اقتضت إرادة الله ألا تكون حياة الناس ودنياهم يسرًا خالصًا أو عسرًا محضًـا، بل خير وشر، غنى وفقر، صحة ومرض، والإنسان في هذه الدنيا بين حالين، حال السلب وحال العطاء، فعند العطاء عليه أن يشكر، وعند السلب والمنع عليه أن يرضى ويصبر بما قدره الله، وبهذا يصل العبد إلى نعمة الرضا بقوَّةِ إيمانه، وحُسن اتِّصالِهِ بالله، وبالصبر والذكر وحسن الطاعة والمحافظة على العبادة، وهذا هو الطريق الذي رسمه الله لحصول الرضا، فقال: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار لَعَلَّكَ ترضى} [طه:130]، ويقول النبى: (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ) (رواه ابن ماجه في سننه).
لذلك كانت نعمة الرضا من أعظم نعم الله على الإنسان، فهي منَّة ربانية، ومنحة إلهية، وعبادةٌ قلبيَّة، ودرجة إيمانيَّة عالية، لا ينالها إلا من عَمُر قلبه بالإيمــان، وعرف ربه حق المعرفــة، والتزم أوامره واجتنب نــواهيه .
فالرِّضا أساس الإسلام وكمال الإيمان، فلا يكتمل إسلام العبد ولا يتذوق حلاوة الإيمان حتى يرضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبيًّا ورسولاً، وهذا ما وضحه النبي حيث قال: (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً) (رواه مسلم).
كما أن الرضا بقضاء الله دليل على محبة الله لعبده ورضاه عنه، وهذه هي الغاية التي يرجوها ويتمناها ويسعى إليها كل مؤمن، إذ لو نال محبة الله ورضاه يسر الله أمره، وفرج كربه، وسعد في الدنيا والآخرة، وقد رتّب الحق سبحانه رضاه عن الخلق برضاهم عنه، فقال: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119] .
وفي حياة الرسل والأنبياء (عليهم السلام) صور مشرقة في تحقيقهم لكمال الرضا عن الله، فكان الرضا غاية سيدنا موسى الكليم، قال تعالى حاكيًا عنه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] أي: عجلت إليك شوقًا إلى رضاك ومحبتك، وقال لنبيه ومصطفاه (صلى الله عليه وسلم): {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [سورة الضحى:5].وقد كان النبي يدعو فيقول: “اللهم إني أسألك الرضا بالقضاء”.
ومن أجمل ما روي في الرضا عن الله، ما جاء عن سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) حين قدم إلى مكة، وقد كان كفَّ بصره، جاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، قال عبدالله بن السائب: فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني، وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري .
فإذا رضي العبد عن ربِّه فيما أمره به وفيما قدره له رضي عنه ربُّه، وملأ قلبه سعادة وسرورًا، نسأل الله أن يجعلنا من الراضين بقضائه، الشاكرين لنعمائه.