طـــارق عبـــدالله
منعت جائحة كورونا الإحتفال بالليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب بالمنطقة التي تحمل اسمها ، حيث يتم الإحتفال بمولدها في الثلاثاء الأخير من شهر رجب كل عام .. ووفقا لتصريحات رئيس حي السيدة زينب فإنه ستقام مساء اليوم فعالية تقتصر على بعض المنشدين على نطاق ضيق .
والسيدة زينب هي من أهم النماذج النسائية في المجتمع الإسلامي، كان لها دور بارز في مجالس الحكم بقدرتها على تفسير القرآن الكريم والأحاديث وما تمتلكه من بحر في العلوم ومجالس الذكر والعبادة.
ألقاب عديدة
هى البنت الكبرى للسيدة فاطمة الزهراء والإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وُلدت فى شهر شعبان بعد مولد شقيقها الحسين بسنتين، وعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا “الرسول”- صلى الله عليه وسلم- “زينب” على اسم ابنته.
حفيدة النبى وأخت الشهيدين.. أول نساء آل البيت اللاتى شرّفن أرض مصر.. تعد من المجددين في الإسلام، لما لها من مآثر كثيرة تجعلها تقف إلى جانب كبار العلماء الذين كانوا يرجعون إليها في الرأي والمشورة، فسميت صاحبة الشورى، وكانت دارها في المدينة المنورة ملتقى الضعفاء، وتحول بيتها في مصر إلى مقرٍّ يعقد فيه الوالي لقاءاته بالرعية واجتماعاته مع رجاله تحت إشرافها، فعُرفت بـ(رئيسة الديوان).. كما لقبت بـ” أم هاشم ” لأنها حملت لواء راية الهاشميين بعد أخيها الإمام الحسين .. كما وصفت بــ ” عقيلة بني هاشم ” ، ولم توصف سيدة فى جيلها أو غيره أو فى آل البيت بهذا إلا السيدة زينب رضى الله عنها، و”الطاهرة” فقد أطلقه عليها الإمام الحسن أخوها عندما قال لها “أنعم بك يا طاهرة حقا إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة”، عندما شرحت حديث رسول الله: “الحلال بين والحرام بين” .. أعطت للسيدات درسا حافلا عندما أذنت لزوجها بالزواج من غيرها .
كما لقبت السيدة زينب بـ”أم العزائم” فكانت تكنى عند أهل العزم بأم العزائم وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم، و”أم العواجز” كنيت بهذه الكنية عندما شرفت مصر بقدومها وساعدت العجزة والمساكين، و”رئيسة الديوان” لأنها عندما قدمت مصر وكان الوالى وحاشيته يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم فيتفهموا الأمور الدينية فى ديوانها وهى رئيسته.
عُرفت زينب بكثرة التهجّد، شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول، كانت طويلة القامة حسنة الهيئة عالية المقام، في وقارها وعظمة شخصيتها كجدتها السيدة خديجة رضى الله عنها، اتّصفت السيدة زينب بأوصاف جليلة، وخصال حميدة، شهدت مقتل أبيها وأخيها الحسين الذي قتل في كربلاء كما قتل ولداها محمد وعون وتم أسرها وإرسالها إلى يزيد بن معاوية الذي أعطاها فرصة إختيار المكان الذي تود أن تهاجر إليه فاختارت مصر.
محنة السيدة زينب
ومع كل ذلك عاشت حياة مليئة بالأهوال، فقدت جدها العظيم وهى بنت خمس سنين، وفقدت أمها الزهراء بعد شهور قليلة لا تتجاوز الستة بعد مرض شديد وضيق من العيش والاعتكاف فى حزن، فألقى على عاتقها وهى صبية صغيرة عبء إدارة بيت أبيها ورعاية شئون أخوتها، ثم صدمت فيما بعد بمصرع أبيها الإمام “على” إثر طعنة قاتلة، ثم رأت الإمام الحسين شهيدا حين نزل بأرض كربلاء، رغم ذلك صبرت على ما ابتلاها به ربها صبر النبيين.
تزوجت السيدة زينب بابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار بن أبى طالب، وأنجبت منه جعفر وعلى وعون الأكبر وأم كلثوم وأم عبد الله، وكان للسيدة زينب درس حافل وهو أنها عندما انشغلت بأمر الدعوة مع أخويها الإمامين الحسن والحسين رأت أنها لا تستطيع أن تجمع بين واجب الجهاد والواجبات الزوجية، فأذنت لزوجها عبد الله بن جعفر أن يتزوج، فتزوج (الخوصاء الوائلية)، ثم تزوَّج بـ (جمانة الفزارية) بنت المسيب أمير التوابين- حسب ما أكده عدد من العلماء.
عاصرت السيدة زينب حوادث كبيرة عصفت بالخلافة الراشدة بمقتل أبيها على كرم الله وجهه، وبعده وفاة الحسن بن على، وإصرار يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الحسين، خرج الحسين وأهله ومنهم أخته زينب من المدينة سراً متجهين إلى الكوفة بعد أن وصلتهم رسائل أهل الكوفة تدعوهم إلى القدوم وتتعهد بنصرتهم ضد الأمويين، كما شهدت معركة كربلاء استشهاد أخيها الإمام الحسين وابنها عون فى المعركة ومعه ثلاثة وسبعين من آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة.
وفى عام 61 من التقويم الهجرى أمر يزيد بن معاوية الأموى، بإخراج السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب خارج حدود المدينة، طالبًا منها أن تختار لها بلدًا تسكن فيه، بعد أن أصبح بقاؤها يؤجج نيران الثورة ضد الخلافة الأموية، فأبت فى أول الأمر وقالت “أأترك بلد أبى وجدى”، فقال لها عبد الله بن عباس “يا ابنة بنت رسول الله، اذهبى إلى مصر، فإن فيها قومًا يحبونكم لله، ولقرابتكم لرسول الله، وإن لم تجدى أرضًا تسكنيها هناك، فستجدين قلوب أهلها وطنًا” .
في مصر
اختارت السيدة زينب مصر لتقيم فيها، ووصلت إليها فى شعبان عام 61 هجرية، وعلى مشارف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية خرج لاستقبالها جموع المسلمين بالدفوف والزغاريد، وعلى رأسهم والى مصر الأموى آنذاك مسلمة بن مخلد الأنصارى، وأقامت فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى الـ 14 من شهر رجب 62 هجرية، ودفنت فى بيت الوالى، الذى تحول إلى ضريح لها فيما بعد.
إلا أن البعض يرى أن السيدة زينب لم تصل إلى مصر أبدا، وأن صاحبة المقام هى زينب بنت يحيى المتوج بن حسن الأنور بن زيد بن الحسين بن على بن أبى طالب، وآخرون يرون أنها زينب بنت أحمد بن جعفر بن الحنفية، حسبما قال الإمام المقريزى.
كانت المنطقة التي أقيم فيها الضريح تسمى “قنطرة السباع” نسبة إلى القنطرة التي كانت على الخليج المصري وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت في مساء الأحد (15 من رجب سنة 62هـ)، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار ” مَسْلَمَةَ” التي أصبحت قبتها في مسجدها المعروف الآن ، الذي أنشئ – كما تقول بعض المصادر – في العهد الأموي، وزاره كبار المؤرِّخِين وأصحاب الرحلات.
ورغم أن المراجع التاريخية لم تذكر متى بالضبط أنشئ المسجد أعلى قبر السيدة زينب ، إلا أن ما اتفق عليه هو أن والي مصر العثماني على باشا قام سنة 951 هـ/1547م بتجديد المسجد ثم أعاد تجديده مرة أخرى الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1171 هـ/1768م، وفي عام 1940م قامت وزارة الأوقاف بهدم المسجد القديم تماما وأقامت المسجد الموجود حاليا وبالتالي فالمسجد ليس مسجل كأثر إسلامي ، وكان المسجد وقتها يتكون من سبعة أروقة موازية لجدار القبلة يتوسطها صحن مربع مغطى بقبة، وفي الجهة المقابلة لجدار القبلة يوجد ضريح السيدة زينب رضي الله عنها محاط بسياج من النحاس الأصفر ويعلوه قبة شامخة. وفي 1969 قامت وزارة الأوقاف بمضاعفة مساحة المسجد.
مكانة المسجد
يحتل المسجد مكانة كبيرة في قلوب المصريين ويعتبر الكثيرون خصوصا من سكان الأقاليم البعيدة عن القاهرة أن زيارته شرف وبركة يدعون الله أن ينالونها. ويعتبر المسجد مركزاً من مراكز الطرق الصوفية ومريديها، وفي كل عام في شهر رجب يقام مولد السيدة زينب حيث يتوافد آلاف من البشر على ميدان السيدة زينب وتقام احتفالات ويتغير شكل المنطقة تماما لبضعة أيام.