أيام قليلة ونستقبل ضيفا عزيزا على قلوبنا جميعاً وهو شهر عظيم، رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، شهر الصيام والذكر، التوبة والغفران، العزة والكرامة، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (البقرة:185)
وهو موسم عظيم، تُضاعَف فيه الحسنات، وتُقال فيه العثرات، من وفِّق للخير فيه فهو الموفَّق، ومن فقد فيه البرّ فهو المحروم العاجز، لأنه فرّط في ثلاث فرص سهلة لتكفير الذنوب: الأولى غفران الذنوب: لقوله ﷺ: ((مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)) (صحيح البخاري). والفرصة الثانية: العتق من النار: فما أكثر العتقاء من النار في كل ليلة من ليالي رمضان، لقول انبى: ((إنَّ للهِ تعالى عند كلِّ فطرٍ عُتَقاءَ من النارِ، وذلك في كلِّ ليلةٍ)) (صحيح ابن ماجه).
والفرصة الثالثة: ليلة القدر، وهي خير من عبادة (83 سنة)، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر:3)، وقال النبى: ((مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)) (صحيح البخاري).
فرمضان فرصة ثمينة لا تعوَّض، ولحظة من اللحظات الذهبية في حياة المسلم، حتى قيل أن الله تعالى يعتق في كل ليلة من رمضان مائة ألف ممن استوجبوا النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بقدر ما أعتق في تلك الليالي جميعا.
كما أنه فرصة للانضمام إلى قوافل الصالحين فهو حلم يطمح إليه أولو الألباب فإذا كان الأنبياء- عليهم السلام- سألوا الله ذلك وهم قادة القوافل وهداتها أفلا ينبغي لنا أن نكون في رِكاب تلك القوافل؟! فلنستمع إلى أنبياء الله ورسله وهم يلحون على الله أن يجعلهم من الصالحين ويلحقهم بهم، فهذا سيدنا يوسف يقول: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (القلم101).
وهذا سيدنا إبراهيم خليل الرحمن يقول: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (القلم83).
وهذا سيدنا سليمان يقول: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (القلم 19).
وفي رمضان يطيب اللقاء بالله من خلال القيام لنلحق بركب الصالحين قال النبي: ((عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، ومنهاةٌ عنِ الإثمِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، ومطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ)) (أخرجه الترمذي).
لهذا كان النبى يبشِّر أصحابه بقدوم هذا الحبيب ((أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ)) (أخرجه النسائي) ويحفزهم بقوله: ((إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ)) (رواه البخاري).
ويجب على كل منا ألا يفوّت هذه الفرصة ؛فعن عمرو بن مرة الجهني قال: ((جاء رجلٌ من قُضاعةَ إلى رسولِ اللهِ فقال: إنِّي شهِدتُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّك رسولُ اللهِ وصلَّيْتُ الصَّلواتِ الخمسَ وصمتُ رمضانَ وقمتُه وآتيتُ الزَّكاةَ، فقال رسولُ اللهِ: من مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشُّهداءِ)) (رواه ابن خزيمة).
وعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ((أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قال طلحةُ فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ فقال: من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالوا: يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ فقال رسولُ اللهِ: أَليسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً قالوا: بلى، قال: وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ. قالوا: بلى. قال رسولُ اللهِ: فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ)) (رواه ابن ماجه).
اللهمَّ بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين وخُذْ بِنَواصينا إلى البِرِّ والتقوى، اللهمَّ ارْزقنا حُبَّك وحُبَّ مَن يُحبك، وحُبَّ كل عملٍ يقرِّبنا إلى حُبِّك.