث يقع المعهد بمنطقة بهارستان، ويتكون من 13 فصلًا دراسيًا لنحو 830 طالبا، المعهد يستقبل الطلاب منذ 2009، بعد أن أنشئ بموجب اتفاقية تفاهم بين شيخ الأزهر ووزارة المعارف التعليم الأفغانية، والمتفوقون من الطلبة يذهبون بعد انتهاء المرحلة الثانوية، إلى جامعة الأزهر في بعثات دراسية يدرسون العلوم الدينية والعلمية أيضا حسب رغبات الطلاب وتوجهاتهم، وتتكفل مصر بالمرتبات بالنسبة للمبعوثين الأزهريين، والجانب الأفغاني يتكفل بالإقامة والمعيشة، والاتفاق وقِّع بين فضيلة د. سيد طنطاوي- شيخ الأزهر السابق- ووزارة المعارف الأفغانية ممثلة في وزيرها فاروق ورداك وافتتح المعهد عام 2009، في مقر دار الحفاظ الأفغاني، ويدرس الطلاب فروع اللغة العربية بالكامل من نحو وصرف وبلاغة وأدب، أما العلوم الشرعية فتدرس لهم، الحديث والتفسير والتوحيد والسيرة النبوية المشرفة، بالإضافة إلى حفظ القرآن من الصف الأول إلى السادس يتعين على الطالب أن يحفظ 18 جزءا من القرآن، وقبل إتمام الشهادة الثانوية يجب عليه أن يكمل حفظ القرآن ويعد ذلك جواز المرور للتخرج، والحصول على بعثة دراسية في جامعة الأزهر بمصر