– د. الشرقاوي: الحفاظ على العربية واجب ديني وقومي باعتبارها لغة القرآن وأهم عناصر الهوية
– د. محفوظ: الاهتمام بتحفيظ القرآن وإقامة الندوات والمسابقات الثقافية.. وسائل تساهم في حماية اللغة
– د. الجلجموني: ضرورة الارتقاء بمستوى المعلم.. وتطوير مناهج اللغة العربية
– د. الأزهري: مطلوب إيقاف التهكم والسخرية من اللغة العربية في الأعمال الدرامية
تحقيق – سمر عادل
طالب علماء ومتخصصون في علم اللغة بضرورة وضع سياسة تعليمية موحده للغة العربية على المستوىين العربي والعالمي، مشددين على أهمية سن تشريعات وقوانين تلزم الجهات الحكومية وغير الحكومية ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالكتابة والقراءة باللغة العربية الفصحى كذلك لافتات المحلات والشركات ألا تكون بغير العربية .
وأكدوا أهمية وجود ضمانات وإجراءات لحماية اللغة العربية والاحتفاء بها بمناسبة اليوم العالمي لها، من أهمها تفعيل قرارات مجمع اللغة العربية وإلزام كل وسائل الإعلام وكل الجهات والمؤسسات بما يصدر عن المجمع من تصحيح للأخطاء أو إدخال مصطلحات جديدة.
كما طالبوا برفع تنسيق الكليات التي تدرس اللغة العربية والأقسام وعقد اختبارات للدارسين قبل دخول تلك الكليات والأقسام.. مؤكدين أن مثل هذه الإجراءات من شأنها المحافظة على اللغة العربية وحمايتها في ظل الغزو الثقافي وانتشار اللغات الهجين التي أدت إلي تراجع الاهتمام بلغة الضاد خاصة بين الشباب الذي يتباهي بإقحام مصطلحات أجنبية في أحاديثهم .
لغة ربانية
الدكتور رجب عودة، أستاذ مساعد ورئيس قسم أصول اللغة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات الزقازيق، يؤكد على حاجة المجتمع لبث الروح الإيجابية في نفوس الأبناء بالنسبة للغة العربية وتعلمها من خلال التركيز على أن هذه اللغة مرتبطة بالدين والقرآن والفطرة ، فهي لازمة للمسلم ليعرف مبادئ دينه.. لابد أيضا من إعطاء طلابنا جرعة من أبيات شعرية تؤكد أن تعلم اللغة شىء جميل مثل:
النحو يبسط من لسان الألكن والمرء تعظمه إذا لم يلحن
فإذا طلبت من العلوم أجلها فأجلها منها مقيم الألسن
ويشير د. رجب إلى أن جميع لغات العالم تغيرت وتبدلت أو اندثرت أو تجمع مفرداتها من أكثر من لغة إلا العربية والفضل لله ثم القرآن الكريم ، فاللغة العربية لغة ربانية وعالمية، ربانية لأنها حملت كتاب الله ولو كانت أي لغة قد حملت مفرداتها قصص القرآن والأحكام الشرعية للإسلام كان نزل بها القرآن، لكنه نزل بالعربية لأن الله تعالى اختصها بخصائص كالاشتقاق والترادف والدلالة، فكل هذه العناصر موجودة في اللغة العربية أكثر من غيرها ويضم معجم تاج العروس ثمانين ألف مادة لغوية.. لذلك لابد أن تفتخر أنك عربي ومسلم لأن العروبة والإسلام يربطان صاحبهما باللغة.
ويوضح د. رجب أن أبرز عوامل إضعاف اللغة عند الأبناء هو الحرص على تعليمهم اللغات الأجنبية منذ سن صغيرة ، لأن تعليم الطفل أكثر من لغة يجعله يميل إلى إحدى اللغتين، لذلك يفضل تأجيل تدريس اللغة الأجنبية إلى الصف الأول الإعدادي مثلما كان يحدث في أجيالنا حتى يكون الطفل قد اعتاد على اللغة العربية في صغره .. مع ضرورة توافر الثقة بأن ” العربية ” لغة نستطيع أن نجد فيها كل ما نريد أن نعبر عنه في كل مجالات الحياة.
سياسة تعليمية موحدة
ويبدأ د. بركات محمود الشرقاوي، دكتوراه في العلوم اللغوية، كلامه بأبيات للشاعر أحمد شوقي يقول فيها : إن الذي ملأ اللغات محاسنا.. جعل الجمال وسره في الضاد
ويؤكد أنه في ظل عصر العولمة تواجه العربية تحديات كبيرة ومتنوعة ولولا حفظ القرآن لها لضاعت .. مستشهدا بقول المستشرق الألماني نولدكه في كتابه “اللغات السامية”: (إن اللغة العربية لم تصر لغة عالمية حقا إلا بفضل القرآن والإسلام).
ويشدد على أن الحفاظ على العربية واجب ديني وقومي حيث إنها لغة القرآن الكريم وعنصر مهم من عناصر الهوية وهي وعاء الفكر الإنساني ولسان الله يوم القيامة وصدق النبي عندما قال: (أحب العربية لثلاث، لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) وهجر العربية والإهمال فيها يخلق فجوة بيننا وبين تراثنا وعقيدتنا وحضارتنا.. فالاحتفاء بالعربية لا يجب أن يتوقف عند عقد ندوة كل عام في المؤسسات الأكاديمية بل يجب أن يأخذ طابعا منهجيا لا يتوقف .
ويطالب د. الشرقاوي بعدد من الإجراءات بجانب عقد المسابقات وتنظيم الأنشطة الثقافية والندوات أهمها :
– وضع سياسية تعليمية موحده للغة العربية على المستوى العربي والعالمي ورفع تنسيق الكليات التي تدرس اللغة العربية والأقسام وعقد اختبارات للدارسين قبل دخول تلك الكليات والأقسام.
– تفعيل قرارات مجمع اللغة العربية وإلزام كل وسائل الإعلام وكل الجهات والمؤسسات بما يصدر عن المجمع من تصحيح للأخطاء أو إدخال مصطلحات جديدة.
– سن تشريعات وقوانين تلزم الجهات الحكومية وغير الحكومية ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالكتابة والقراءة باللغة العربية الفصحى كذلك لافتات المحلات والشركات ألا تكون بغير العربية وإن كان لابد من الكتابة بلغة أجنبية تكون بخط أصغر تحت المكتوب بالعربية.
– دمج المجامع اللغوية واتحادها في مجمع لغوي عربي كبير تكون قراراته ملزمة لجميع الدول العربية.
– التشجيع المادي والمعنوي للأفراد والمؤسسات التي تتناول البحث في اللغة وقضاياها.
– وضع سياسة دقيقة للتعريب والترجمة بشكل ملاحق للتطور الجاري ونشر هذه الترجمات في عدة أماكن وبعدة وسائل كي تصل للجميع.
– إيجاد مناخ عربي قادر على الربط بين العلماء العرب على المستوى الأدبي والعلمي والفكري.
– تخصيص امتحان لاجتياز اللغة العربية لكل طالب جامعي غير متخصص في اللغة العربية ويكون اجتياز هذا الامتحان من شروط حصوله على شهادة التخرج.
ويؤكد في نهاية كلامه على أن النهوض باللغة والحفاظ عليها يتطلب تضافر الجهود بين الدول العربية وبين المؤسسات العلمية والثقافية والسياسية حتى لا تضيع هويتنا وسط رياح التغريب العاتية.
تحديات
أما د. محمد محفوظ، مدرس اللغويات بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر فرع أسيوط، فيؤكد على ضرورة ألا يقتصر تعليمُ العربية على الطريقة التقليدية لكن يلزم معها ربطُ تلك العلوم بالإنتاج والإبداع حتى يحافظ على حياة اللغة واستمراريتها، وبهذا يتناغم التعليم مع الحياة العملية وتصبح العربيةُ غضةً فتيةً كما كانت في عهودها المزدهرة.
ومن التحديات التي تواجه اللغةَ العربية في واقعنا المعاصر – كما يرى د. محفوظ – الدعوةُ إلى أن تكونَ العاميةُ لغةَ كتابةٍ، فمن غير المعقول أن تتخذ العاميةُ لغةَ فنٍ وتقامُ لها الندوات والاحتفالاتُ، وتنجز فيها الأبحاثُ الأكاديميةُ، وترصد لها الجوائزُ، في وقت تئن فيه الفصحى من الإهمال.
ويطالب د. محفوظ الدولِ العربية بأن تتبنى قوانينَ تلزم الإعلاميين بالتحدث بالفصحى، ويكون شرطا ملزما فيمن يقبل في تلك المهنة الحيوية مع ضرورة الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم، والإكثار من تحفيظ الأشعار المختارة، والقطع النثرية البليغة في مراحل التعليم المختلفة، مع إقامة ندوات ثقافية ومسابقات أدبية في الفصحى من مقال وخطبة وغيرِها، وهذا من أنجع الحلول التي تسهم في الحفاظ على اللغة العربية وتجديد دمائها.
تطوير المناهج
في حين يرى د رمضان الجلجموني ،المدرس بقسم اللغويات بكلية اللغة العربية، أننا بحاجة ماسة إلى تنويع وتطوير مناهج اللغة العربية مع الاهتمام بالجانب التطبيقي، فمثلا عند تدريس قواعد النحو لابد أن تطبق على نصوص كثيرة مقالية وكتابية تهتم بالظواهر اللغوية والقواعد النحوية، لابد أيضا من تعريف الطالب معنى التعريب وتوجيهه إلى الاعتزاز بلغته والفخر بها حتى في أبسط الأشياء ككتابة اسمه على مواقع التواصل الاجتماعي بالعربية فكتابته بلغته الأصلية أفضل من الإنجليزية، وكذلك أسماء المحلات لابد أن تكتب بالعربية.
ويؤكد على أهمية الارتقاء بمستوى المعلم ومتابعة تدريبه، خاصة وأنه يوجد لدينا بعض المعلمين قد يتقنون جوانب معينة في اللغة ويهملون جوانب أخرى.
ويرى د. رمضان أن القرآن الكريم يضم حصيلة لغوية ضخمة من ينشأ على حفظه يكون بارعا في اللغة ويكون أذكى ممن لا يحفظه ولا يقرؤه.. مشددا على رفضه الدعوات التي تطالب بحذف آيات القرآن من مناهج اللغة العربية ، مؤكدا على أن اللغة مبناها القرآن الكريم، والشعر وكلام العرب ووجود الآيات في المناهج لا يؤذي المسيحيين في شىء، بل ينمي لغتهم.
لا للتشويه
ويؤكد د. علي الأزهري، عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر، أن مكانة اللغة العربية تفوق كل اللغات، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية، وفيه مواضع تشير لمكانتها، منها. قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢] ، وقوله تعالىٰ: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ، قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ٣] .. مشيرا إلى أن سيدنا رسول الله بعث في قوم فصحاء، كانوا يرتجلون الشعر في أي وقت، واشتهروا بفصاحة اللسان، وقوة البيان، فكان أقواهم لسانا سيدنا رسول الله، وكانت الكلمة الواحدة تخرج من لسانه الشريف تحتمل الكثير من المعاني، فقد قال علىٰ نفسه: “أوتيتُ جوامع الكلم”.. والفقيه لا يكون فقيها إلا إذا أتقن اللغة العربية، وكذا المفسر، والمحدث، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من عاقب علىٰ اللحن في اللغة العربية، كتب كاتبٌ لأبي موسىٰ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه خطابا لعمر عنه فبدأه بقوله: (من أبو موسى)، فكتب إليه عمر أن اضرِبه سوطا، واستبدله بغيره!.
ومن أقوال سيدنا عمر بن الخطاب: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ .. وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأشعري :أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِـي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُـوا الْقُرآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌ. وقال عبدُ الملك بنِ مروان: “أصلحوا أَلسِنَتَكُم فَإنَّ المَرءَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ فَيستَعِيرُ الثَّوبَ والدَّابَةَ ولا يُمكِنُه أنْ يَستَعيرَ الِّلسانَ، وَجَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَتُهُ“.
ويطالب د. الأزهري القائمين علىٰ أمر المسلسلات والأفلام والمسرحيات ألا يشوهوا اللغة العربية، وألا يعمدوا للتهكم عليها، كما نشاهد في بعض الأعمال المقدمة إذا أرادوا الضحك والسخرية تهكموا علىٰ اللغة العربية، أو تحدثوا بها وهم لا يحسنون النطق بها، وتذكروا جميعًا أنها لغة القرآن، والسنة، وبها كان يتحدث خير من خُلِقَ سيدنا رسول الله. كما طالب الإعلاميين والجرائد والمواقع بتعلم اللغة العربية منعا للوقوع في أخطاء متكررة، فالعيب هو الإصرار علىٰ المكابرة دون أن نتعلم من الأخطاء السابقة.