– كلمة .. كانت سببا في إنشائها
– لعبت دورا وطنيا كبيرا في حربي 1967 و1973
– 84% .. حجم الاستماع من إجمالي متابعي شبكات الإذاعة المصرية
طـــارق عبـــدالله
قبل58عاما كانت المرة الأولى التي تنطلق فيها موجة إرسال إذاعة القرآن الكريم من القاهرة بوصفها أول إذاعة متخصصة في إذاعة القرآن على مدار الساعة .. قبلها لم يكن يعرف العالم الإسلامي قراءة القرآن إلا بصورة مباشرة في المساجد والمناسبات الدينية والحفلات الخاصة ، وكانت قراءة القرآن والإنشاد الديني من طقوس تجمعات المصريين .
السبب كلمة
في عام 1964 تم افتتاح إذاعة القرآن الكريم، والسبب كلمة في طبعة فاخرة ومذهبة من المصحف الشريف كانت تباع بثمن زهيد في أنحاء مصر في ذلك التوقيت . . كان سبب سرعة انتشار النسخة المذهبة هو رخص ثمنها، وأحيانا توزيعها المجاني، وهو ما عرف سره بعد قليل، إذ تم اكتشاف تحريف لبعض آيات القرآن الكريم، وكان تحريفها خفيا على نحو لا يثير الشكوك، ففي سورة آل عمران تم تحريف الآية رقم 85 “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” تم تحريف الآية وطبعها دون كلمة “غير”، فأصبح المعنى مختلفا تماما. . وحين تم تدارك الأمر وسحبت النسخة من الأسواق، كان البديل هو طبع المصحف المرتل للشيخ محمود خليل الحصري على أسطوانات، وتوزيعها في كافة أرجاء العالم الإسلامي، في أول جمع صوتي للقرآن الكريم، باعتبار أن تلك الوسيلة هي الأكثر انتشارا في ذلك الحين .. قام الأزهرُ الشريف مُمثَّلًا في هيئة كبار العلماء، ووزارةُ الأوقاف والشئون الاجتماعية -آنذاك- ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالإشراف على تسجيل هذا المصحف الصوتي المرتل ، بهدف حفظ القرآن الكريم من محاولات تحريفه في ذلك التوقيت.
وبقرار من الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر تم البث الإذاعي للقرآن الكريم على مدار 14 ساعة يوميا على الموجتين القصيرة والمتوسطة، وكانت تلك الوسيلة هي الأفضل في الحفاظ على القرآن الكريم من التحريف، حيث كان بث الإذاعة يمتد إلى الملايين من المسلمين في آسيا وشمال أفريقيا .
ولكن لم تثبت هذه الوسيلة فعاليتها بالقدر الكافي، فأجهزة التسجيل وتشغيل الأسطوانات لم تكن متوافرة بالشكل الكافي لدى عامة المسلمين، فضلًا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين.
إذاعة رائدة
هنا ولدت فكرة كبيرة لإذاعة رائدة كبيرة، والتي شمر لها السواعد ثلاثة من رواد الفكر والإعلام في مصر، على رأسهم الدكتور محمد عبد القادر حاتم ـ أبو الإعلام المصري ـ وزير الثقافة والإرشاد القومي، وشاعر الكوخ محمود حسن إسماعيل، صاحب قصيدتي “النهر الخالد” و”دعاء الشرق”، والرائد الإذاعي والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور كامل البوهى، وجاءت موافقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على هذا المشروع الكبير.
في ذلك الوقت لم يكن بمصر سوى محطات إذاعية محدودة تبث برامجها وفقراتها عبر “أجهزة ماركونى”، يتقدمها إذاعة البرنامج العام التي انطلق بثها في 31 مايو عام 1934، وإذاعتي “بى بى سى ” العربية، التي بدأت في البث عام 1938، والبرنامج الأوروبي في الأربعينيات، وصولا إلى إذاعة “صوت العرب” عام 1953.
وبينما كانت الإذاعة المصرية تحتفل بعيد ميلادها الثلاثين، تمخض فكر الرائد الإذاعي عبد القادر حاتم عن ميلاد توأم إذاعي كان لهما صدى واسع في قلوب المستمعين، الأولى “إذاعة القرآن الكريم” التي انطلق بثها في يوم 25 مارس عام 1964، والثانية “إذاعة الشرق الأوسط” في 30 مايو من نفس العام.
وفي الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383هـ الموافق 25 مارس لسنة 1964م ، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً، انطلق إرسال إذاعة القرآن على موجتين، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزل بها أمين الوحي جبريل “عليه السلام” على قلب سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بصوت الشيخ محمود خليل الحصرى، بالنسخة التي أشرنا إليها .
تولى إدارة الإذاعة فور انطلاقها، الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل والذي أهدى إليها التسجيلات الإذاعية النادرة لشيخ القراء محمد رفعت، صاحب أول تلاوة قرآنية في تاريخ الإذاعة يوم أسست عام 1934، وكانت هذه التلاوات متفرقة بين تسجيلات البى بى سى التي سجلها الشيخ رفعت قبل مرضه في الأربعينيات، وبعض التسجيلات الخارجية بالغة الندرة.
سلم شاعر الكوخ راية إذاعة القرآن إلى رفيق دربه كامل البوهى، والذي يعد بحق المؤسس الفعلي للإذاعة الكبيرة، ففي العام التالي للتأسيس توالت تسجيلات الختمات المباركة للقرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، بأصوات أساطيل القراء، مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، و الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ محمود على البنا، وفاقهم الشيخ الحصرى بتسجيل القرآن بقراءاته المختلفة، فضلا عن “المصحف المعلم”. .
كما احتفظت بعض فقرات “القرآن الكريم” بمواعيد محددة ، مثل قرآن السهرة في تمام الحادية عشرة والربع مساء، وتلاوة الشيخ محمد رفعت فى السابعة صباحا، و”مقدمة التلاوة” للشيخ الراحل محمد الراوي والتي كانت تذاع في الثانية إلا الربع صباحا .
وفى عام 1966 استحدث البوهى “البرامج الدينية” في إذاعة القرآن الكريم، ولعل أقدمها برنامج “حديث الروح” و”الدين المعاملة” و”القاموس الإسلامي” .
دور وطني
كثيرون لا ينتبهون للدور الوطني الذي لعبته إذاعة القرآن الكريم منذ نشأتها، في الإذاعة المخصصة لتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، تم إدخال البرامج إلى خارطتها الإذاعية بقرار سيادي في عام 1966، حيث تم اختيار برامج مثل “حديث الروح” و”الدين المعاملة” و”القاموس الإسلامي .. وفي عام النكسة 1967 وتهوينا من أثرها السلبي وتحجيم المد الاشتراكي في الإذاعة، تم إدخال القرآن المجود بأصوات كبار القراء المصريين، وفي عام 1973 وبعد حرب أكتوبر تم مد إرسال الإذاعة ليصل إلى 19 ساعة، ثم مده الرئيس الراحل حسني مبارك ليشمل اليوم بأكمله في الاحتفال بعيد الإعلاميين عام 1996
الأولى من نوعها
تعتبر إذاعة القرآن الكريم المصرية هي الأولى من نوعها بين إذاعات العالم؛ فهي الإذاعة الدينية الأعرق والأقدم ، التي حافظت على تفرُّدها وتميُّزها طيلة السنوات الماضية واحتفظت بأصالتها ورونقها الإسلامي والمصري الخالص والمحبب إلى جموع المصريين، والمسلمين حول العالم.
ومؤخرا أصدرت الإدارة المركزية لبحوث المستمعين والمشاهدين بالأمانة العامة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون تقريرا لها أوضحت فيه أن حجم الاستماع لإذاعة القرآن الكريم بلغ 84.2% من حجم متابعي شبكات الإذاعة المصرية الذين يتابعون شبكة القرآن الكريم؛ مقابل 15.8% لا يتابعونها.. وأكد التقرير زيادة حجم الاستماع لها، نظرا لتعدد وسائل الاستماع من أجهزة الاستقبال الفضائي والهواتف الخلوية وشبكة الانترنت وغيرها، مضيفا أن 57% يتابعونها بانتظام من حجم الاستماع للإذاعة المصرية عامة.
وأوضح أن 95.6% من المستمعين يتابعونها من أجل الاستماع إلي آيات الكتاب الحكيم، وتظل التلاوات القرآنية هي القيمة الرئيسية في هذه الإذاعة من المصاحف بكل أنواعها تجويدا، وأفاد التقرير أن 55% يستمعون إلي برامج تفسير القرآن الكريم وحدها، وهكذا يؤكد المستمعون من خلال هذا التقرير أن الدافع الرئيسي من الاستماع هو المصاحف المرتلة ثم الثقافة الدينية ، حيث تعد شبكة القرآن الكريم منبرا لنشر القيم الإسلامية السمحة في مواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة .