هو علي بن عبدالله بن عبدالجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن محمد بن أحمد بن عيسي بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولد الإمام الجليل في عائلة هاشمية عام ٥٩٣ ه، ونشأ في بلدة غماره ببلاد المغرب العربي وارتحل الي قرية شاذلة بتونس وبها عرف لاحقا، وكانت اسرته ميسورة الحال وعمل مع أبيه وأعمامه وإخوته في الزراعة وتجارة الحبوب وتربية المواشي والخيول الأصيلة، تلقي علومه الشرعية ونبغ فيها صغيرا وكان ضليعا في اللغه العربية والبلاغة وعلم الكلام اي العقيدة والتوحيد وكذلك علم الرجال والسلوك وأصول الفقه وفروعه، وبعد أن أتم دراسته الشرعية بحث عن أعلم أهل زمانه ليتلقى عنه العلم الذي في صدور الرجال ،آخذا بحديث النبي (تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي… إلخ)، فبحث عن العلم في صدور الثقل الأصغر رجال آل البيت النبوي الأحياء وعلمائهم الذي استوطن كثير منهم العراق بعد مقتلة كربلاء، والتقي هناك بعالم رباني ليدله فقال له ان أعلم أهل زمانه موجود ببلاده التي أتي منها وعليه ان يعود إليه ليلتمس ما عنده، ووصف له مكان المغارة التي كان يتعبد فيها ناسكا ذلك الولي الصالح، فعاد الإمام الشاذلي الي بلدته ملتمسا الطريق الي تلك المغارة حتي وجدها ووقف ببابها طالبا الإذن بالدخول من ساكنها، فأذن له وناداه بإسمه ونسبه كاملا وبكنيته، وجلس يعلمه ما شاء الله لهما من أيام ،وكان إسم ذلك الولي الصالح الإمام عبدالسلام بن مشيش، وهو ايضا سليل البيت النبوي عبر الإمام الحسن.
وأوصي الإمام إبن مشيش تلميذه النجيب الإمام الشاذلي أن يهاجر إلي تونس ليعلم الناس أمور دينهم بعض وقته وان يتعبد في مغارة أعلي جبل بتونس جل ومعظم أوقاته ويخرج بعد إكتمال تعبده من تونس إلي مصر ليستقر فيها فستكون موطنه ويرث القطابة فيها.
وبالفعل هاجر الشاذلي إلي تونس وعاش فيها وعلم أهلها أمور دينهم وما زالت مغارته التي تعبد فيها مزارا هاما لمحبيه وله وجود عظيم الشأن في قلوب التونسيين وعموم شعوب المغرب العربي وشمال أفريقيا.
هاجر الشاذلي إلي مصر مصطحبا زوجته وابناءه واستقر فيها وإتخذ مسجدا بالإسكندرية ومعه تلميذه النجيب المرسي أبو العباس وزوج إبنته لاحقا وسمح له حاكم مصر وقتها ان يعلم الناس أمور دينهم، وذاع صيته وإنتشر علمه سريعا وبدأ كبار أعلام ومشايخ الإسلام بالديار المصرية بالتردد إلي مجلسه والتعلم منه ،ومن هؤلاء شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام الذي عاصره وشهد له بالعلم والصلاح والورع والفهم العميق لأصول الفقه وفروعه واعتبره أعلم أهل زمانه، وقال عنه ان كلامه (قريب العهد بالله) كما كان للإمام الشاذلي والشيخ العز ومشايخ آخرين الدور الأعظم في جمع الأمة المصرية وتحريض أبنائها لقتال الغزاة الصليبيين في معركة المنصورة التي إنتهت بنصر المصريين وهزيمة الصليبيين وأسر ملكهم لويس التاسع عشر وكان الشاذلي موقنا من النصر إذ كان قد رأي النبي يبشره بالنصر علي الغزاة.
كان الشاذلي يؤمر سنويا علي قوافل الحج المصرية، فيتعمد ان يبدأ التحضير لها والسير بها من أقصي الشمال في الإسكندرية حتي أقصي الجنوب إلي آخر بقعة يتم العبور منها عبر البحر إلي الأراضي الحجازية، لكي يعظ كل السكان في القطر المصري ويحمل الحجاج منهم في موكبه السائر إلي الأراضي المقدسة وكان يحج ويفعل ذلك سنويا وكان الحج معلما هاما جدا ومعتبرا لديه في كل سلوكه.
وفي وصف تلك البقعة الأخيرة في أقصي جنوب مصر التي بعدها يعبر إلي الأراضي المقدسة، وتسمي حميثرا تحوطها الجبال ذات التراكيب والأشكال البديعة المذهلة في جمالها تقع ضمن منطقة أكبر تسمي صحراء عيذاب، وفي آخر حجة للإمام الشاذلي قبل خروجه من الأسكندريه قال لفتاه ان يحضر فأسأ وحنوطا يستخدم لتجهيز الموتي! فسأله الفتي عن سبب ذلك فأجابه قولته المشهورة (في حميثرا سوف تري) وقاد قافلته حتي وصل إلي حميثرا وبات ليلته قبل الذهاب لركوب البحر، بات متعبدا مناجيا ربه حتي الصبح وسكن جسده وظن مرافقوه انه قد نام ولكنهم وجدوه قد فارق الحياة في المكان الذي أحبه والذي سأل الله تعالي ان يقبض ويدفن فيه، إذ آثر عنه انه سأل المولي ان يقبض ويدفن في أرض لم يعص فيها الله من قبل، وقد علم بتلبية الله دعائه بدلالة مقولته (في حميثرا سوف تري).
وعند البحث العميق والتدقيق في ادبياته والنصوص المنقولة عنه نجدها بالغة العمق مليئة بالتوحيد وكامل العبودية لله والاعتماد عليه سبحانه وحده والزهد عما في أيدي الناس ،وتجده دوما يطلب الله وما عند الله دون تعويل ابدا علي أي شئ آخر، كان قويا بليغا حصيفا لا يهاب قول الحق، يدافع عن المظلومين ويقضي حوائج الناس، وكان اختصارا كل كلامه وأفعاله بها شبها كبيرا واضحا ملموسا وفواحا وعلاقة واضحة وتأثرا شديدا بكلام وحكم وخطب أثرت ونقلت صحيحة عن أبيه الأكبر الإمام علي إبن أبي طالب، مما علمه إياه رسول الله (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
ويمتاز الشاذلي بإنك لا تجد مطلقا أي شطحات او بدعيات او شبهات في أقواله وأفعاله، بل توحيد خالص صاف وعمل مترابط مخلص يصدقه وأقوال تؤكده وتشرحه وتفسره وهو مختلف بيقين عن كل ائمة التصوف بشهادة جميع علماء التصوف (من لم يتشذل لم يتصوف) وقد اخبره النبي في رؤيا صالحة (انا إمام الأنبياء وأنت يا علي إمام الأولياء).
وفي فلسفة المكان الذي دفن فيه وطبيعته المذهلة وجماله العجيب والسكينة التي تشعر بها هناك أسرار عجيبة، كما أن فلسفة الزمان ايضا ومناسبته ايضا موحية عظيمة الأثر إذ انه قبض ودفن ٦٥٦ ه، قبل بلوغه الأراضي المقدسة بمكة المكرمة بأيام معدودات، وبمناسبة الحج الذي مثل أعظم المكانة لديه وفي وجدانه، وهذا الإمام له محبون ومريدون في مصر وربوع العالمين العربي والإسلامي وقد شهد له علماء وشيوخ للإسلام معاصرون بأن منهجه موافق تماما للشرع الحنيف وأنه مبني عليه أساسا ،ومنهم شيخ الجامع الأزهر د. عبدالحليم محمود، وهذا سر تميز الشاذلي ونفاذه العميق إلي القلوب، وكان الإحتفال بذكري إنتقاله يجري في العشر الأوائل من ذي الحجة وتم تغيير الموعد المستقر عليه منذ سنوات وقرون طويلة، ولأسباب لا نراها صحيحة، مما سبب بلبلة كبيرة لدي الكثيرين، ونحن نطالب المعنيين بالعودة عن ذلك التغيير وترك الأمور كما إعتاد عليها المؤمنون، فهذه ثوابت لا يصح الولوج إليها.
وان الإمام الشاذلي في وجدان أهل مصر المحبين لآل البيت النبوي حبا جما بغير غلو وجدوا تاريخيا في التصوف الشاذلي الصافي مدخلا لحب آل البيت دون أن يتهموا بالمغالاة في حبهم والسير علي منهجهم، ونحن نري بناء علي تحقيق علمي متخصص وبحث عميق إستمر سنوات أن الشاذلي جاء مسيرا موجها ربانيا إلي مصر ليكون جسرا بين الأولين في الماضي أي عهد الرسالة وما تلاه، وبين عصره هو وما تلاه، كما جاء ايضا وسيق إلي مصر ليكون وصلا في أيامنا هذه بين المصريين ومصر وجميع أبناء الأمتين العربية والإسلامية من كل المذاهب، ومنطقة حميثرا حيث مقامه ومسجده ومدينته هناك المسماة بإسمه مؤهلة تماما لتكون وجهة صافية لسياحة التصوف الموافق للشرع العارف بقدر آل البيت النبوي والدال عليه والمقدر لدور الصحابة أيضا في بناء أساس الدين مع النبي الخاتم وآل البيت النبوي، ومصر هي حاضنة أكبر عدد من ذرية النبي الخاتم في العالم كله.
والتصوف الصافي والأصيل من أدوات القوة الناعمة الهائلة التأثير بين يدي مصر، خالص لها لا ينازعها فيه أحد، ومعه الأزهر الشريف ونقابة الأشراف ومشيخة الطرق الصوفية التي هي في غالبيتها شاذلية، كل تلك الجهات لها ارتباط وثيق بشكل او بآخر بآل البيت النبوي وتراثهم ومنهجهم وفهمهم للدين فهذه طبيعة العلم الشرعي والفقه الديني الغالب في مصر.
وأن مقام ومسجد ومدينة الإمام الشاذلي في حميثرا من الممكن أن تكون مركزا مهما للسياحة الدينية الصوفية، وللإشعاع الثقافي المؤثر في كل المنطقة، كما أنه لو اتيحت برامج سياحية عبر شركات في الداخل والخارج للراغبين في الاستزادة من نهج الإمام وعلمه المشهود له به، السائر علي قدم جده النبي، وأبيه الإمام علي، وائمة هذا البيت الأولين، فسينتج ذلك قوة هائلة وعظيمة ناعمة لمصر، وايضا سيدر دخلا إقتصاديا وموارد تنعش الإقتصاد، وهذا يفتح الباب للحديث لاحقا في ملف السياحة الدينية لمراقد آل البيت التي شرفت بها مصر.
معرف أنساب ذرية الإمام أبي الحسن الشاذلي لدي نقابة الأشراف.