لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج احدي المعجزات التي أيدَ الله سبحانه وتعالي نبيه ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم، فكانت تشريفاً وتكليفاً له صلي الله عليه وسلم، كانت تشريفاً حيثُ شرفه الله تعالي برؤيته جل وعلي، فقرّبه منه وأدناه وكلمه ونجاه، وزاده تشريفاً وتعظيماً أيضاً عندما اقترن اسمه بلفظ الجلالة في النطق بالشهادتين وعندما يُرفع للأذان في كل صلاة إلي يوم القيامة، وفي التشهد أثناء الصلاة عند قرأت التحيات، وأما التكليف عندما فرضَ الله عليه وعلي المسلمين الصلاة من فوق سبع سموات لعظم شئنها وعلو قدرُها وأهميتها فهي صله بين العبد وربّ العزة،. فقال تعالي: (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )،.. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: الفرقُ الذي بيننا وبينهُم الصلاة ،.. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ويقول أيضاً: في حديث الشفاعة بعد أن شفعَ الأنبياء والمؤمنون والأولياء ولصالحون تبقي شفاعة الله الحي القيوم يقول الله تعالي: أرجِعوا فأخرجوا من النار من عرِفتم قال صلي الله عليه وسلم: يَعرفونهم بأثر السجود فان الله تبارك وتعالي حرّم علي النار أن تأكل من أجساد العباد أثر السجود.
الإسراء والمعراج تلك المعجزة التي أحدثت زلزالاً عنيفاً في نفوس وقلوب أصحاب العقيدة الهاشة فكانت حادثاً فارقاً في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث قوبلت بإنكار شديدا من الكفار والمشركين، فكانت بمثابة غُربالاً للمسلمين وكاشفة لضعفاء الإيمان وحديث العهد في الإسلام ، أما المؤمنون الراسخون في الإيمان أمثال أبو بكر الصديق وكبار الصحابة فقد قالوا: إن كان قد قال فقد صدق – أنصدقهُ في خبر السماء ونكذبهُ في خبر الأرض.
لقد جاءت الإسراء المعراج تثبيتاً للنبي صلي الله عليه وسلم في دعوته و تسرية عنه وإزالة همومه وأحزانه، وإكراماً له بعد جفاء قومه وعشيرته، بعد الأذى الشديد الذي تعرض له وبالأخص عندما ذهب إلي الطائف يَعرض عليهم الإسلام فلاقي منهم ما لاقي، من تكذيب وسب واتهموه بالسفاهة والجنون وسلطوا عليه سفهاءهم وجُهلاء القوم والصبيان والصغار وضربوه بالحجارة حتى سالت قدماه بالدم فدعا إلي الله عز وجل، فقال ): اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلي من تكلني؟.. إلي بعيد يتجهمن أم إلي عدو ملكتهُ أمري إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أُبالي، ولكن عافيتُك أوسع لي- أعوذُ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلُمات وصلُحَ عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبُك، أو أن يحل سخطُك لكَ العُتبى حتى ترضي ولا حول ولا قوة إلا بالله) ،… بدأت رحلة الإسراء كما رواها النبي صلي الله عليه وسلم بقدوم ثلاثة من الملائكة الكرام، بينهم جبريل، وميكائيل فشقوا صدره وغسلوا ما كان به من غل بماء زمزم ثم ملئوا قلبه إيمانا وحكمة، ثم عُرض عليه كأسان “أحدهما لبناً – والآخر خمراً” فأختار صلي الله عليه وسلم اللبن، فبشره جبريل عليه السلام بالفطرة.
ثم أركبه جبريل عليه السلام دابة يقال لها البراق: التي تضع حافرها عند منتهي طرفُها فأنطلق إلي المسجد الأقصى يسوقه جبريل فأنزله طيبة ، فصلي بها، ثم أنزله طور سيناء بمصر المكان الذي كلم الله عز وجل موسي عليه السلام فصلي فيه ركعتين، ثم أنزله بيت المقدس فأنزله باب المسجد وربط البراق بالحلقة التي كان يربط بها الأنبياء ثم دخل المسجد ليلتقي أنبياء الله المبعوثين قبله فسلموا عليه وأمهم وصلي بهم ويُقال أنه صلي بهم بعدما عُرج به، ثم صعدا جبريل بالرسول صلي الله عليه وسلم و حملهُ علي جناحيه ليصعد به إلي السماء الدنيا ثم ارتقي إلي السماء الأولي واستفتاح فأوذنَ لهما، فإذا هو النبي أدم عليه السلام، فسلم علي الرسول صلي الله عليه وسلم، ثم أكمل رحلة المعراج والتقي بالأنبياء وفي السماء السادسة التقي بموسي عليه السلام فقال نبي الله موسي: من هذا يا جبريل قال: أنه محمد فقال: أو قد بعث قال نعم فقال موسي عليه السلام مرحبا بالأخ الصالح وبعدما تركه النبي بكي موسي عليه السلام بكاء غبطه وليس حسداً، قال جبريل: وما يُبكيك يا موسي قال ان أُمة محمد أكثر من أمتي، إلي أن وصل إلي سدرت المنتهي والتي جذورها في السماء السادسة وتنتهي إلي عرش الرحمن، ثم تقدم جبريل بالرسول إلي الحجاب وفيه منتهي الخلق، فستلمه مَلك وتخلف عنه جبريل فأرتقي به المَلك حتى بلغ عرش الرحمن، فقال تعالي: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى).
وهنا فرض الله علي النبي الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم التقي النبي بموسي عليه السلام، فقال موسي: “ماذا فرض عليك ربك قال النبي صلي الله عليه وسلم: خمسين صلاة في اليوم والليلة، قال موسي: يا محمد أسأل ربك التخفيف فان أُمتك ضعيفة لا تتحمل، فان قد بَلًوتُ بَنيِ إسرائيل وخَبَرتُهم” فرجعتُ إلي ربي فقلت: يا ربّ خفف علي أُمتي، فحط عني خمساً، فرجعتُ إلي موسي فقلت: حط عني خمساً، قال: إن أُمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلي ربك فاسأله التخفيف، قال فلم أزال أرجع بين ربي تبارك وتعالي وبين موسي،.. حتى قال : يا محمد إنهُن خمس صلوات كل يوم وليلة ولكل صلاة عشر في الأجر فذلك خمسون صلاة” ، ومن هم بحسنةٍ فلم يَعملَها كتبت له حسنة، فان عمِلهَا كُتِبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعَملًها لم تُكتب شيئا، فان عملها كُتبت سيئة واحدة ” قال: فنزلت حتى انتهيت إلي موسي عليه السلام فأخبرته، فقال أرجع فسأله التخفيف، فقال رسول الله صلي عليه وسلم: فقلت: قد رجعت إلي ربي حتى استحييت منه ” (رواه مسلم)،.. وان دلّ ذلك دلَ علي أهمية الصلاة وعلو قدرُها وعظِمَ شئنُها، الصلاة – الصلاة رَحِمنا و رحِمكُم الله.