د. محمد المنسي: لا تحابي أحدا.. وواجبنا ربط الإيمان بالعلم والعمل
الشيخ محمد الدومي: الكون كتاب الله المنظور.. ولا يمكن فصله عن الكتاب المسطور
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتي
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون في ندوة “سنن الله الكونية في القرآن الكريم” التي نظمتها “عقيدتي” ووزارة الأوقاف، بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن التعرف على سنن الله في الكون وتدبرها تجعلنا أقرب إلى الله لأنها تزيد المؤمن إيمان، كما أنها أقوى حجة للدلالة على وجود الله والرد على مزاعم الملحدين.
أشاروا إلى أنه يجب ألا نكتفي فقط بحفظ الآيات القرآنية التي تتناول السنن الكونية، وإنما علينا التأمل والتدبر فيها والتعبد بها إلى الله، ودعوته بها، حتى تتحول حياتنا إلى الأفضل، ونعيش في عزة وكرامة وتقدم، كما كان أجدادنا الذين شيدوا أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها جمعت “العلم والإيمان”.
حضر الندوة لفيف من قيادات أوقاف الجيزة منهم: د. السيد مسعد، وكيل الوزارة ،د. ناصر السقا وكيل المديرية، د. صبرى الغياتى، مدير الدعوة والمركز الثقافى، الشيخ السيد على عمارة، مدير العلاقات العامة وخدمة المواطنين، الشيخ محمد حسين قاسم، مدير شئون الإدارات بالجيزة، الشيخ محسن عبدالظاهر مدير إدارة شمال الجيزة، وعدد من المفتشين والأئمة.
أوضح الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، سنن الله الكونية الواردة في القرآن والسنة المطهرة، وشرح معانيها، وتدبرها، وكلها تدل على عظمة الله وكماله وجلاله سبحانه وتعالى، منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه، ولا يعلمه إلا هو سبحانه في كونه من “الذرة” إلى “المجرة” وكلها تنطق بقدرة الخالق الذي لم يستطع الملحدون الإدعاء بأنهم خلقوا ما في الكون، ولكنهم ردوا خلق الكون إلى الطبيعة، وعجزوا عن الاجابة على سؤال: من خلق الطبيعة؟
السنن الكونية
وقال د. محمد قاسم المنسى، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم: رحم الله الشيخ محمد الغزالى، له كتاب اسمه “المحاور الخمسة للقرآن الكريم” يوضح السنن الإلهية ويشرح أبعادها في نطاق كونها أمهات لمسائل أخرى كثيرة تندرج تحتها، وأى مسلم محتاج لأن يقرأ هذا الكتاب حتى يعرف عما يتكلم القرآن، والقرآن ثلاثين جزءا، وأكثر من ستة آلاف آية، فالشيخ الغزالى لخص لنا خمسة أشياء، أول محور: الله الواحد الأحد، ومبدأ الوحدانية، الثاني: الكون الدال على خالقه، الثالث: القصص القرآني كأداة للتربية، الرابع: البعث والجزاء، والخامس حول ميدان التربية والتشريع الإسلامي، والقرآن أجاب عن جميع الأسئلة، الخاصة بربنا تبارك وتعالى، أنظروا تصوير حقيقة الإله والأسماء الحسنى: “هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ. هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ.هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ“.
أضاف د. المنسي: تسألنى عن تجربتى فى الحياة، وكل واحد فينا له تجربة، وما هو أحب الأسماء إليك؟ أقول لك: اسم اللطيف: كيف ترى لطف ربنا؟ ففى كل لحظة نرى فيها ألطاف الله، وأحد الشعراء يقول: يا خفى الألطاف.. نجنا مما نخاف. ولقد أخذتها من سيدنا يوسف عليه السلام “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”. فكل ما كان فى حياة سيدنا يوسف، كان لطفا من الله، وليس عقابا ولا قسوة، وليس عذابا أبدا، وهذا اللطف، يليق بالله تعالى، ويليق بسيدنا يوسف، لأنه تحرى طوال عمره أن يرضى اللطيف الخبير، وكان عند وعده مع ربه، فلابد أخى المسلم أن تتعرف على ربنا، ومن غير ذلك فكيف ستعيش؟ أنا لا أعرف الخلق، إنما أعرف الخالق- سبحانه وتعالى- لأننى عندما أعرف الخالق، فسأكون قد عرفت أسرار كل شئ، وإذا أنكرت الخالق، تنكرت لى الأسرار ولم تكشف نفسها لى، تأمل سورة الإخلاص تكفيك، من يريد العقيدة.
أما المحور الثانى “الكون” الذي نعيش فيه، الأرض والسماء والبحار والأنهار والجبال والنجوم والكواكب، وكل ما في السموات والأرض من خلقها؟ كيف تدار؟ لا يوجد اضطراب واحد على واحد من مليون فى النظام الكونى، كل حاجة مضبوطة، وكما سمعتها من الشيخ الشعراوى:” حتى من خلقوا بعاهات، ربنا أراد أن يكشف بها لطفه سبحانه على غيرهم، وهم لهم مكافأة عند ربهم، فالمكفوف الذى رضى أنه ولد أعمى أو مشلول أو يفقد جزءا من جسمه ورضى، فإن له مكافأة عظيمة عند الله تعالى الذي يعطيك من خلال هذا مثلا توضيحيا على عطاء الله لك، واحد ماشى على كرسى وأنت تمشي على قدميك، وكأن الله يبعث لك رسالة، الكون دال على خالقه، كون يدل على خلقه: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ“.
أشار د. المنسي إلى أن المحور الثالث “القصص القرآني” يقول تعالى: “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” وقوله “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”. فالقصص القرآنى واقع جميل، نتعلم منه القيم والأخلاق ومراقبة الله، كما تعلمناها فى أحسن القصص (يوسف) “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ”.
أما المحور الرابع “البعث والجزاء”. فلابد أن يكون لديك يقين وليس شكا، بأنك ستبعث “لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ”. فالبصمة للإصبع لا تتكرر على مدى التاريخ كله -كل واحد ببصمته- وهذا نسميه (طلاقة القدرة) نحن أمام عزيز مقتدر لا يعجزه شئ، خلقه وإبداعه فى الخلق ليس له حدود، انظروا إلى آية: “إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
أما المحور الخامس عن التربية والتشريع، فالقرآن يشرع، وفيه من الأحكام والقوانين الشرعية وفى المعاملات المالية فى الزواج والطلاق فى الحرب والعلاقات الدولية والمعاملات التى تدور بين البشر، نظام قانونى بديع، لدينا ما يجعلنا نغزى العالم قوانين، ولابد أن نغزى أنفسنا أولا بأن نطبقها، وكل أمة تعمل قوانين لتحمى أولادها، ونحن بحمد الله نعمل قوانين لنحمى البشرية كلها، ونحمى الإنسان من نفسه، ومن طبعه، ومن جشعه، وحتى لا يظلم أخوه الإنسان، وكل هذا يأتى تحت قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” انظروا إلى مكون من مكونات الكون، فهل وجدتم غلطة، الغلطات كلها من البشر؟
قوانين القرآن
أوضح د. المنسي أن المحور السادس- هو ما أضافه إلى المحاور الخمسة للغزالي- محور “قوانين القرآن والسنن الكونية” التي لا تحابي أحدا، من يجتهد ويعمل ويتقن عمله يتقدم حتى لو كان كافرا، ومن يترك سنن الله في خلقه يتخلف حتى لو كان تقيا، ولهذا فإن الإسلام يأمرنا بالتوكل ويرفض التواكل، وكلمة قانون في اللغة تعنى “مقياس كل شئ وطريقه”، ولم يستخدم القرآن لفظ القانون إلا أنه استخدم لفظ السنّة “سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا”. وهذه القوانين تتعلق بالإنسان عموما، بغض النظر عن قضية الإيمان والكفر، لأن الجانب العقائدى يمثل أحد الجوانب التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وليس كل الجوانب، وهى قوانين مرتبطة بالخالق سبحانه، وهى كلمات الله وأوامره وإرادته العليا القاهرة فوق كل إرادة أخرى، كما أنها تتعلق بجميع البشر وفى كل زمان ومكان، وهى لا تقبل التغيير ولا التبديل، وهذه القوانين تحكم مسيرة الإنسان على الأرض فلم يترك أي شئ للصدفة أو للعبث، فالنظام المحكم الدقيق هو عنوان الكون كله، ولا يمكن القول بأن الكون يحكم نفسه بنفسه والأخذ بهذه القوانين يعنى انتقال الإنسان من حالة العفوية والارتجال إلى حالة الضبط والتنظيم والتخطيط لكل مظاهر الحياة، ومن شأن هذا أن يشيع مناخا إيجابيا يسهم في تحقيق التقدم الذي ننشده لأنفسنا ومجتمعاتنا، فمثلا من قوانين القرآن “قانون البركة” وهو مستمد من قوله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” وربطت هذه الآية بين أمرين: وجود الإيمان والتقوى وحصول الزيادة فى النعم والخيرات، هذه الآية تشير إلى أثر علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، وعلاقته فى الوقت نفسه مع الطبيعة، فلكل منهما تأثير فى الآخر أى تأثير علاقة الإنسان مع الطبيعة على علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، ومؤدى هذه العلاقة هو أنه كلما جاءت علاقة الإنسان مع أخيه قائمة على العدالة وابتعدت عن الظلم والاستغلال، ازدهرت علاقة الإنسان مع الطبيعة وكشفت الطبيعة عن كنوزها، وأعطت المخبوء من ثرواتها ونزلت البركات من السماء وتفجرت الأرض بالنعم والرخاء، وهذه العلاقة بين الأمرين شرحها القرآن فى آيات أخرى يرتبط حصول الرخاء والنعم فى الأرض بسلوك الإنسان مع أخيه الإنسان لأن شريعة السماء نزلت من أجل تقرير عدالة توزيع الثروة فلو طبق الإنسان عدالة التوزيع، لما وقع فى ضيق وقلة من ناحية الإنتاج ووفرته، وهكذا صار الظلم قانونا من قوانين الله فى إهلاك القرى وسقوط الحضارات وزوال الدول والممالك لقوله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).
وأنهى كلامه مؤكدا أن قوانين الله لا تتبدل ولا تتغير، فإنها ما تزال سارية. أولا: قوانين تتعلق بالكون ومنها على سبيل المثال: “قانون النسبية” و”قانون السببية”و “قانون التسخير” وقوانين تتعلق بالفرد والمجتمع ومنها: قانون الإحسان، الكدح والسعى والشدة في العمل والاجتهاد فيه، قانون الظلم وهو ضد العدل، كما ان هناك قوانين تتعلق بالتدبير الإلهى مثل الرزق والبركة والفتنة والابتلاء والهداية والضلال وغيرها.
علم وإيمان
واشار الشيخ محمد عبدالعال الدومى، إمام وخطيب مسجد مصطفى محمود، إلى كلمة “السنن” جمع سنة وهى الطريقة، ووصفها بـ”الكونية” معناه أنها لا تتخلف، فهى ثابتة فى الكون مع الخلق مؤمنين وكافرين، رجالا ونساء، شرقا وغربا، والله تعالى قد ضمنها القرآن، وواجب علينا أن نتدبر القرآن حتى نستخلصها ونعمل بها، وهذا قائم على التفهم والتعظيم للقرآن، والأوامر والتوجيهات القرآنية نوعان: (تشريعية وتكوينية) أو (شرعية وكونية) فأما التوجيهات التشريعية فالإنسان فيها مخير بين الفعل والترك ويمكن مخالفتها عملا، لكن السنن الكونية لا يمكن مخالفتها عمليا، وواجب على الإنسان أن يلتزم بكل أوامر الله ونواهيه، وهذا الفارق بينهما مهم حتى لا يقول إنسان كيف يخالف الناس أوامر الله وأين إرادة الله وكيف يكون فعالا لما يريد؟
أضاف الشيخ الدومى: إن الأوامر التشريعية قد يخالفها البعض كفرا أو عنادا والله سيحاسبهم على ذلك يوم القيامة، أما السنن الكونية أو الإرادة التكوينية فلا يستطيع مخلوق مخالفتها، ثم إن الله لفت النظر إلى ما أوجده فى هذا الكون من إعجاز فى الخلق، وهو بعض أنواع الإعجاز القرآني، لأن القرآن له أنواع من الإعجاز، فمنها الإعجاز البلاغى المعتمد على إدراك علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة، ولعل الشباب الآن يصعب إدراكهم لهذا النوع بسبب ضعف اللغة العربية لديهم، وواجبنا تيسير ذلك ليفهموا القرآن، وهناك الإعجاز العلمى في القرآن بلفت النظر إلى الزرع والحصاد والشمس والقمر والنجوم والكواكب والأفلاك ومراحل خلق الإنسان فى زمن لم يكن لدى النبى أجهزة تكشف عما فى الأرحام، وكذلك من إعجاز القرآن الإعجاز الغيبى بأن يخبر بما لم يقع ثم يتحقق بعد ذلك، كغلبة الروم على الفرس، ومن إعجاز القرآن الإعجاز التشريعي بتلك الأحكام الفريدة التى تضمنها القران كالميراث والحدود والقصاص والبيوع والزواج والعبادات، ويتضمن القرآن إلى جانب ذلك السنن الإلهية التي جعلها نافذة لكل ذى عقل وقلب، فمن ذلك حديثه عن النصر: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” وقوله الله “وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. ليضع لنا قاعدة النصر، بأن الله هو الذى يحقق النصر لمن أراد مسلما أو كافرا، لكن يجب أن يعلم المؤمن أن قاعدة النصر للمسلمين هى نصر الله حتى ينصرنا، ومن ذلك قاعدة ضرورة السعى حيث قال تعالى: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى”. فهذا معناه ضرورة سعى الإنسان وأن الله مطلع على ذلك وسوف يجازيه عليه، ومن هذا سنة أخرى وهى سنة التفوق البشرى حيث قال تعالى: “وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ”. أى أن الذى يعمل ويجتهد، يعطيه الله من النجاحات ما يريد، بغض النظر عن دينه، وأما قوله: “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”، فهى سنة الفتح فى العلم الشرعى، وهكذا تأتى الآيات مبصرة لنا بالحياة وقوانينها حتى نحياها كما أراد الله.