طارق عبدالله
فى ظل الخطر التى تتعرض له اللغة العربية ، الذى يشتد فى وقتنا الحاضر من تغييب ومحاصرة فى المؤسسات التعليمية لتحل محلها اللغة الأجنبية واقصائها من الحياة العامة على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسات الحكومية والأهلية واستبدالها بحروف لاتينية ، وعدم استخدامها فى وسائل الإعلام المختلفة .. فى ظل ذلك الخطر الذى تواجهه لغة الضاد ظهرت منذ عقود مؤسسات متخصصة لحماية لغة القرآن الكريم ، كان فى مقدمتها مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذى يحتفل خلال شهر ديسمبر الجارى بعامة الــ(130) على إنشائه .
جهود عربية
ثم توالت المجامع والمؤسسات والجمعيات التى أخذت على عاتقها حماية اللغة العربية من الأخطار التى تواجهها .. من بينها :
- المجلس الدولى للغة العربية .. وهو منظمة أهلية دولية مستقلة، نشأت بمبادرة تنادى إلى تأييدها ودعمها عدد كبير من الوزراء وأمناء المنظمات والهيئات والاتحادات العربية والعالمية الحكومية والأهلية المعنية باللغة العربية وثقافتها.
- اتحاد المجامع العلمية العربية .. تم تأسيسه عام 1971م ، إذ اقترح فيه تشكيل لجنة تتألف من عضوية كل مجمع لغوي، فى القاهرة ودمشق وبغداد لوضع نظام هذا الاتحاد، واجتمعت اللجنة بالدكتور طه حسين فى أبريل من نفس السنة. وتم فى هذا الاجتماع وضع النظام الأساسى والداخلى للاتحاد، وانتخب الدكتور طه حسين رئيس مجمع القاهرة رئيسا للاتحاد والدكتور إبراهيم مدكور أمينا عاما للاتحاد والدكتور أحمد عبد الستار الجوارى عن مجمع بغداد والدكتور عدنان الخطيب عن مجمع دمشق أمينين عامين مساعدين.. وقد اتحاد المجامع على أن يكون لمعجمات المصطلح التى تصدرها المجامع والمؤسسات العلمية جانب كبير من اهتمامه وعنايته، لما لذلك من شأن فى تيسير تعريب التعليم العالى ، وسارع الاتحاد إلى إصدار حصيلة ندواته فى كتيبات خاصة، ليسهل نشرها وتوزيعها فى الجامعات والمراكز العلمية، فتغدو قريبة المتناول لطالبيها ضمّت ندوات الاتحاد ممثلين عن أعضائه مع مشاركة صفوة طيبة من كبار العلماء واللغويين، وعقد الندوات فى مبنى اتحاد المجامع بالقاهرة أو فى مبنى المجمع العضو فى الاتحاد أو فى أى بلد عربى آخر بالتعاون مع جامعته أو مؤسساته الثقافية بإشراف جامعة الدول العربية الرامية لتحقيق ما يصبو إليه عقد ندواته التالية تأكيدًا لدوره فى ترقية اللغة العربية وتوحيد المصطلح بين المجامع اللغوية
- المجامع اللغوية فى الوطن العربى .. من أهمهما مجمع اللغة العربية بدمشق ، ومجمع اللغة بالأردن ، ومجمع اللغة ببيروت .. حيث عملت هذه المجامع طوال تاريخ عملها على المحافظة على سلامة اللغة العربية ودعمها فى مواجهة التحديات ، كما سعت هذه المجامع على تعريب العلوم المختلفة والحرص على وفائها بمطالب العلوم والثقافة .. حيث أنشأت هذه الدول مجامع علمية لتعريب العلوم أهمها :
- المجمع العلمى بدمشق .. حيث كانت البداية من دمشق بأول مجمع علمى يقوم فى الأقطار العربية وقد عقد أول اجتماع له عام 1919م ، وكان نشوء هذا المجمع ضرورة استدعتها مسيرة التعريب فى الوطن العربى التى صاحبتها حركة التحرر من الاستعمار، فقد أخذ المجمع على عاتقه «النظر فى اللغة العربية وأوضاعها العصرية ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون عن اللغات الأجنبية.. ويصدر المجمع مجلة علمية منذ شهر يناير من عام 1921م، وتم التوحيد بينه وبين مجمع اللغة العربية فى القاهرة عام 1960م، ولكنه عاد إلى ما كان عليه بعد الانفصال عام 1961م.
- المجمع العلمى العراقى .. فى العراق، كانت أول محاولة لتأسيس مجمع علمى عام 1921م، ثم شكلت لجنة عام 1925م من أجل تأسيس مجمع علمى عراقى لم يظهر إلى الوجود إلا فى أواخر عام 1947م فى بغداد.
- مجمع اللغة العربية الأردنى .. تأسس مجمع اللغة العربية الأردنى فى الأول من يوليو عام 1976م، وأصدر العدد الأول من مجلته فى يناير عام 1978م.
- مجمع اللغة العربية فى السودان .. ومع مطلع عام 1993م افتتح مجمع اللغة العربية فى السودان، وكان أول أنشطته التى مارسها إقامة دورات تدريبية للمذيعين والمذيعات.
الريادة العربية
ولكن يظل مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، والذى يطلق عليه مجمع الخالدين هو الرائد فى الدفاع عن هوية اللغة العربية فى مصر بصفة خاصة وفى العالم العربى بصفة عامة .. فمنذ ان بدأت فكرة إنشائه فى عام 1932 وحتى بدء العمل الرسمى به عام 1934 ككيان عالمى التكوين ليستمر حتى الآن فى تقديم العطاء والجهود فى سبيل اللغة العربية والدفاع عن الهوية ليس على المستوى المصرى أو العربى فقط .. فوفقا لنص المادة الثانية من المرسوم الملكى الخاص بإنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة « يقوم المجمع على الحافظ على سلامة اللغة العربية، وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون فى تقدمها ملائمة -على العموم- لحاجات الحياة فى العصر الحاضر، وذلك بأن يحدد فى معاجم أو تفاسير خاصة، أو بغير ذلك من الطرق- أن يقوم بوضع معجم تاريخى للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا دقيقة فى تاريخ بعض الكلمات وتغير مدلولاتها، وأن ينظم دراسة علمية للهجات العربية الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية.
وكانت فكرة إنشاء كيان للغة العربية فى مصر قد بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدا عام 1892، حيث أنشئ بدار البكرى فى القاهرة مجمع يضم رواد اللغة العربية فى ذلك الوقت أمثال الإمام محمد عبده، والشيخ محمد توفيق البكري، والشيخ محمد محمود الشنقيطي، ولكن لم يستمر المجمع وقتا طويلا وتوقف بعد أشهر قليلة، ثم أنشئ مجمع بدار الكتب المصرية عام 1916م، على يد الأستاذ أحمد لطفى السيد، ولكن توقف هذا المجمع أيضا بسبب قيام ثورة 1919.
المرسوم الملكي
ثم تحقق الحلم فى ديسمبر عام 1932 عندما أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما ملكيا لإنشاء المجمع، ثم تلاه مرسوم ملكى آخر فى أكتوبر عام 1933 بتعيين أعضائه العاملين المؤسِّسين، واختير محمد توفيق رفعت رئيسا للمجمع، والدكتور منصور فهمى كاتب سرٍّ له، ويتكون من 20 عضوا من العلماء المعروفين بتبحرهم فى اللغة العربية، نصفهم من المصريين، والنصف الآخر من العرب والمستشرقين، وهو ما كان يعنى أن مجمع اللغة العربية عالمى التكوين، لا يتقيد بجنسية معينة ولا بديانة معينة، وأن معيار الاختيار هو القدرة والكفاءة، وكانت هذه أهم ميزة للمجمع المصرى عن غيره من المجامع الأخرى.
ويعمل مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى الوقت الحالى على العديد من الأهداف التى تقوم على خدمة اللغة العربية فى العالم العربى والدولي، منها: عمل المعاجم اللغوية- بحث قضايا اللغة- وضع المصطلحات العلمية واللغوية – تحقيق التراث العربي- النشاط الثقافي، عن طريق العديد من الوسائل منها: وضع معجمات لغوية محررة على النمط الحديث فى العرض والترتيب، ومعجمات علمية، بيان ما يجوز استعماله لغويا، وما يجب تجنبه من الألفاظ والتراكيب فى التعبير.
كما يقوم المجمع بالإسهام فى إحياء التراث العربى فى اللغة والآداب والفنون، وسائر فروع المعرفة المأثورة، ودراسة اللهجات العربية قديمها وحديثها دراسة علمية لخدمة الفصحى والبحث العلمي، ودراسة قضايا الأدب ونقده، وتشجيع الإنتاج الأدبي، بالتنويه به أو بعقد ندوات، ومسابقات فيه ذوات جوائز أو بأية وسيلة أخرى، وإصدار مجلات أو نشرات أو كتب تحوى قرارات المجمع وأعماله وبحوث أعضائه وغيرهم، مما يتصل بأغراض المجمع.
انجازات علمية
وبالفعل حقق مجمع اللغة العربية فى القاهرة، العديد من الإنجازات العلمية منذ تأسيسه فى ديسمبر عام 1932، وطوال مسيرته الطويلة فى سبيل الحفاظ على سلامة اللغة وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون فى تقدمها، وملائمة لحاجات الحياة فى العصر الحاضر، وفقًا للأهداف الـخمسة التى يقوم عليها، وهي: عمل المعاجم اللغوية – بحث قضايا اللغة – وضع المصطلحات العلمية واللغوية – تحقيق التراث العربى – النشاط الثقافي.